وَقّفْت قلبي عالدَّربْ ناطورْ
راعي بِكي وْمُنْجَيْرْتو مِتلو .. بِكْيِتْ تَ يِتْسَلّى
شو قولوكن عالسَّكتْ قالتلو .. وشو قَوْلكنْ قلّا
ميشال طراد
من أحاديث “شمس الجبل”
أحمد مختار
عبد الغني الكوش
عن سيرة أخيه الأستاذ
عبد الرحمن الكُوش
تغمدّه الله بواسع رحمته
نقلا عن د. شبيب دياب
رغبة رجاء وسوسن في نشر المقالة
أوامرعلى راسي… وفي قلبي وفكري
إبراهيم يوسف
عبد الرحمن الكُوش، من مواليد بيروت 1913، والكُوش من القبائل العربية النبيلة، التي ذكرتْها مصادر عديدة من بينها تاريخ الطبري. وتنتسب العائلة إلى جدّها الأول: كوش بن كنعان.
كان والده من أعيان المدينة والناشطين في الحياة الخيرية – الاجتماعية. وقد أنهى دراسته الابتدائية في اليسوعية في بيروت، وانتقل بعدها الى كلية المقاصد بالقرب من “حرش”الصنوبر.
ومن المقاصد التحق بدار المعلمين. بعد تَخرّجه من الدار مباشرة؟ عيّنته وزارة التربية والفنون الجميلة كما كان يطلق عليها يومئذٍ، أستاذا في مدرسة شمسطار الرسمية للبنين في العام 1932.
قال شقيقه أحمد مختار: أتذكّر جيداً هذه الفترة معه ومع من التقيتُهم من أبناء القرية الطيبين؛ وأذكر فيما أذكر؟ القطار الحديدي الذي حملنا من بيروت إلى بلدة رياق، ومنها أكملنا طريقنا حتى بلغنا بيت شاما الضيعة الوادعة، حيث تتواصل الطريق المعبدة إلى بعلبك، وتنحرف طريق رِجْلٍ ترابية عند حدود بيت شاما إلى الشمال الغربي، وتؤدي إلى شمسطار بمحاذاة صنين في الغرب.
كان ينتظرنا جمع من أبناء البلدة عند أول بيت شاما، قدموا للترحيب بنا وحمّلوا متاعنا بأنفسهم على ظهورالدواب، بينما خصصوا حصانا لانتقال شقيقي، في موكب رائع يتردد صداه في قلبي .
هكذا واكَبَنا المستقبلون من أبناءِ البلدة أكرمهم ربِّي كما أكرمونا. فبلغنا البلدة وكان المطر ينهمر بغزارة شديدة، فاستبشر مستقبلونا بخير قدومنا مع المطر. ذلك الغيث طالما انتظره الفلاحون بالصبر والأمل، يقرّر مصيرهم وقوت عيالهم، وعلف دوابهم ومواشيهم، ومؤونة شتاء لا يرحم.
تَرَكَتْ ذكرى أخي واهتمامه بتعليم الطلاب في البلدة، أثرا طيبا في نفوس الأهالي، ومنهم من لم يزل يتذكره بالخير والوفاء بعد عقود مغرقة في الزمن. كان ممن يعشقون العمل بتضحية الكشاف وقد انتسب اليه في المقاصد فتحصّن بمبادئه، ما انعكس عليه صدقا ووطنية وإيثارا بلا مقابل.
كان “حاجب” المدرسة للحق رجلا كريما. هو المرحوم مهدي الحاج أسعد شحيتلي- الزغبي لاحقا- ممن لا يصح وليس من الأمانة في شيء، أن لا أذكره بفيض من المودة والحنين، لما كان عليه من الخلق النبيل وعفوية أبناء الريف، وقد غمرني بكرمه ورعاني بعاطفة الوالد على ولده.
ومما بقي في خاطري قدوم المفتش واصف البارودي، من رواد التربية والتعليم في لبنان والوطن العربي. وصاحب الأفكار الإصلاحية الخلاقة في المجالات المختلفة، المتعلقة بمناهج التعليم وأساليب التربية المُستحدثة والتوجيه. فضلًا عن فكره المبدع في التفتيش المدرسي من الناحية الإدارية والتنظيم. وقد أقام له شقيقي استقبالا رائعا، قدّم خلاله فريق من المدرسة تمثيلية تتسم بالطابع الوطني. وتلا التمثيلية وليمة طعام على شرف المفتش الضيف، شارك فيها حضور كبير.
وقد توُفِّيَ واصف البارودي طيب الله ثراه عام ١٩٦٢، وأُقيم له حفل تكريمي مهيب تخليدًا لذكراه، جمع كبار رجال الفكر والثقافة العرب، وكان عميد الأدب العربي طه حسين من أبرز الحاضرين.
كان القطار بدائيا يعمل بطاقة الفحم الحجري، وضغط بخار الماء وكان وسيلة سفرنا الوحيدة من وإلى بيروت. من تلامذته والد الصحافي الأستاذ طلال سلمان. صاحب ومؤسس جريدة السفير التي عصفت بها الشبكة العنكبوتية وعاديات الزمن “المنكود” فغدرت بدارها وأطفأت أنوارها.
ومن طلابه أيضا رئيس مخفر عيناب من آل الحسيني، وتلميذ آخر يدعى علي حسين قاسم، عمل لاحقا مدرسا لسنوات طويلة توزعت بين شمسطار وبرالياس والقرعون. ثم ترك التدريس وتولى استثمار فندق في بيروت، فوق مسرح التياترو الكبير، قريبا من ساحة رياض الصلح.
مارستُ في البلدة هواية الفروسية وركوب الخيل، السّمات التي يتحلى بها عموم أبناء البلدة والجوار ومن أبرزهم آل حمية في طاريا أصحاب المبادرة والشهامة والوفاء، يكرمون الضيف ويغيثون المستجير. بعد خمس سنوات انتهى الحلم الرائع، لينتقل أخي عام 1937 الى بريتال، بلدة الثائر ملحم قاسم، وتلك حكاية أخرى تَأصّلَ فينا بفضلها، الكفاح ضد الفرنسيين المستعمرين.