علي السوداني
لديّ الليلة رغبة كاسرة ، لقول ما لم يقل من قبل ، ولرصف حرف لم يُرصف من بعد . بودّي أن أصير المبتدأ والمنتهى والقياس . في عبّي غضب هادم لا تُدرى منابعه . سأكتب رواية عظيمة ، مؤثثاتها تحت يميني ، وعيناها تبحلقان صوب أعتاب نوبل . سأذهب الى حواف السهل الذي ينتج أرفع كتابة . سأتوقف تماماَ عن رشّ الأسئلة الضخمة ، التي تروّع الجسم ، وتجعل العائلة تنام على دوامة فادحة ، من لعبان النفس والروح ، الذي تشبه أجواؤه ، مقترح غسيل معدة بائتة . سأبدأ فوراَ وحتماَ ، فإن بدأت ، فليس بمقدور سبع كتائب مدرعة ، أن توقفني . إن أردت ، فلا رادّ لما أردتُ واشتهيت . وعدتكم بأن أطمّس طاستي ، وأغرف بما أعرف ، من شط السهل الذي ينزل على الصدور والقحوف ، نزلة نار باردة على إبراهيم . يوم واحد نيسان ، هو يوم مولدي الماجد ببغداد العباسية – تكنّيه القوم ، بيوم الكذب ، وتقع فيه مقالب ومواجع كاسرة وشائنة . سأشلع الليلة ، ورقة فائضة من روزنامة السنة . سأنزل ثلاث درجات ، أسفل قياس أول سطور المكتوب . يروقني عروة الذي قسّم جسده الشريف ، في جسوم كثيرات . سأخرب من الضحك ، على مناحة فريد الأطرش ” عدت يا يوم مولدي … ترم ترم ، عدت يا أيها الشقي … ترا ررا ” هنا ، صارت الكتابة سهلة ومسعدة . بمقدورك أن تفكّ باب الحكمة ، والكدّ العقلي ، وتحت سلطانك ، أن تفتح دفتر التسخيف والتتفيه والتهبيط والتثبيط . كل الدروب ، تؤدي الى الكتابة . أنا أحبُّ الدفتر الثاني . هو لا يثلم من جلال المكتوب ، وهيبة المعنى . سأحرن في هذه الثنية ، حرون بغل ، إلتفت اليه صاحبه ، وهو على حمل يهدّ الحيل ، عند خاصرة السفح . أحسّ البغل العصامي بالمهانة وبالإذلال ، فقذف بجسده نحو أرجل الجبل ، وترك الجند ، ينامون على قرقرة بطون مخجلة . أظنني الآن قد إقترفت غلطة ، في مسألة حشوة النص ، وترميم الثيمة ، وصولاَ الى كمال الخلق . لا كبير صلة ، ولا قليل مربطة بين السطور ، لكنّ غرامي بمنظر البغل البطل ، قد سحلني من خشمي الشمّام ، كي أشنّف عيونكم ، بذلك المرأى المذهل . سترون أنني ذهبت الى إستعمال التشنيف وتصريفاته ، ولصقه بحاسة النظر ، وكان المأمول منّي ، أن أكون مخلصاَ وأميناَ ، حيث التشنيف ، هو صفة حميدة ، تلصقُ بالحنجرة الذهبية ، التي تشنّف السمع ، وتشتغل على تطهير الأذن ، من شمع أصفر ، قيل أنه إنوضع ، ليصير كمّاشة قاسية للدودات الحمقاوات . ألحقّ هو أنني من الكائنات التي تكتب ، بضغط من تقنية الخربطة . أعتقد أنّ النقاد الفحول ، والأنصاف ، والكسور ، يسمّون الأمر ، بمسمى التخييل ، أو هو أعلى مراتب ومناطق إزاحة المخيال . من معاضل الكتابة ومعامعها وبلبلتها ، ألتشظّي والتفكك ، والإنثيال من دون بوصلة دالة ، ما يلحق تالياَ ، تلفاَ موجعاَ في مخّ الآخر البكر ، ويكلّفه أزيد من وسعه ، ويجعله يشرد من القعدة ، من دون أن يدري إن كان لبس نعاله ، أم نعال صاحبه . هذه – مثلاَ – جملة رقيعة ، والرقيعة هنا ، ليست من باب المذمومات ، بل هي الترقيع الذي يرقّع فتقاَ في النص ، أو يصلح هيبة لباس ، أو يذكّر أهل الرافدين ، بإمثولة الضحك الأبدي ” قيّم الرقّاع من ديرة عفك ” . أظنني تماديت اليوم كثيراَ ، فذهبت الى ما لا تشتهون ، لكنّ حظكم ، بدا الليلة من هطيل السماء الرحيم ، فلقد إندحست في حلقي ، من جهة لسان المزمار المظلمة ، شعرة من شعرات شاربي . منذ سبع ساعات ، وأنا منهمك بثنائية مهلكة : كتابة سطر أو سطرين ، ثم القفز صوب الحمّام ، لعمل غرغرة منفّرة . ألشعرة ما زالت راسخة نائمة ببلعومي ، وايمان والعترة ، يواصلون ، بنهم وشوق وكدح وقدح ، تنضيج قالب الكيك المنتظر . شكراَ .
عمّان حتى الآن