مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية
[ الجزء الثاني ]
في بداية مقاله يعترض المدعو ( فرياد ابراهيم ) على المسلمين وحركة الاخوان المسلمين وغيرهم وينتقدهم على مواقفهم السلبية تجاه ما تعرض له الكورد في جنوب كوردستان من القتل الجماعي والكوارث من قبل النظام البعثي العراقي البائد . هنا لا أختلف مع الكاتب في نقده وإعتراضه على حركة الاخوان ، أو غيرها من الحركات الاسلامية العربية والتركية والايرانية على مواقفهم السلبية نحو القضية الكوردية ، أو سكوتهم عما تعرض له الكورد من كبرى الكوارث والمصائب . وقبل أن يفطن الكاتب الى هذا الموضوع فقد نشرت الكثير من المقالات النقدية باللغتين العربية والكوردية حول الحركات
الاسلامية المذكورة ، وذلك قبل عقد ونصف من الزمان . هذا بالاضافة الى مقالات العديد من الاخوة الاسلاميين الكورد ، منهم الدكتور محمد صالح كابوري والمرحوم الدكتور مظفر برتوماه والأستاذ كورداغي وغيرهم . والى جانب ذلك نشاطاتنا على صعيد المؤتمرات والندوات لتعريف القضية الكوردية في العالم الاسلامي ؛ شعوبا وحركات وأحزابا وشخصيات ! .
إذن ، اذا كان الكاتب المذكور يقف عنده ولايخرج من طوره في النقد والانتقاد والاعتراض للحركات الاسلامية العربية والايرانية والتركية كان أمرا مقبولا ، لكنه تجاوز حده بالهجوم على الاسلام وكتابه الحكيم ورسوله الصادق الأمين محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وعلى الأمة الاسلامية في العالم ، بل الأدهى والأمرّ دعوته الخبيثة للكورد بتبني الكراهية تجاه المسلمين ! .
كما يبدو بكل وضوح إن غالبية كتابات المدعو ( فرياد ابراهيم ) ، وبخاصة حينما يتحدث عن الاسلام والمسلمين والتاريخ الاسلامي فاقدة للنقد والموضوعية والهدوء والجدية في البحث والتوثيق ، حتى إنه يلجأ الى التحريف والتزييف ، وهذا ما نثبته بالدليل الدامغ لاحقا . يقول الكاتب المذكور عن النظام العلماني البعثي العراقي المخلوع ؛ ( ألم تروا جرائم النظام الاسلامي العراقي …) . إن ماقاله الكاتب عن ( إسلامية ) النظام البعثي العراقي السابق هو من أعجب العجائب ، بل يمكن أن يضاف الى عجائب الدنيا السبع ! .
إن النظام البعثي العراقي البائد كان حزبا ونظاما علمانيا عروبيا ، لكن بأخبث الصور العلمانية وأحطها ، لأن العلمانية والليبرالية الموجودة في الغرب هي محل إحترام وتقدير . أما العلمانيات والليبراليات الموجودة في العالم الثالث فغالبيتها تمتاز بالقبلية والعشائرية والعائلية والاستبدادية والجورية ، لذا فهي بعيدة كل البعد عن العلمانية والليبرالية الغربية . سواء كانت حكومات ، أو أحزاب ، أو شخصيات ! .
أنا أعتقد بأن هذا الكاتب يعرف ذلك ، لكنه عمدا ألصق النظام البعثي العراقي السابق بالاسلام لصقا لكي يشوه الحقيقة . إن هذا النظام العراقي المذكور لم يكن يوما من الأيام إسلاميا ، ولم يكن يهمه أمر الاسلام والمسلمين ، ولم يكن يهمه كذلك أمر القومية العربية التي كان يتبجح بها ليلا نهارا ، بل إنه كان يحارب الاسلام والمسلمين وعلمائهم وحركاتهم وشخصياتهم حربا شعواء لاهوادة فيها ، حتى ان نظام حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي المخلوع بُعَيْدَ إنقلابه المشؤوم عام 1968 بدأ بإعدام العلامة الشيخ عبدالعزيز البدري ، ومن ثم أعدم الشيخ ناظم العاصي والفيلسوف
المعروف محمد باقر الصدر وأخته آمنة بنت الهدى وغيرهم كثيرون ! .
كما قلت إن الكاتب السالف الذكر لم يكن بريئا في مقالته ، ولم يكن ينوي تحري الحقيقة الغائبة عنها ، بل انه بدأ مقالته بمقدمة نقدية وإعتراضية كي ينضح من خلالها مايهدف اليه ، وهو تجريم الاسلام وإتهامه . يقول هذا الكاتب في إستنتاجه ؛ ( فلم يجني الكورد تحت الاسلام إلاّ المعاناة ) . الصواب كان عليه أن يكتب ( تحت راية الاسلام ) ، أو ( عقب إعتناق الكورد للاسلام ) . بالحقيقة إن ماجناه الكورد تحت راية الاسلام وعقب إعتناقه لهذا الدين العظيم هو كثير وعظيم في نفس الوقت ، منها إن الاسلام كان عاملا أساسيا في تحرره من الآحتلالين المزدوجين الفارسي والرومي ، بحيث كانت
كوردستان بعد سقوط الامبراطورية الميدية – الكوردية عام ( 550 ق ، م ) ترضخ للاحتلالان المذكوران وبقيت كذلك حتى مجيء المسلمين العرب الى كوردستان ، حيث آعتنق غالبية الكورد الاسلام بإختياره . ومنها أيضا كان الاسلام سببا في تقوية وتعزيز التعليم والثقافة والمعرفة والعلوم في كوردستان . على الأساس برز من بين الشعب الكوردي مجموعات كثيرة وكبيرة من العلماء والحكماء والأدباء والمثقفين في شتى مجالات العلم والمعرفة .
هنا نتساءل ؛ ألم يكن كمال أتاتورك ومن جاء بعده وشاه ايران المخلوع وأباه علمانيين وليبراليين ، بل من دعاتها فلماذا إذن ، كانوا يبطشون ويفتكون بالشعب الكوردي فتك الذئاب الضارية بالأغنام !؟ ، لذا هل يصح ويجوز لنا أن نضع العلمانية والليبرالية في قفص الاتهام لنقول ؛ ان سبب كل مآسي الكورد هي من العلمانية والليبرالية !؟ ، أو اذا ذهبنا أبعد من هذا لنقول ؛ لقد تم إبادة مئات الملايين من البشر عن بكرة أبيهم ، من الهنود الحمر في الأمريكتين في القرون الوسطى المؤومة على يد القسس والجيوش المسيحية ، فهل يصح ويجوز إتهام المسيحية والانجيل وسيدنا عيسى ( عليه
الصلاة والسلام ) بتلكم المجازر الرهيبة والمذابح الدموية المرعبة التي لم يشاهد التاريخ البشري مثلها على الاطلاق !؟ .