مير عقراوي / كاتب بالشؤو الاسلامية والكوردستانية
[ الجزء الثالث ]
تحريف النصوص وعدم الأمانة في النقل ! :
من الشروط المستوجبة للمقالات العلمية النقدية ، ناهيك عن الأبحاث والدراسات العلمية النقدية هو ضرورة تحلّي كاتبها بالأمانة والصدق والموضوعية في النقل والإقتباس من المراجع والمصادر التي يستفيد منها في مقالاته ، أو في أبحاثه ودراساته . وذلك بغض النظر عن درجة التوافق ، أو الاختلاف مع النص .
لقد حاولت كثيرا أن أجد بحثا واحدا ، أو دراسة واحدة للمدعو ( فرياد ابراهيم ) فلم أجدها ، بل الذي عثرت عليه هو مجموعة من الكتابات والمقالات المتناثرة في هذا الموقع أو ذاك . حتى ان هذه الكتابات والمقالات لم يستوفي الكاتب حقها العلمي على صعيد النقد الموضوعي والبحث العلمي والتوثيقي . ذلك ان غالبيتها تمتاز بالخطابات الانشائية والعاطفية والعصبية والانفعالية ، بالاضافة الى حالات التشهيروالتهكّم والتهاجم والتجريج والحقد والكيد التي ترافق الكاتب فأصبحت شغله الشاغل .
في حين ان الكاتب الواسع الأفق والثقافة والمعرفة ينأى بنفسه أن يسلك هذه السبل المتعرجة والطرق الوعرة في كتاباته وخطاباته للقراء سواء كانت نقدية وإعتراضية ، أو انها كانت تحمل طابع التحقيق والتمحيص ، أو انها كانت تتعلّق بالبحث المختلف أبعاده وميادينه .
إن الذي يتصرّفُ وفق هواه وأيديولوجيته ومعتقده في نص من النصوص بالزيادة ، أو النقصان ، أو أيّ شكل آخر من أشكال التحريف يُعَدّ من الناحية العلمية والقانونية والسلوكية إفتئاتا – تجاوزا – وغشا وخيانة بحق النص والعلم والقرّاء في الوقت ذاته . لهذا فالكاتب الملتزم والمعتقد والمتخلّق بقواعد الكتابة والبحث والنقد والموضوعية والأمانة العلمية لايُفكّر أبدا في طّيِّ هذه المدارج الملتوية ، لأنها تتصادم مع قيم الحق والحقيقة ، ومع القيم العلمية والثقافية والمعرفية والانسانية . على هذا الأساس فإن الكاتب الموضوعي والأمين هو الذي يحاول جهده أن يتصف
بالأمانة والإتّزان والرصانة والدقة في النقل والإقتباس للنصوص ، حتى انه لايهمل النقطة والفارزة والقوس والحركات النصية . وذلك حرصا منه على التقيّد الكامل بالأمانة والضبط في النقل والاقتباس ! .
إن المدعو ( فرياد ابراهيم ) ، للأسف الشديد هو مثال ساطع للغش والخِداع والتحريف والتصرّف في النص بحسب هواه وفكره ودينه ، ويتبيّن هذا جليّا في تحريفه لنص الكلام ، أو الرسالة التي أرسلها خالد بن الوليد ، في حينه الى ملوك فارس . بالنحو التالي ينقل ( فرياد ابراهيم ) كلام خالد بن الوليد ، راجيا من القرء الأفاضل الدقة والتمعّن هنا ؛
النص كما نقله الكاتب المذكور محرّفا ؛ [ أما بعد الحمد لله الذي حل نظامكم ووهن كيدكم وفرق كلمتكم ، ولو لم نفعل ذلك كان شر لكم فآدخلوا في أمرنا ندعكم ونجوزكم وأرضكم الى غيركم ، والا كان ذلك وأنتم كارهون على أيدي قوم يحبون الموت كما انكم تحبون الحياة .] .
أما النص الأصلي والصحيح لكلام خالد بن الوليد هو كالتالي كما هو موجود في كتاب الطبري المعروف ؛ [ من خالد بن الوليد الى ملوك فارس ، أما بعد ، فالحمد لله الذي حلّ نظامكم ، ووهن كيدكم ، وفرّق كلمتكم ، ولو لم يفعل ذلك بكم كان شرا لكم ، فآدخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم الى غيركم ، وإلاّ كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبّون الحياة .] . ينظر كتاب [ تاريخ الطبري / تاريخ الأمم والملوك ] لمؤلفه أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، راجعه وقدم له وأعد فهارسه نواف الجراح ، دار صادر بيروت ، لبنان ، ط 1 ، 1424 ه / 2003 م ، ج 2 ، ص 569 .
إن الفروقات الكثيرة واضحة بين النص التحريفي الأول للكاتب ( فرياد ابراهيم ) ، والنص الثاني الأصلي ، حيث كالآتي يمكن ترقيمها ؛
1-/ إن الكاتب ( فرياد ابراهيم ) تصرف بشكل تحريفي سافر وعلني في النص المذكور ، إذ أن النص الأصلي لم يوجد فيه إطلاقا هذه العبارة التحريفية ل( فرياد ) ، وهي ؛[ فآدخلوا في أمرنا ندعكم ونجوزكم وأرضكم الى غيركم ] ، بل الثابت هو إن الصواب هو ؛ [ فآدخلوا في أمرنا ندعكم وأرضكم ونجوزكم الى غيركم ] . الفرق واضح جدا وكبير جدا بين النصين ، لأن النص الأول يبدو عليه عيانا آثار التخبط والتصرف والتحريف غير المتقن ، إذ يقول النص التحريفي أن خالدا قال مخاطبا لملوك فرس ؛ اذا دخلتم في أمرنا – أي الاسلام – نترككم ونسلّم أرضكم الى غيركم ، مع العلم ان العكس هو الصحيح ، حيث قال
خالد ؛ إن أسلمتم نترككم ، ولكم أرضكم ونجوزكم ، أي نذهب ونمضي الى غيركم ! .
2-/ لم يُثَبّتْ ( فرياد ابراهيم ) في مقالته المصدر الذي أخذ منه النص التحريفي الذي آعتمد عليه أبدا .
3-/ لم يلتزم ( فرياد ابراهيم ) أبدا في مقالته بضبط النص من حيث الحركات القواعدية المعروفة في اللغة العربية ، أو مقاطع بعض الحروف حيث لها تأثيرها على المعنى للعبارات ، فمثلا ؛ إن النص الأصلي أورد كلام خالد هكذا في بدايته ؛ [ فالحمد لله ] ، أما الكاتب المذكور فإنه حذف حرف [ الفاء ] من العبارة ، أو حذفه حرف [ الألف ] من لفظ [ شر ] فجعله فاعلا بعد أن كان مفعولا به ! .
4-/ إجتزء الكاتب المذكور كلمتي [ على غلب ] من النص ! .
5-/ لايوجد في النص الأصلي إطلاقا كما لاحظه القراء الأكارم ؛ [ كما انكم تحبون الحياة ] ، وهذا تحريف آخر أيضا ، لأن النص الأصلي يقول ؛ [ على أيدي قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ] ! .
النتيجة ؛ أنا على ثقة إن المدعو ( فرياد ابراهيم ) لم يستقرأ كتاب الطبري المعروف ، بل إنه جاء بالنص المذكور لخالد بن الوليد من ال[ GOOGLE ] ، ثم حرّفه وزاد ونقص فيه وتصرّف معه وفق هواه ومعتقده وفكره ، حتى النص الموجود في ال[GOOGLE ] يتطابق مع النص الموجود في كتاب الطبري مثلما نقلته آنفا بالتوثيق ، لأني راجعته وقارنت النصوص المتعددة الموجودة فيه مع النص الأصلي في كتاب الطبري ، فلماذا إذن ، هذا التحريف والغش والخداع في النصوص التاريخية ! ؟