ما الذي تفعل فينا الشبكات العنكبوتية وهي تنسج لنا وتخيط لنا شباكا تحاصرنا وصرنا أسارى لها مع انها واهنة مثلما وصفَ الله تعالى شباكَ العناكب ؟؟
يبدو أننا نسير الان في طريق أشبه بطريق الغاب ؛ طريق مليء بالذئاب الافتراضية لكنها أضحت مفترسة لعقولنا وتكاد تنهشنا وتُعمي أنظارنا .
أنا وزوجتي وأولادي نمشي متباعدين وكأننا غرباء بعد ان كنّا لحمة واحدة وأسرة يحوطها حزام المحبة والروابط الحميمية وخوفي ان نغدو بلا مشاعر في المقبل القريب اذا بقينا أسرى العولمة الرقمية .
خوفي ان يكون غوغل والفيسبوك والتويتر والتلغرام وبقية نظم الميديا هم الحاضنة الاكثر رحابة وسعة من العائلة التي بدأت تتفكك وكأن هذه النظم متخمة بالمشاعر الأسرية والحبّ وننسى أواصر العائلة وحنوّ الأب والأم والإخاء بين الأشقاء .
يحزنني ان ارى بيوتنا دون جلسات تضمنا معا ولا حوارات نتبادل خلالها وجهات النظر بشأن علاقاتنا الجميلة الحميمية ولا مائدة تجمعنا وتزودنا بالعافية والمحبة ولمّ الشمل .
بيوت كل أفرادها منعزل عن الآخر وكل واحد فيه متصل بآخر بعيد جدا وخارج محيط الأسرة يتحادثان معا وقد يريان احدهما الاخر ولكن بلا أنفاس متمازجة مع بعضها ولا دفء القربى يوصل بينهما ولا يدٌ حانية تربت على الكتف استحسانا .
فالاب الذي تلتمّ العائلة حوله عزلَ نفسه ليحاور ويتضامن مع آخرين بعيدين عنه مسافةً ولا صلة قرابة تربطهم
والام التي كانت تغدق على نسلها بحنانها انشغلت بعالمها الافتراضي واخذت تدردش مع أخريات في أقصى أقاصي الارض ، بينما تناديها ابنتها وتطلب منها حاجاتها لكنها لا تعبأ بها وتيأس البنت وتقعد ملومةً محسورةً .
اية بلوى حينما يكون البيت واهنا مثل بيت العنكبوت ، نائيا عن أقرب المقربين اليه ، بيت كل أفراده بمعزل عن أقرب الناس اليه
اية فرقة مؤلمة عندما يخلع الاب والام والأشقاء مسؤولياتهم العائلية ويكونون متسولين لاسترضاء الأباعد ، يتسولون كلمة إعجاب وثناء مزيف وينتشون بتفاعلٍ كاذب ممن لا صلة تربطهم ولا محبة .
غدونا نستجدي الحنان من الغريب ولا نهتم بالقريب ولا نعبأ بحنان الاب والام والاشقاء
تلك الام تراقب مايدور في العالم وتضع بصمتها وتدلو بدلوها في شؤون الغرباء وتنسى هموم ومشاغل الأقرباء ولا تدري ما يدور في بيتها ؛ يحزنها ذلك الفتى الذي كتب في حسابه سطورا يعلن عن حزنه لكنها تغفل عن ابنتها الغارقة في الحزن والوحدة .
وذلك الاب يهتم بكل مشاكل العالم ويحلل وينظر لكل ما يجري من احداث اليوم والأسبوع ولكنه لا يعلم ماذا يدور في بيته ولا يقدر على فهم الجفاف العاطفي والروحي الشائع وسط أهله . وقد يدسّ نفسه ويتأثر وينصح فتاة عابرة تمرّ بأزمات نفسية لكنه لا يهتمّ بابنته فلذة كبده التي تمرّ بأزمات قد تضاهي أزمات تلك الفتاة المجهولة .
اما الابن فتراه معجبا بمعظم شخصيات العالم الافتراضي ويراها أنموذجا قابلا لان يكون قدوة حسنة ويضفي عليها دزينة من الاحترام والتقدير والإعجاب لما ينشرونه لكنه ينسى جهد وتعب والده في تربيته وتعليمه فلم تبدُ منه كلمة شكر وثناء لهذا المربِّي الفاضل الحنون على ذريته .
أحيانا أتساءل وأنا أرى أولادنا وأحفادنا ومعهم الأب والأم وأقول مع نفسي : لماذا نتوه ونتعثر ونبحث عن دروب بعيدة بينما طريقنا نحو الألفة والمحبة قريب جدا وواضح المعالم ؟
أظنّ وقد يكون ظني في محلهِ أننا أضعنا الاتجاه والبوصلة طالما بحثنا عن رسالتنا خارج أسوار البيت ووطّدنا العلاقة مع الأصدقاء الافتراضيين ، مع الغرباء البعيدين الذين لم نلتقِ بهم يوما ما عيانا ولم نجالسهم ونحاورهم وجها لوجه ولم تمتدّ أيدينا لمصافحتهم ولم نربت على كتفهم استحسانا ورضا عما يبدر منهم .
يقيني الأكيد ان رسالتنا يجب أن تبدأ وتنطلق من البيت وهذا هو الحلّ والعلاج لترتيب حياتنا بآصرة المحبة والتوادّ مع الأقربين بدءا من الأهل والأصدقاء الحميمين وزملاء العمل والدراسة ؛ فهمْ نعمَ الجوار الحقيقي الأقرب حدّ التماس ؛ وهذا وحده رهاننا الحقيقي للفوز في حياتنا وإنهاء مشاكلنا المفككة مع السوشيال ميديا العنكبوتية حتى لا تصبح بيوتنا رخوة واهنة مثل بيت العنكبوت .