د.عبد الجبار العبيدي
يقول الحق :
الرحمن علمَ القرآن خلقَ الانسانََ علمهُ البيان …..والسماءُ رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزانِ وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ،(سورة الرحمن ).
أبتداءً نقول ان مصطلح الرحمن ، ومصطلح الشيطان، هما النقيضان اللذان يعملان في الدماغ الأنساني “التصديق والتكذيب ،أي الحقيقة والوهم” ان المعرفة الانسانية تحتم على المسلم الصحيح ان يعرفهما ويعرف الفرق بينهما لغة وأصطلاحاً ودلالة في المعنى.
كلمة الرحمن :
تعني الرقة والعطف والرأفة ،وتعني الأحسان الى الأخر، وتعني القوانين الالهية في السيطرة والاستحكام ، وهو مصطلح أستحدث بنزول القرآن الكريم،ودلالته اللفظية هي الرحمة بمعناها الأوسع بين الناس ،لذا اعتبر القرآن القوانين المادية الموضوعية والقائمة على الثنائيات في الكون هي قوانين رحمانية مادية ملزمة في التطبيق لكونها هي التي تحفظ الحقوق والواجبات للأنسان ، اي لتحقيق العدالة والاستقامة دون تكليف،كما في قوله تعالى : ( ولا تَلبسُوا الحقَ بالباطلِ وتكتموا الحق ,وانتم تعلمون ،البقرة 42). أي بعد تفريق الحق عن الباطل يجب ان لا نلبسهما معاً مرة أخرى لذا أورد القرآن في نهاية الآية بقوله (وأنتم تعلمون). والمراد بها دلالية التأكيد .
والاية جاءت حدية ملزمة التنفيذ ،لذا يجب على السلطة والفرد الالتزام بها قانونا واخلاقا دون اعتراض من مصلحة ،او ظرف معين، او رغبة من فرد او حاكم ،وان كان يملك سلطة القانون. فدلالة المصطلح حدية لا تقبل التأويل . والا من يخال فدلالته يبقى حائرا يطلب رحمة الاخرين فيالرحمة والغفران؟
بينما كلمة الشيطان :
تعني المصطلحات المتشابهة التي هي الغرابة.وهو مصطلح مادي موضوعي له وجود خارج الوعي الأنساني غير مدرك ،لأنه يُذكر ولا يرى، كما في قول الحق : ( واذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا واذا خلوا الى شياطينهم قالوا انا معكم انما نحن مستهزؤون،البقرة 14 ). فالشياطين هنا قد تعني اشخاصاً غير ظاهرين للعيان ،وقد تعني أوهاما لا تقدر الا بقدر،وقد تعني دلالات معنوية مرتكبة باللاأرادية من قبل الأنسان.حتى قال بعضهم اذا كانت غير مدركة فلماذا يحاسب عليها الأنسان …؟ تلك مسئلة بحاجة الى اجابة فلسفية وسايكولوجية مقنعة.
لكنها في الحقيقة تعني الباطل وورود كلمة الرحمن في بداية كل سورة تعني التذكير بقوانين الربوبية التي تدعو الى التطور، وهي قوانين رحمانية تعمل بشكل موضوعي سواءً أدركناها ام لم ندركها ،لأن القدرة الآلهية أمر خارج نطاق الأدراك البشري كما في قوله 🙁 الرحمن فأسئل به خبيرا،الفرقان 59).
2
ان القوانين الرحمانية التي وردت هي( قوانين الجدل) اي وحدة الخلق وصراع المتناقضات في الشيء الواحد وجدل الأزواج في الأشياء، وهي قوانين الثابت والمتحول المُخزنة في الامام المبين الذي يحتوي على قوانين التصرف في ظواهر الطبيعة ،وكذلك السلوك الأنساني بعد حدوثه. فورود كلمة الرحمن في القرآن تعني مفهوم القوانين التي جاء بها الخالق لتنظيم الحياة البشرية على الارض ، ولم ترد في مفهوم الرحمة أبداً، وهو المولد، لذا قال الحق : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون،الانبياء 26).لذا فأن حياة الانسان وافعالهُ كلها مدركات بدلالات قانونية وفق مبدأ العدالة والحق المطلق في القرآن لا يجوز تجاوزها ابدا حتى لو تعارضت مع المصالح الذاتية للفرد ،فهل يدرك الحاكمون …؟.
في العالم الرحماني لا توجد (لا معقولات) وانما هناك عجز العقل الأنساني عن الأدراك لما لا يدرك، لذا جات بصفة الصيغة المادية الصوتية مثال ذلك (الجن والملائكة) فهي موجودة وثابتة بالنص القرآني لكنها غير مدركة ولامرئية ابداً.وكما في عصا موسى التي تحولت الى ثعبان واعادها الله بقدرته الى سيرتها الأولى دون ان يدركها الانسان .يقول الحق :وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهشُ بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى قال ألقها ياموسى فألقاها فأذا هي حية تسعى قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الاولى ، (طه17- 21) .
من هنا نستطيع ان نلمس قوانين التطور ودلالاتها المعنوية والفلسفية التي أودعها القرآن فينا،وطلب منا التطبيق. وتغير الصيرورة وقوانين الزوجية في الاشياء (مخلق وغير مخلق) و (معرشات وغير معرشات). وهكذا ولد الكون وخلقت القوانين الربانية التي لا يجوز اختراقها بمن آمن بالله واليوم الاخر كما في قوله تعالى 🙁 وجئتكم بآية من ربكم فأتقوا الله وأطيعون،آل عمران 59) . والطاعة هنا تكليف وواجب وليس اختيارا . لذا فان قوانين القرآن هي الوجود المادي المخلوق الذي يتماشى مع التطور . من هنا نقول ان النص القرآني ثابت ومحتواها متحرك ليتوائم مع التطور الزمني للحياة ،والا كيف نثبت ان القرآن صالح لكل زمان ومكان ؟ . لذا فأن من يخرج على النص قصدا لا يمكن الا ان يحصد الريح في كل ما يرغب ويريد .
وبأنتصار الفقهاء على عهد المتوكل العباسي (232 للهجرة) على الخليفة المآمون العباسي وحركة الاعتزال العلمية، تم قصم الفكر الاسلامي العقلاني ، وهنا ضاع الفرق بين الكتاب والقرآن وضاع معهما العقل ، واصبح النقل اساس الاسلام لا العقل ،وهي الكارثة التي حلت بالاسلام ولا نزال نعايشها الى اليوم حين حلت نظرية الجبرفي العقيدة الرسمية لعامة المسلمين التي أفقدتنا التقدم والتطور وفق معايير ا لاسلام الحضارية، والتي ويروج لها الفقهاء الذين خرجوا عن المفهوم العام للقرآن كما في القرضاوي والعرعور الذين اباحوا قتل الاسلام والمسلمين دون رادع من ضمير.
و اليوم تعدى الامر الى المسئولين حين وصف رئيس جمهورية مصر العربية المتزمت في الدين ،طائفة من المسلمين ( بالكفرة والانجاس) وحث على قتلهم ،ونفذ بعض الجهلة ممن يدعون الاسلام باطلا جريمة قتل المسلمين، كما حل بالشيخ المسلم المرحوم حسن شحاته والاخرين في منطقة الاهرام المصرية بالقاهرة.ان الرئيس المصري المخلوع الدكتور محمد مرسي بموجب قوانين القرآن والدين متهم بالاجرام ويجب تقديمة لمحكمة التاريخ ،ولا يستحق ان يحكم المسلمين بعد ان اخترق شريعة الأحكام في النظرية والتطبيق.
اما مصطلح الشيطان :
فجاء للدلالة على الباطل في الفكر الأنساني وهو النقيض للرحمن تماماً الذي هو طرف الحقيقة في الوجود المادي كما في قوله تعالى 🙁 يا أبتِ لا تعبد الشيطان ان الشيطان كان للرحمن عصيا ،مريم 44). لذا فالرحمن يمثل الجانب الموضوعي الحقيقي في قوانين الوجود والشيطان يمثل الجانب الوهمي في الفكر الانساني ،وفي كليهما دلالة واضحة في القصد.
فكلمة بسم الله الرحمن الرحيم هي ليست فواتح للسور كما اوردها لنا المفسرون خطئاً، بل هي قوانين الوجود المادية التي وردت في كل سورة قرآنية .لذا فالأستعاذة من الشيطان في قراءة القرآن المقصود بها هو صد الشيطان من تحويل قراءة القوانين الآ لهية الى اوهام شيطانية،وهذه هي منتهى الحكمة في مصطلح الرحمن الذي لم يدركه الفقهاء فظل معطلا في رؤوس الناس الى اليوم،
يُقرأ ولا يُفهم .
من هنا فأن المصطلحين الرحمن والشيطان هما اطراف العملية الجدلية في الفكر الأنساني،فالرحمن يمثل الجانب المادي الموضوعي، والشيطان يمثل الجانب الوهمي في الفكر الأنساني .لذا فالأستعاذة من الشيطان الرجيم قبل قراءة القرآن تعني التصدي له لتحويل القراءة القرآنية الى قراءة مادية رحمانية وابعادها عن اي توجه شيطاني . فمن يبتعد عن تنفيذ اي قانون ضد المادية الرحمانية سواءً كان فردا او حاكما فهو في دائرة المسائلة الربانية عنه حتماً.
من هنا لابد من يتصدى للتفسير القرآني عليه ان يكون عالما باللغة والعلم، مبتعدا عن الترادف اللغوي و بكل عناصر المعرفة الانسانية ليعطي للقارىء المفهوم القرآني في التطبيق،فالقرآن ما جاء ليقرأ ويجود بأنحناء الرؤوس،بل جاء ليقرأ ويفهم ومنه تستخرج القوانين الناظمة للوجود الانساني الملزمة في التطبيق. فالقرآن ليس دستورا للناس بل كتاب هداية منه تستل القوانين.فأين نحن اليوم من السلف الذين اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ واسقطوا العقل امثال وعاظ السلاطين، الذين خربوا الاسلام والمسلمين واشاعوا الفتنة بينهم بحجة الفرِق والطائفية ، فأجازوا تخريب الاوطان واحتلالها وقتل المواطنين بحجج الدين وهم ودين السماحة على طرفي نقيض.
نعم ان القرآن هو المعجزة الخالدة لمحمد(ص) صالح لكل زمان ومكان الى يوم الدين وما ورد فيه ملزم التنفيذ، كأي نص في قانون او دستور. فأين علماء التخصص من التفسير الصحيح. وأين المنهج المدرسي الذي نريده لطلابنا الجدد املا في تغيير النظرة الحقيقة للوجود الرباني الحكيم.
أنظروا مناهج التعليم وما فيها من تخريفات المؤلفين والتي حولوها الى اساطير .
شعوب كثيرة لها ديانات منزلة وغير منزلة حسب اعتقادها،وشعوب لا ديانات لها ،ظلت تدين بما خلفته الطوطمية لها ،وشعوب اصلأ عاشت ولا زالت بلا دين لها بالمطلق. لكنها تقدمت وتطورت وأتخذت من شعوبها ووطنها دستورا أنسانيا لها،ما عرفت الفرقة ولا الطائفية ولا العنصرية ولا الاستغلال للمال العام الذي به تتطور البلدان لها ومع الاخرين.منه استنبطت القوانين والقيم وعلاقاتها منع نفسها والشعوب الاخرى ،فعاشت هدئة وهانئة ومستقرة وكونت حضارات يدين لها العالم اليوم بالتقدير والاحترام.بينما نحن شعب تخلف من جراء استغلال الحاكم وحوله الى تخريب.
أمريكا دولة واحدة تتكون من خمسمائة أمة لكنها في أمة واحدة، نتعايش فيها بأمم مختلفة وديانات ومعتقدات مختلفة وليس للتوحيد فينا من نصيب …؟ بينما نحن امة واحدة في خمسمائة أمة خربتها عقول الفقهاء الجهلة ووعاظ السلاطين…؟
نحن فقد قلبنا الدنيا وأقعدناها اليوم بديننا الاسلامي وكلنا نشهد بالشهادتين،لكن تعالَ على معتقداتنا وتطبيقاتها تجد فيها الف معتقد ومعتقد، والف عادة وعادات حتى خلقنا من المسلم غريما للاخر يستحل دمه وماله وعرضه،واتهمنا الاخرين بالهرطقة والزندقة واحللنا عليهم القتل والتجريم دون سند من دين ،فلا ادري هل نحن احسن منهم في الالتزام والتطبيق؟ أم هم احسن منا في العقيدة والتثبيت ؟اسئلوا اهل الذكر ليجيبوكم عن الصحيح.
ان الصادين عن الآوطان ، والمزيفين للحقائق، والخارجين على القوانين ، والناكثين للعهود ،والحانثين لليمين والقسم، والسارقين لأموال الناس بالباطل ، والمتسترين على الأعوجاج ، واللاهثين وراء الحكام من المواطنين والمسئولين،والذي يعاشرون الحياة بوجهين مختلفين ،هم الذين تنطبق عليهم كلمة الشياطين وغالبيتهم من الكافرين ،فمصطلح الشيطان ماجاء في القرآن ليرمى على الناس جزافا او للمسخرة من هذا وذاك،بل جاء قصدا لمعرفة الحق من الباطل في التحقيق على الشياطين ومن يتستر عليهم فهو شريكهم في التقصير.. وما لم تتغير الصورة الحقيقية للتأويل القرآني وتنتزع من المفسرين وتحول للعلماء المتخصصين ،ويصبح المسلم محبا ومحترم لأفكار ومعتقدات الأخرين،
4
سنبقى خلف كل الشعوب دون حراك،مادمنا من جوقة المفرقين،وسيبقى اسلامنا اسلام داعش والنصرة وكل وجوقة المطبلين ،
وسيبقى الحاكم هو المتوكل الجديد في كل العصور.