كيف يمكننا البدء والعمل لحل أزماتنا في المنطقة وبناء الحياة الحرة والديمقراطية لشعوبنا ومجتمعاتنا وبلداننا؟
أين تكمن البداية الصحيحة في إمكانية إنجاز التنمية المستدامة والبناء الاقتصادي والتقني والمعلوماتي الصحيح والمثمر مع إعادة روح الإنسانية والمجتمعية بدل الموت والانانية المستثارة؟
كيف يمكننا العمل مع تجنب الفراغ المعنوي والفكري والفلسفي المحدد لسلوكيات و لأليات وأدوات ومقاربات الإنسان وإداراته المختلفة الذي يشكله للتفاعل مع الإحتياجات الضرورية وللتصدي للتحديات المختلفة من الإجتماعية والثقافية و الأمنية والسياسية وغيرها؟
هل تكون الثورة الذهنية المحددة لنمط الحياة والعمل والتفاعل مع المحيط الإنساني والبيئي، هي الحل؟
لقد كان من أوائل الأدواة والطرق المجدية للإستمرار في تأمين علاقات الإنتاج المثمرة للمتحكمين والسلطويين و حتى استعباد الآخريين وجعلهم يعملون في الإنتاج المطلوب وحتى وهم يفقدون حياتهم، مع عدم وجود رفض لذلك، وحتى الإعتقاد أن الآلام وصعوبات العمل المضنية هي أعمال مباركة ومقدسة يقرب صاحبه من الأخرة الموعودة أو الجنة المتصورة حسب الميتولوجيات والأديان والفلسفات والعلوم التي تتالت عبر التاريخ وحتى اليوم، وهي في واقع الأمر وفي الغالب والكثير منه تشكل تجسيد السيطرة على ذهن العبد أو العامل أو الإنسان المنتج أو الموظف، حيث أن مع الهيمنة الذهنية يغدو الهدف من الإستهداف الذهني للإنسان هو إيجاد العبد الخادم أو الموظف الأداة لتلك الذهنية ولمشروعها المعبر عنها وهنا يمكننا القول أن مايصدر عن الافراد والمجتمعات التي تحتويه من سلوك ومقاربات هي لتأمين إحتياجات السيد أو صاحب الذهنية ومطلقها ولمشروعهم وليس لخدمة المجتمع أو الإنسان بشكل عام. وهذه تشكل جدلية بين المجتمع والسلطة لاتغيب أبداً.
إن الهيمنة الذهنية أو ما سميت فيما بعد بالإستشراقية تعود إلى عهد التوسع الثقافيّ الإغريقيّ–الرومانيّ. إذ غالباً ما كانت الحروب القادمة من أوربا في العصور الوسطى حروباً ذهنية مهما كانت حاول المؤرخون قول غير ذلك.
لقد تسللت الحداثة(نمط الحياة) الرأسمالية وتدخلت إلى المنطقة(الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) من خلال الذهنية السلطوية أولاً وتجاذباتها وترتيباتها، لكنّ الغزو الفكريّ المؤثر حصل مع صعود الحداثة الرأسمالية.
نستطيع القول وبعد القرن السادس عشر وعصور النهضة والإصلاح والتنوير، أنّ العامل الأساسيّ الذي فتح الطريق أمام صعود أوروبا الغربية، هو تفوقها في وعي الحقيقة. وتكييف الخبرة الشرقية مع ظروفها الملموسة. فبقدر ما حلّلت نفسها، فإنها تمكّنت بالمثل من تحليل العالم عموماً والشرق الأوسط خاصة.
ومع مطلع القرن التاسع عشر، كانت أوروبا قد بسطت احتكارها على وعي الحقيقة منذ زمن طويل. وحقّقت دخولها إلى منطقة الشرق بتفوقها في وعي الحقيقة. حيث باشر المرسلون و المبعوثون والمفوضون قبل كلّ شيء بإعادة اكتشاف المنطقة. ثم تحوّلت طريقة تناول الكشّافة الرّحّالين والباحثين العلميين للمنطقة وكيفية فهمهم إياها إلى مدرسة فكرية سمّيت “الاستشراقية”.
وبمعنى أخر، فالاستشراقية هي الهيمنة الذهنية للمدنية الأوروبا الغربية. وهكذا، فقد المنطقة أو الشرق استقلاله الذهنيّ تدريجياً، وسادت الأفكار الاستشراقية. وانضوى النخبويون والمتنورون والمثقفون الشرقيون تحت حاكمية الفكر الاستشراقيّ. ونجحت جميع المشتقات الفكرية للّيبرالية، وعلى رأسها القوموية، في الاستيلاء على الذهنية الشرقية. بل حتى إنّ التيار الإسلامويّ الجديد والحركات الفكرية الدينية الأخرى والبعض من التيارات اليسارية والتحرر الوطنية تطورت مركونةً إلى القوالب الاستشراقية.ولم تكن حركات الدولة القومية المتنامية مع بدء القرن العشرين في مضمونها سوى تعبير عن مؤسسات عميلة للفكر الاستشراقيّ. أي أنّ مؤسّسي الدول القومية لم يكونوا، وما كان لهم أنْ يكونوا، أصحاب فكر استقلاليّ مع ترويجهم الدائم. فجميع الصياغات الفكرية البارزة في الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، بما فيها الفكر اليساريّ، كانت ممهورةً بطابع الاستشراقية والهيمنة الفكرية الخارجية.
ورغم إطلاق تسمية “الحقائق العلمية العالمية” على الأفكار التي جرى تكييفها مع واقع المنطقة باسم علم الاجتماع، إلا إنّ جميعها كانت استشراقيةً في مضمونها.
وبطبيعة الحال، تستقي الاستشراقية قوتها من دنوّها إلى الحقيقة بنسبة أكبر بكثير مما هي عليه القوالب الذهنية القديمة. ونظراً لتدني مستوى الحقيقة في أفكار ناقدي الاستشراقية مقارنةً مع الاستشراقيين، فقد كانوا عاجزين عن إحراز النجاح والتفوفق.
ويمكننا قول الأمر ذاته بشأن النخب السلطوية الاستشراقية في المنطقة أيضاً، كـ”تركيا الفتاة” و”جمعية الاتحاد والترقي”، والكماليين والقوميين العرب وبالأخص البعثيين والتي كانت تنتهل قوتها من ذهنيتها الاستشراقية الأقوى نسبةً إلى الذهنيات القديمة. هذا الوضع هو الدافع الأوليّ وراء خروجهم من صراع السلطة والاحتكار موفّقين، سواء في الدول العربية أو في تركيا في عهد الملكية الدستورية أم الجمهورية. كما يتعين المعرفة يقيناً أنّ الاستشراقية الغربية تشكّل منبع القوة الكامنة خلف نزعة القوموية التركية التي كانت البدء بها في المنطقة كأهم دولة نموذجية لها أمة دولتية نمطية متجانسة جرى تشكيلها عبر الإبادات بحق شعوب ميزوبوتاميا والأناضول.
أما السبب وراء قيام النخب السلطوية منذ أمد بعيد بتحويل قبلتها من مكة إلى باريس ونيويورك وجنيف وبروكسل، فهو النجاح والمتانة اللذان حقّقهما الفكر الاستشراقيّ لديها وبريق السلطة والنفوذ فيها.
مع تأسيس الدولة القومية، بلغ الفكر الاستشراقيّ أوجه وبسط احتكاره على كافة الذهنيات الأخرى. إذ لم يبسطْه في الحقل الأيديولوجيّ وحسب، بل وفي المجال الأخرى من الأخلاقية التقليدية و الفنيّة وغيرها من الجوانب الحياتية ، ممهداً السبيل إلى سيادة القوالب الأخلاقية الغربية.
اعتباراً من النصف الثاني من القرن العشرين، بدأت الاحتكارات الذهنية وهيمنتها تصاب بالتآكل ضمن المنطقة ومنها الشرق الأوسط، مثلما كانت عليه في عموم العالم. فقد بدأت ثورة عام 1968 الثقافية في مرسيليا في فرنسا وثم أماكن أخرى بفتح ثغرات في الاحتكار الاستشراقيّ وهيمنتها الذهنية. كانت تلك الفترة سنوات بدأت الأيديولوجيا الليبرالية والعلموية الوضعية تفقدان فيها تفوقهما.
لقد زاد الانهيار المتسارع للاشتراكية المشيدة في عام 1990، من زعزعة الفكر الوضعيّ الليبراليّ. ونخصّ بالذّكر أنّ العلموية الاجتماعية أصيبت بجروح غائرة. كما أصيب الاحتكار الذهنيّ للحداثة الرأسمالية لأول مرة بتزعزع جديّ، فظهرت العديد من التيارات المسماة بماوراء الحداثة. وتصاعدت التيارات الفامينية والأيكولوجية والثقافية والمدارس الفكرية اليسارية الجديدة. وظهرت مشاريع جديدة من الحركات المجتمعية الأخلاقية والسياسية، وتجذرت الأزمة البنيوية المستفحلة في الرأسمالية خلال أعوام 1970 بالتزامن مع الأزمة الذهنية، لتزداد استفحالاً مع مضيّ الوقت. فانهار الاحتكار الفكريّ القديم إلى غير رجعة. ونالت الاستشراقية نصيبها من ذلك باعتبارها اشتقاقاً من الأيديولوجيا الليبرالية. فاختلّت حاكميتها الفكرية على المنطقة و الشرق عموماً. وقدّم عدد كبير من المفكرين مثل جوردون تشايلد، صموئيل كريمر، وآندريه غوندر فرانك إسهامات ثمينةً للثورة الفكرية، التي كشفت النقاب عن دور المنطقة و الشرق الأوسط باعتبارهم مهد نظام المدنية المركزية أو الحضارة المركزية.
وهكذا، حصلت نهضة فكرية حقيقية بالتزامن مع بسط حدود الحداثة الرأسمالية وتطور الشرق ارتباطاً بنظم المدنية المركزية. أما أفكار القائد عبدالله أوجلان بشأن السياسة الديمقراطية والعصرانية الديمقراطية والأمة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية، والتي رسم ملامحها في مرافعاته الأخيرة الخمسة، فقد أضحت متمّمةً لأفكار أولئك المفكرين ولغيرهم، وبل تجاوزتهم أحياناً كثيراً.
كان التأثير المشترك لكافة هذه المؤثرات الفكرية الثورية قد أفضى بدءاً من تسعينيات القرن العشرين إلى ثورة ذهنية متسارعة في وجه الذهنية الليبرالية والاستشراقية. وإلى جانب التأثير المحدود لتلك الثورات الذهنية، إلا إنّ ما طغى على مرافعات المفكر والقائد عبدالله أوجلان كان بمثابة تسجيل مستقلّ لثورة فكرية ولتطور فكريّ تدريجيّ في آن معاً.
إنّ الثورة الذهنية، التي تخطّت الاستشراقية وتخلصت من تأثير المذاهب المركزية واليمينية واليسارية اللّيبرالية في الشرق الأوسط، تتسم بأهمية كبيرة. و يستحيل عيش أية ثورة مجتمعية مستدامة، ما لم تعش الثورة الذهنية.
والصياغة الموجودة في المجلّدات الخمسة الأخيرة من مرافعات المفكر والقائد أوجلان، التي تبسط وتجسد بالخطوط العريضة مصطلح “الثورة الذهنية” في الشرق الأوسط. و يتعين التشديد على أهمية سكب ذلك في الممارسة العملية، عوضاً عن تكراره.
إن أثمن الأفكار، أي تلك التي نصيبها من الحقيقة جدّ وطيد، لن تعبّر عن أيّ شيء، ما لم تطبّقْ عملياً. فحتى لو اتّحد العالم على فكرة خاطئة أو نصيبها من الحقيقة واهن، فإنّ الفكرة التي تكون نسبة الحقيقة فيها أعلى، تستطيع أنْ تتحدى العالم بنجاح وأنْ تتفوق في النهاية، حتى لو دافع عنها شخص واحد فقط. والتاريخ البشريّ مليء بهذه الأمثلة. فما يؤدي إلى ذلك هو قوة الحقائق الغالبة دوماً. قد تقمع الأفكار المعبّرة عن الحقيقة، وقد تجازى؛ وتضعف ولكنها لن تهزم أبداً.
وليس خطأً البدء بالمباشرة والممارسة العملية محصّنين بأفكار نصيبها من الحقيقة جدّ محدود في بادئ الأمر. وبتصعيد الممارسة العملية بصدق وإخلاص وشرف، نستطيع المضاعفة من نسبة الحقيقة في تلك الأفكار. ومع الانكباب على الممارسة العملية والتحصين بالأفكار التي تضاعفت نسبة الحقيقة فيها، يصبح لا مفرّ من خوض ممارسات عملية أكثر توفيقاً. النتيجة الأولية التي ينبغي استنباطها هنا، هي أنّ الحقائق الكبرى وما تنمّ عنه من ممارسات ميدانية عظيمة، قد تبدأ بكلمة واحدة فقط إذا تطلّب الأمر كما كلمة “إقرأ” مع سيدنا محمد. ففي حال الالتزام بالكلمة بصدق وإخلاص، وعدم التراجع عن توحيدها مع الحياة، يغدو لا ملاذ من تعاظم الحقيقة وطرحها لنفسها وكأنها انتصار للحياة الحرة داخل المجتمع. فالمجتمعات ظواهر عطشى للحقيقة، كما التربة الظمأى للماء. وبإرواء ظمأها ذاك، تتعرف المجتمعات على الحياة الحرة والديمقراطية كما التربة الخصبة و المزدهرة.
نجحت الحداثة الرأسمالية عن طريق المؤسسات التعليمية ومنها الجامعة الموالية للعلمانية، في كسر شوكة السيادة الذهنية، التي أمسكت الكنيسة بزمامها طيلة العصور الوسطى. وجعلت الإنجازات العلمية والفلسفية والفنية، التي أسفر عنها عصر النهضة والإصلاح والتنوير، حكراً عليها بوساطة الاحتكار الذي طال الجامعات عموماً. وبهذا المعنى، يعدّ القرن التاسع عشر قرناً حسمت فيه الرأسمالية حاكميتها على العلم والفلسفة والفن.
وفي أواخر القرن العشرين، برزت الأزمة وتبدّت الحلول ضمن هذه الحاكمية، التي دامت قرابة قرنين من الزمن، وذلك بما يتماشى مع الأزمة والحلول الموجودة في البنية العامة للنظام القائم. حيث كانت الفلسفة قد فقدت أهميتها القديمة حيال التقنيات العلمية المختبرة. وتحوّل العلم بذات نفسه إلى تقنيات بحوث لا عدّ لها ولا حصر ومعلوماتيات تقنية وأجيال من التقنيات والتخصصات والتجزئيات. في حين خسر الفنّ قيمته كمدرسة قائمة بذاتها بعد العصر الكلاسيكيّ، فاختزل إلى سلعة فظة متجسدة في هيئة صناعة متكدسة للربح. وفي المحصلة، فجميعها كانت قد تحوّلت إلى أدوات منفعية بسيطة بيد الرأسمالية والدولة القومية والصناعوية. وهكذا كانت قد فقدت جميعاً مهاراتها ومهمّتها الأساسية في البحث عن الحقيقة والتعبير عنها وعن نبض الإنسان والحياة والمجتمع.
والمقصود من أزمة العلم والفلسفة والفنّ، كان خسارة تلك المهارات في البحث عن الحقيقة والتعبير عنها وخدمة المجتمع والإنسانية.
وكانت منطقة الشرق الأوسط قد شهدت سياقاً مماثلاً خلال القرن الثاني عشر، عندما بسطت دوغمائية المدرسة الإسلامية نفوذها في وجه الفلسفة والعلم والفنّ. والأزمة التي تغلغلت داخل العلم والفلسفة والفنّ في أوروبا، قد وجدت معناها مع تردّي مكانة الاستشراقية في الشرق الأوسط. كان هذا تطوراً إيجابياً بجانبه هذا. إلا إنه كان يحتوي على المخاطر، لعجزه عن إنجاز ثورة ذهنية بديلة. حيث لم تعشْ ثورة ذهنية جذرية في المنطقة، رغم ظهور بعض التطورات المحدودة إزاء ذهنية الغرب المهيمنة وطرازه في الفنّ والحياة. بل استمرّت الأزمة في هذه الساحة مثلما الحال في بقية الساحات.
كان بإمكان الشرق الأوسط أنْ يحوّل المخاطر الناجمة عن تلك الأزمة إلى فرصة سانحة. وفي سبيل ذلك، كان بمقدوره إنجاز الثورة الفلسفية والعلمية والفنية المنسجمة مع أسسه التاريخية والثقافية، والتي تشكّل مصدر إلهام وتوجيه لمقومات العصرانية الديمقراطية، أي للأمة الديمقراطية واقتصاد السوق المشترك والصناعة الأيكولوجية البيئية. بمعنى آخر، كان بوسعه تحقيق وإحياء عصور النهضة والإصلاح والتنوير بمنوال متداخل وكثيف، وبطراز ثوريّ. ولا داعي بتاتاً لتقليد الغرب أو محاكاته في هذا المضمار. فإلى جانب مشاطرته المكاسب العالمية، إلا إنّ المهمّ هنا هو عرض خلاّقيته المكانية والتاريخية، وإنجاز ثورته الذاتية.
ولحسن حظّ الثورة الكردستانية الحرة والديمقراطية المطوّرة بما يتلاءم مع نظرية ومصطلحات العصرانية الديمقراطية والأمة الديمقراطية المستندة لأخوة الشعوب والعيش المشترك، فإنها تتحقق في عهد الأزمة التي تعاني منها الحداثة الرأسمالية في حقول الذهنية وطراز الحياة. فالقسم الأكبر من ثورات القرنين التاسع عشر والعشرين، وعلى رأسها الثورتان الفرنسية والروسية وغيرها وكذلك ثورات التحرر الوطنية، قد عجزت عن تخطي ذهنية الحداثة الرأسمالية وطراز حياتها. وكانت نجاحاتها محدودة، رغم جهودها الدؤوبة والأصيلة وطموحاتها في أنْ تكون البديل. ما من ريب في أنها تركت وراءها إرثاً عظيماً ومكاسب ذهنيةً لها نصيب عال من الحقيقة، ولا تزال تنضح بالحياة، وقيم حياة أخلاقية وجمالية.
وعليه، بمقدور الثورة الكردستانية الحرة والديمقراطية أنْ تستفيد من حسن طالعها هذا على أكمل وجه، بتوحيد كلّ هذه المنجزات الذهنية والحياتية الثمينة في ممارستها العملية الخاصة بها. كما باستطاعتها إحياء الفرد الديمقراطيّ والاشتراكيّ، الذي سيتشكل بالتوازي مع تحويل البناء المتداخل للأمة الديمقراطية والاقتصاد المشترك والصناعة الأيكولوجية البيئية إلى طراز حياة اجتماعية؛ وذلك حيال فردية الحداثة الرأسمالية أو العبودية الجديدة المشحونة بالمصائد والأفخاخ والخداع، تلك الفردية التي صارت وحشاً استهلاكياً طائشاً يبتلع الحقيقة؛ وكذلك حيال عناصرها المتمثلة في نزعات الربح الأعظم والدولة القومية والصناعوية وتقنيات مراقبة الإنسان و توجيه سلوكه والسيطرة عليه، والتي تولّد الفردية وتنتجها. وبوسع الثورة الكردستانية أيضاَ تعميق ثورتها الذهنية والأخلاقية والجمالية والمجتمعية بكلّ ما أوتيت من طاقة، بحيث تجعلها ملكاً للفرد الإنسان، وتعمّمها على جميع شعوب المنطقة و الشرق الأوسط وكافة مجتمعاتها. وبإمكانها عبر ثورتها الخاصة بها أنْ تقدّم الإسهامات المهمة للثقافة التاريخية الشرق أوسطية المتميزة دائماً بالتكامل والكونية، وأنْ تقيّم الحياة وكلّ مجال من مجالاتها على أنه مدرسة ناجعة في سبيل ذلك. وعندها يمكننا أن نكون أمام بداية صحيحة ومشروع حقيقي لبناء الحياة الحرة والديمقراطية ومحققة للتنمية والنمو والكرامة الإنسانية.