د.عبد الجبار العبيدي
يقول الحق : ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أُ تيتم من العلمِ الا قليلا ،الاسراء85.
ويقول الحق : يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي الى رَبكِ راضيةً مرضيةً فأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي،الفجر27-28.
اذن ما الفرق بينهما لغةً وأصطلاحاً …؟
وردت في القرآن الكريم مصطلحات متناقضة كثيرة بحاجة الى تأويل أهملها الفقهاء لعدم معرفتهم بتأويلها من جهة ،ولاتباعهم التفسير اللغوي الترادفي الخاطىء من جهة اخرى ، مثل : الحق والباطل (الحقيقة الموضوعية والوهم)، والحلال والحرام (السلوك الانساني في التطبيق)، والصور والبعث (النهاية والبداية الثانية للحياة ) ،الروح والنفس( والنفس هي بداية الحياة اوالموت،والروح هي بداية الأنسنة في التجريد الرباني، والجنة والنار( الخلود ). ولا زالت كل هذه المصطلحات مفسرة تفسيرا ترادفيا خاطئاً من قبل المفسرين من اصحاب المذاهب الاجتهادية المتناقضة التي عفا عليها الزمن وأصبحت تاريخ .
وخلفت لنا كل هذه الاشكاليات الطائفية المتناقضة اليوم، وهي لا وجود لها اصلا في القرآن، والتي ماتت بموت مخترعيها. وان مجالس الفقهاء واللغة ما زالوا يعجزون عن اعطاء التفسير الحقيقي لها لأرتباطهم بالتفسيرات المذهبية المختلفة لكونها لا نصيب لها في القرآن الكريم. وخوفا من ان تكشف تفسيراتهم الخاطئة امام المسلمين.
ونحن لا زلنا نتمسك بها على العمياني موهمين الجيل الجديد بصحة تفسيرها، لكونها مسنودة من وعاظ سلطة الحاكمين .وهي بحاجة الى تأويل صحيح لتخليص المسلم المواطن من دوامة الجهل والهرطقة التي أبتلينا بها من مرجعيات الدين التي لا يعترف القرآن الكريم بها ولا
2
يخولها حق الفتوى على الناس.. أتحدى احدا منهم اليوم لينبري بمحاورتها علنا ونحن مستعدون لهم وفي أي وقت عسانا ان نتخلص مما ورثناه منهم خطئا وبلا دليل؟ .
كيف لا ، ونحن نعيش اليوم عصر الجماعات السلفية المتشددة التي لا تعرف من الاسلام الا اسمه، ومن القرآن الا رسمه ،جاؤنا باللحى الطويلة والدشاديش القصيرة والسواك والهرطقة الفكرية الجامدة ،وقتل المخالفين- وذبح الاطفال كما في فعلة المجرم شافي العجمي الكويتي هؤلاء يريدوننا ان نخضع لأرائهم وكل ما هو يتناقض مع مفاهيم القرآن الكريم ،وبثوها بين الناس ، لتثبيت سلطة الحاكم الجائر المستبد،هؤلاء الذين يدافع عنهم القرضاوي وغيره من المتحجرين. فمالم يفهمها الناس بحقيقتها التي وردت فيها سوف لن نخرج منها ومن قيودها الحديدية الميتة ابدا..
وهذه هي مسئولية الدولة تجاه مواطنيها والا اصبحت الدولة شريكة معهم في أيهام الناس بالباطل الذي يتمسكون به -فكيف دولة العراق التي تاسست على الباطل -، من اجل بقاء حكامها وسلطتهم الجائرة على الناس.وهم وحُكم الاسلام والعدالة على طرفي نقيض. لقد آن الآوان الثورة على مرجعيات الدين وفصلهم نهائيا عن سلطة الدولة في حقوق المواطنين .
ولنتأتي الى الروح فنقول :هي النقلة النوعية التي أدت الى انتقال البشر الى انسان بعد ان كان يعيش في المملكة الحيوانية وليست هي سر الحياة كما يدعون ، بل هي سر الأنسنة،أي الوجود الأنساني عند البشر والذي بدأ بآدم ابو التجريد (الانتقال الى مرحلة الوعي) .ان الوجود الموضوعي للحياة وقوانين الوجود هي مدركات خفية لا يعلمها الانسان .فالشمس موجودة لكنها غير مدركة (والشمس تجري لمستقر لها، والموت موجود لكنه غير مدرك ،( سيدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)،والحلال والحرام قوانين في السلوك الانسان متبعة ولا يجوز تخطيها لاستمرارية قانون الاستقامة ،يقول الحق : (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما يأذن به الله،الشورى 21) ويقول الرسول (ص) : الحلال بَين والحرام بَين وبينهما أمور لايعلمهن الكثير من الناس). فكيف هم يعلمون…؟.
أذن بدون الاستقامة لا حياة للبشر على الارض ،ومن لم يستقم نهايته وخيمة، لذا جاءت آية الاستقامة في فاتحة القرآن العظيم (السراط المستقيم ،تذكيرا لبني البشربالعمل الصالح ).
والصور (النهاية للحياة الدنيا) والبعث (العودة لها) أذن أين عذابات القبر كما يدعون، يقول الحق : (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الارض الا من شاء الله ثم نفخ فيه
3
اخرى فأذا هم قيام ينظرون، أي موت وحياة ،الزمر68).والجنة والنار ( ونادى اصحاب النار اصحاب الجنة ان أفيضوا علينا من الماء او مما رزقكم الله قالوا ان الله حرمها على
الكافرين،الاعراف 50). فالجنة خلود ، والنار خلود ،والفرق بينهما عزُ ومذلة ، ولا منطقة وسطى بينهما، لكن بعد قيام الصور .
هذه كلها مصطلحات لغوية تحوي الجانب العلمي في التفسير،لم يتطرق اليها المفسرون لعدم ادراكهم معناها التأويلي وفق التفسير الترادفي اللغوي الخاطىء المستعمل عندهم آنذاك. فقالوا بتفسيرات هامشية لا تفي بالمعنى ابدا ،فظلت الآيات معطلة المعنى والقصد الى اليوم. فلا الاسلام نفع ولا المسلمين انتفعوا منهم بل بقي الاسلام يتعايش في لغتهم وليس في واقعهم. ولو تصفحت التفاسير كلها لوجدتها متشابهة او تكاد ان تكون صورة واحدة لا جديد فيها،لان كل واحدٍ منهم أعتمد على الأخر الا ما ندر.
،ولفظة الصور جاءت من( صيَر )وهو اصل صحيح تعني المآل اي النهاية ( الزمر 68) ، والبعث يعني الرجعة بعد الصور الأول اي بعد الموت ( ثم نفخ فيه اخرى فأذا هم قيام ينظرون) .مصطلحات لم يدركها التفسير،والتأويل لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم (آية 7من سورة آل عمران) ،ولان العلماء مجتمعين لم يشتركوا في التأويل لذا بقيت الآيات القرآنية معطلة المعنى عن العامة ،فحل محلها التفسير الهامشي الذي صنع لنا اسلام الدولة لا اسلام الامة ،اسلام
المواعظ والخطب واستغلال العامة، لا اسلام الحق والمساواة . فالوجودالموضوعي خارج الوعي الانساني هو الوجود الآلهي المدرك بالحواس، لذا فنحن نقر بوجود الله دون ان نراه. فأين المفسرين مما جاؤا فيه من علم أصيل؟
ونحن هنا لسنا بمعرض التفصيل عن كل هذه المصطلحات التي هي بحاجة ماسة ان يعرفها الانسان مؤمناً كان ام من المسلمين ، لأنها من العلوم الكونية ذات الصلة بالتفكير الانساني المدرك واللا مدرك ،والتي نحن بحاجة لأن نفهمها ،فلا يمكن لآية من القرآن نزلت دون معنى او حرف نزل دون قصد كما يدعون دون ان يكون جزءً من آية وله فائدة ومعنى ، والا أعتبر القرآن في بعض أجزائه حشوا لا فائدة منه وهو منه بعيد.. والعاقل بعد التفكير والتأني ودراسة قانون المتناقضات يقر بهذه القوانين وخاصة الغيبية منها لانها خارج المدرك العقلي للانسان كما في وجود الجنة والنار وقصة اهل الكهف وولادة المسيح دون ان يمسس أمه رجل وأبراهيم والنار وعصا موسى والثعبان وغيرها كثير. ،لكنها تبقى غير مدركة الاصل في فكره ووجوده.اي تبقى مدركة على الحدس والتخمين وكما نقول (الله أعلم).
4
لقد أوجدت لنا نظرية الترادف اللغوي عند المفسرين أخطاءً قاتلة يصعب تداركها اليوم في التفسير القرآني لأن الخطأ تجذر في فكر الامة ،فأوصلنا الى الأنغلاقية الفكرية التي اماتت فينا كل تطلع علمي رصين، لذا من الصعب نزعه خاصة وان المناهج المدرسية قد أخذت به ولا زالت تغلف عقول الطلبة بالخطأ على ما جذرت فينا المذاهب الاجتهادية من تفرقة طائفية قاتلة نحترق فيها اليوم دون ان ندرك وستكون بها النهاية من اجل ان يسود السلطان الظالم الجائر المستبد المتعنت صاحب السلطة والقوة والمال ولا غير.
مع الاسف الشديد ان المفسرين لم يكلفوا انفسهم البحث عن عناء اصل الحياة وعندي انهم لم يكن باستطاعتهم معرفة هذا العلم الآلهي لفقدانهم قدرة التفكير العلمي من جهة في ذلك الزمن المتقدم ،ولاتجاههم نحو خدمة السلطة لا الناس والدين.،لذا قالوا ان الروح كما في الآية الكريمة :(ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلا) هي سر الحياة وهي من أختصاص رب العالمين،علما ان الآيات المتشابهات كلها قرآن تحتاج الى تأويل علمي وليس الى تفسير لغوي ترادفي خاطىء .
واليوم يعترف مؤتمر مجمع اللغة العربية المنعقد في الدوحة بأن اللغة العربية ومصطلحاتها اصبحت عاجزة عن مسايرة التقدم العلمي الحديث ،لذا لابد من قاموس جديد(معجم) لتدارك ما فات اللغة العربية من نقص والا اصبحنا شعوبا واقفة في مكانها نجتر الذكريات وفخفخة التراث الميت وترديد المفاخرات التي ذهب زمانها وماتت اهميتها ،فذاك زمان،واليوم زمان .
وحين كتبنا لوزارة التعليم العالي العراقية قبل أكثر من سنة حول فكرة المعجم العلمي لتدارك النقص في المنهج الدراسي المتبع اليوم،لكن لا جواب خوفا من المحذور من المرجعيات الدينية وفقهاء السلطة المتعنتين.
ان الأهتداء بمعرفةحقيقة اصل الانسان بدأت بالعالم الشهير دارون الذي اهتدى بعقله وعلمه وتجاربه ونظريتة اصل البشرفي هيكلها العام العلمية الصحيحة لأنها تنطبق على تأويلآت الخلق.،فقالوا عن دارون انه رجل كافر ،بينما دارون لم يكن كافرا،بل كان مؤمنا بالله ، لكنه قال الحقيقية في نظرية أصل الأنواع التي هم عجزوا ان يعطوا دليلا علميا عليها،والتي ولدت لنا مئات الاكتشافات العلمية فيما بعد.وهم لم يكتشفوا لنا الا السواك والدشداشة القصيرة وتطويل اللحى وحلق الشوارب وقناع المرأة وزواج المسيار ورضاعة الكبير والمتعة التي سقطت من زمن بعيد كما تلاشت نظرية الأماء، واخيرا اخترعوا لنا لُعب المطاط ليلهونا بها في حالة الفراغ والضياع.
يبدو ان الارضية المعرفية للمفسرين لم تسعفهم الوصول للحقيقة العلمية فقالوا ان الروح هي سر الحياة وهذا الموقف كان مقنعا لهم ولمعاصريهم .هكذا كانت الأرضية المعرفيةالسائدة .أما الأمربالنسبة لنا فهو غير ذلك.
5
وليعلم كل المفسرين ان الروح ليست سر الحياة وأن الموت والحياة هما من قوانين الوجود المادي خارج الوعي الانساني،وهما خلق وكلاهما من قوانين الخلق كما يقول الحق : (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ،الملك2).
ان الاسلوب اللغوي الترادفي الذي استعمل عندهم ولا زال هو الذي جعلهم يخلطون بين النفس والروح ،لان الله (جلت قدرته)لم يذكر مصطلح الروح في مجال الحياة والموت مطلقا.وهذا هو قصور معرفتهم في الجدل بين النسبي والمطلق أي بين النص الثابت والمحتوى المتحرك،فالنفس هي التي تحيا وتموت ولا علاقة للروح في ذلك ابدا. يقول الحق (:كل نفسٍ ذائقة الموت ،ولم يقل كل روحٍ ذائقة الموت).
بعد ان حولت الروح البشرية الى انسان واخرجته من عالم الحيوان ،اصبحت المعرفة والتشريع( الاوامر والنواهي) هما أصل المعرفة التي تولدت منهاالحرية، والحرية هي أساس الحياة وهم عنها بعيدون ، والتشريع جاء رديفا لها لوضع الحقوق والواجبات من مستلزمات الحياة التي أمر الله دون تردد. فأنتقلت حياة الانسان الى الكرامة والاحترام فوضعت القوانين والتشريعات التي حفظت توازنات الحدود بين الناس بموجب الاوامر والنواهي الربانية العليا ،كما في قوله تعالى : (فاذا سويتهُ ونفختُ فيه من روحي فقعوا له ساجدين،الحجر29). فنفخة الروح هي النقلة النوعية التي ادت الى انتقال البشرالى انسان .
هنا يكمن مفتاح القضية في فهم خلق الانسان ويتجلى ذلك في ان الروح ليست هي سر الحياة العضوية كما يدعي التفسير ،هذا التفسير لاينطبق مع الحقيقة الموضوعية واصول البحث العلمي الموضوعي. ومن جراء الفهم الخاطىء ابتعد العرب والمسلمون عن البحث العلمي واصل الانواع وتركوه للعالم المبدع الفيلسوف داروين وغيره حتى اكتشفوا لنا منه كل اسباب الامراض الوراثية والجينية وهي عندنا منذ عهد بعيد .فمن يتحمل مسئولية تخلف المسلمين .
لقد تمسكت السلطة منذ القدم بالتفسير الترادفي خدمة لمصالحها مثلما تمسكت بالحديث وزورت عليه الف الف حديث لمصلحتها لانها وجدت ان في تأويل القرآن الكريم وفق النظرة العلمية تواجه فيه مشكلة لا تعرف لها حلا،وهي حاجتها الى التعايش مع دستور شرعي لا يعترف بشريعتها التي بنيت على التفسير الخاطىء للنص الكريم . لذا تراهم حيارى يتخبطون بلا دليل. سيبقون كذلك الى ان تعي الامة الصحيح الذي ينهي سلطتهم الجائرة الفاسدة .اما الحلال والحرام والصور والبعث والجنة والنار كلها مصطلحات قرآنية علمية بحاجة الى تأويل وتفصيل بعد ان جاءت رمادية المعنى في التفسيرفأختلط الأمر على العامة دون معرفة الصحيح…….؟.
لكن لا عتب على امة ضربت قادتها الحقوق،وأستمرأت الباطل،واخذت بكل خطأ فرضها عليها رجل الدين المزيف بدلا من الصحيح ، لكنها وبكل عناد وقح تدعي قياداتها انها قيادة أمة الاسلام والمؤمنين…يا لتعاسة التقدسير والتقدير…؟ ان الذين يتبعونهم بالتصديق ويهرولون من ورائهم هم اتعس منهم في الالحاد والتكفير
والسلام على من اتبع الهدى ،والقى السمع وهو شهيد.
د.عبد الجبار العبيدي