هوانم برهان شاوي في متاهته الأخيرة ،،متاهة الأرواح المنسية،،(3)
حواء السندسي والأغتصاب ……
حواءالسندسي هذا الإسم قرأته حواء ذو النورين في كتابُ ملاكِ الجحيم ، للكاتبة(حواء الذهبي )، أو للكاتب ( آدم بن آدم) كما بينا أعلاه . حواء السندسي مهندسة ، هي الأخرى روح منسيةُ مسكينة . يراها آدم بن آدم في تركيا وهي تضرب رجلاً في الشارع حاول الإعتداء عليها ، يتبعها ، يتعرف عليها ، بطريقة أو بأخرى ، هذه الحواء فيها من المآسي العراقية التي صبت كلها في بوتقة هذه السندسية الحزينة والمبتلاة بشتى أنواع القهر العراقي الذي أبرع في سرده الروائي برهان . في طفولتها إغتصبها خالها وكانت لاتعرف أنذاك معنى المني فضنت أنه بال عليها . جدها أب إمها كان يمارس الجنس مع إمها ( ابنته) لأنه كان يظن أنها ليست إبنته لأنه يعرف جيداً بأن إمرأته كانت زانية .
حواء السندسي تكبروتغتصب من قبل رجالات الحزب في العهد الطائفي الجديد ، حيث أن الذي إغتصبها كان يحمل نوط صدام ، وقد بذل جهدا كبيراً لكونه مقطوع اليد ، حتى نزع كلسونها وأولجه فيها بلارحمة وهي تأن أسفله . يتركونها بنزيفها بعد أن يخبرونها أن توصل رسالة الى ( قابيل العباسي) بأنهم الأقوى ، قابيل هذا زوج حواء ذوالنورين القاتل والذي هربت منه كما بينا في متاهة إبليس . شعوب تشمئز منها النفس الزكية ، الخال او العم و الأخ و الأب أو ماشاكل كلهم سواء في التحرش الجنسي المقيت . في الدنمارك عرضوا قضية مهمة في التلفاز وهي أن إحدى الزوجات إشتكت بأن زوجها إغتصبها ، زوجها مارس معها الجنس وهي غير مستعدة في ذلك الوقت، فداعب مؤخرتها بعضوه وهي ناعسة متعبة تريد النوم ، فرفعت عليه دعوة إغتصاب ، فأين نحن من ذاك .
نزاعات قبلية حزبية طائفية عجيبة غريبة والضحية أمثال هذه الحواء السندسي . تحاول الإنتحار مرتين ، أخيها يُختطف من قبل العصابات التي لازالت حتى يومنا هذ تسرح وتمرح. تتزوج وهي منهارة نفسيا من شخص أردني كي تهرب من هذا الوطن المبغى ، وهناك يتبين أن هذا الزوج الأردني راعي غنم قذر رائحة فمه مثل رائحة الخراء ، يمارس معها الجنس ويطلب منها أن تدخل إصبعها في فرجه كي يتلذذ أكثر .
تهرب حواء سندسي من الأردن الى القاهرة وتترك وليدها مع أبيه الراعي القذر ، تتجه الى الدين مرة وتتركه ، ثم تعمل كمغنيه في الملاهي وتجمع المال الكثير في فترة قياسية ، فهذا هو عالم العرب ، عالم العهر والذئاب ، تصلي وتذكر باريها ، ثم تتزيّن وترتدي ملابس الغناء والسهرة حيث أنها تعمل طيلة الليل . تتعرف على شخص مهرب عراقي سويدي تتفق معه على تهريبها مقابل 18 الف دولار كي تحصل على الجنسية السويدية ، وهذه التجارة الأخيرة التي إتبعها أراذل العراقيين . كلّ هذ المتاهات وقعت على دماغ هذه الحواء الروح المسكينة ، فيتوجب علينا أن نقف عندها آسفين لا عاذلين .
الجيكولو الغندور وتاجُ الفضيلةِ حواءُ سميث…….
إمرأة الفضيلة ( حواء سميث) تسدي نصائحها الى صديقتها حواء دمشقية بماتفعله مع جيكولاها ( آدم سانشو) المفتول العضلات ، فتخبرها كيف أنّ الرجال (أطفال أغبياء من السهل خداعهم..فكل دون جوانيتهم وخبرتهم لا تصمد أمام مكر المرأة وخديعتها..هم سُذّج..وأحيانا أبرياء..) ، لكنّ مارد الشهوة وغولها سيجعل من إمرأة الفضيلة هذه أشد إشتهاءأً للجيكولو من صديقتها حواء دمشقية كما سنبين لاحقا . كانت حواء دمشقية أثناء ذلك تعترف إعترافات مهينة بحقها من قبل جيكولاها ، هذا النيّاكُ الشرس ،فتقول :
(أعترف أنني إنسانة مشوهة من الداخل..منكسرة..حائرة..هشة..مهانة..ومتناقضة..لكني أيضا مجنونة..لا أعرف أين قرأت أنه من السهل جداً جعل المقدمة مؤخرة..المسألة كلها في تغيير الاتجاه).
برهان شاوي هنا يقترب من غابرييل ماركيز ، في روايته البديعة ( ذاكرة غانياتي الحزينات) في كيفية إشتهاء المؤخرة وسهولة تغيير الإتجاه . إذ يروي لنا ماركيز كيف أنه في يوم تراءى له وهو يكتب ، منظر عجيزة خادمته ( داميانا الوفية) المثيرة ، وهي تنشر الغسيل ، يقوم لها وهو منتصب العضو ، يرفع ثوبها ثم يميلها قليلاً ، فيدخله في دبرها مرةَ واحدة وعلى عجل وهي الخادمة المطيعة في كل شئ ، حتى تصرخ ( آي آي ) ياسيدي هذا للإخراج وليس للإدخال .
حواء سميث صاحبة الفضيلة تنقلب رأساً على شهوتها ، هي اليوم تخطط كيف تجعل آدم شانشو ماريو زباتا يضاجعها ، مثلما تقول الحكمة ( إياك أن تثق بإمرأة تتحدث كثيراً عن الشرف والفضيلة) . إنها اليوم تشتهيه وتستعد لإرتكاب أي شئ في سبيل ذلك ، هنا يبرز دور الحياة البرجوازية اللعينة وحياتهم العاطفية المفككة ، كل يفكر تفكيره الخاص به ، في الملذات وفي جمع المال ، في حب الذات ، هذا هو زوجها المسيحي الكاثوليكي( آدم سميث) الثري ، يريد أن يطيح بحواء ذو النورين صديقة زوجته ولم يفلح بذلك كما سنبين لاحقا ، علاوة على أنه ترك دينه وأصبح مسلماً وتزوج سكرتيرته سراً دون علم زوجته . أحيانا الحب يطغي على كل تصوراتنا ، يجعل المرء يغيّر معتقده في سبيل محبوبه ولاضير في ذلك إذا كان لابد منه ، مثلما حصل للمثل الهندي الشهير في السبعينيات ( دارمندر) الذي وقع اسيراً في حب جميلة الشاشة الهندية أنذاك( هيماماليني) ، لكنه في نفس الوقت متزوج ويحب زوجته ، فأراد الزواج من (هيما ماليني) مقابل الإحتفاظ بزوجته الأولى ، فراح غيّرَ دينه الهندوسي وأصبح مسلما ، على إعتبار أن الإسلام يجيز له الزواج من أربعة ، وبهذا إحتفظ بالأثنين معاً حتى يومنا هذا . فهل يستطيع المسلم أن يغيّر دينه الى البوذية في سبيل الحب ؟ .
تخطط حواء سميث لكيفية إغواء الجيكولو الغندور ، فتقوم بوليمة لصديقتها حواء دمشقية وصديقها الأمريكانو الجيكولو( آدم سانشو) ، وتخبر زوجها بحجة أنّ الجيكولو يريد أن يتكلّم معه بخصوص عمل ويريد شراكته . الآن هي ثورة عارمة من الجنس بعد إن كانت هادئة مطيعة ، لاتفكر بالعواقب وبما يصيب عائلتها ((النساء يشبهن الأنهار ، فهي قوة مقيدة حين تجري ساكنة وهادئة ، وقوة مخربة حين تثور وتطغي ..رابندرنات طاغور) . يجتمعون في هذه الوليمة الكاذبة التي إبتدعتها حواء سميث كي تتقرّب من الجيكولو حبيب صديقتها . الجيكولو يتحرش بها من تحت الطاولة ، يمد يده الى فرجها فلا تغضب ، وهذه اول إشارات الرضا ، أنه الفتى الفحل الذي يعرف كيف ينقض على فريسته ، كيف يستكشف القبول من زانيته القادمة . زوج حواء سميث الثري وصاحب الشركة الأمريكية ، يصيبه القرف من هذا الجيكولو ، فيبدي حديثا عن المال والثراء يثير غضب الجيكولو ، فقال كلماته التي نزلت صاعقة على الجيكولو :
(أما الإنسان المزيف فهو لا يعاني..مثل الأزهار..الأزهار الحقيقية تعاني..تتألم حينما تُقطف..لذلك فهي تذبل..بينما الأزهار الإصطناعية..الأزهار المزيفة فهي متوهجة ودائمة التفتح..).
الجيكولو الغندور فكر جيدا في أن يتصرف مثل تصرف بطل رواية ستندال ( الأحمر والأسود ) الذي إحتقر زوج المرأة التي يحبها فقبل كفها بحضوره ، لكن الجيكولو لم تسنح له الفرصة بذلك ، إفتعل شجارا خبيثا مع زوج آدم سميث وخرج سريعا من الشقة دون إستئذان تاركا عاهرته حواء دمشقية في حيرة من أمرها معهم . حواء سميث تصرفت بدهاء وهي الآن ثملة وشربت بما فيه الكفاية كي تتجرأ في أفعالها الشهوانية المصممة على نيل اللذة من هذا الجيكولو ذو العضلات المفتولة . خرجت كي تعيده ، لحقت به قرب الدرج ، وبدون أدنى فرصة ، سحبها اليه وقبلها ومد يده الى فرجها بينما هي تتمنع ، أدار ظهرها اليه ، أمالها على الدرج , رفع ثوبها ، ولجه فيها وأخترقها خرقاً جعلها تختنق شهوة ولذة كمن يغص في الحلق ، صبّ فيها كل منيه ، وأخيراً أفلت عضوه منها ، بينما هي تنظر الى أعماق السلم وترى إمرأة محجبة مع زوجها ، وكأن الأشارة هذه من قبل الروائي تعطينا الدلائل ، على أننا كلما إنتهينا من شوطنا الجنسي اللذيذ ونظرنا الى مائنا المنسفح يدب فينا واقع الأسف ، ولذلك حينما أفلت عضوه من فرجها ، جلست على ألارض منهكة ملتاعة، ملتذة ، متشوقة ، مسحورة ، مهتزة ، ،راضية ، مكتفية ، سعيدة ، محطمة ، قالت لنفسها المنتشية …ماذا فعلت ، إشارة للندم . لكنه الندم الوقتي بعد إنتهاء كل لذة ، كمن يتخم نفسه من طعام لذيذ ، يود تذوقه مرة أخرى إذا ما جاع .
حصل الجيكولو على مأراده ، وهو إحتقار الزوج الثري آدم سميث ، ومن ثم النيل من فتاة الفضيلةِ هذه الجميلة التي إشتهته لنفسها أيما إشتهاء . فجاءت هنا براعة الروائي برهان الذي أوصل لنا رسالة مفادها أنّ الفضيلة التي دوختنا بها حواء سميث سقطت بأول حبائل اللذاذة التي إمتدت اليها , وبطريقةٍ أكثرُ متعةٍ وجرأةٍ من صديقتها حواء دمشقية . على الأقل هذه الدمشقية مارست الجنس تحت سترٍ وحجاب ، لكن حواء سميث بفضيلتها المزعومة كشفت عن كفلها الناتئ قرب شقة زوجها وعلى السلّم القريب بأمتار . شعرت بحاجتها لغسل الذنب بالأستحمام ، وتنظيف فرجها من مني الجيكولو خوفاً من إحتمال الحمل .
هنا نستطيع القول بأن الجنس هو من نعم الوجود فلاداعٍ للتبجح بالفضيلةِ في صون الجسد والفرج الذي هو السبب في خلقي ووجودي، مثل تبجح تلك المرأة العراقية في الدنمارك ، المتزوجة من رجل فاضل مشهودُ له خلقاُ وخلق ، وفي لحظة ما غيرت كل تفكيرها إتجاه زوجها ، وراحت تستهوي الشيخ الذي يأم بالمصلين كل يوم( يبدو أنها رأت الشاب الأشقر الوسيم.. إبليس… الذي يخص برهان شاوي ) ، هذا الشيخ هو الآخر متزوج لكنه تبين أنه شبقياً لايتورع أن يفعل الزنى حتى في حضرة الجوامع بحجة ( المتعة) ، راح يطلّقها من زوجها صديقه ُالحميم ، على إعتباره شيخاُ ومن مهمته إتمام ( أبغضُ الحلال عند الله الطلاق) ولا علاقة بالصداقة في إمور الدين وتعاليم الرب. بعد شهرين حصلت من جراء ذلك أكبر فضيحة وعلى نطاق واسع بين جالية العرب ،حصلت معركة شرسة بين زوجتي الرجلين ، بالأحذية والنعل وجرجرة الشعور في إحدى الحسينيات ، تبين من خلالها أنّ الشيخ الوقور والمرأة الفاضلة التي طلّقها من زوجها ، قد تزوجا على سنة الله ورسوله ، بل حملت منه خلال شهرين ، ماأقوى هذا الشيخ ، أنه شيخُّ جيكولي على سن ورمح . وأما زوجها الأول الوقور المسكين المحترم ، خرج من المدينة وذهب مع الريح حاملاً خنجرَ عاره ، الذي طُعِنَ به من قبل صديقهُ الشيخ الصديق الحميم وإمرأته الفاضلة .
ظلّت حواء سميث ، تفكر في خدرِها الذي يسري في بدنها وفي ذلك الأيلاج الذي لم تتذوق مثله طيلة السنين الطوال مع زوجها ، أن الجيكولو قد حقق لها أنوثتها الخبيئة . تذهب لشقته بحجة الثأر لكرامتها المهدورة ، تدخل عليه بالتقريع والسباب ، لكنه السباب المبطن بالشهية العارمة لعضوه ، عجيب غريب كرامات النساء ، خرطومك في داخلها تتلذذ به وهي تقول لك : ايها الوغد الداعر . الجيكولو الزير يفهم الزبائن جيدا ، وخصوصا مع الزبونة التي تفكر بالفضيلة كحواء سميث التي أنهت شوطا كبيرا من الفضيلة والذهاب الى الكنيسة .وفي يوم رن جرس شقة حواءسميث وهي وحدها في البيت ، فتحت الباب فتفاجأت بأنه الجيكولو، قبل أن ترد عليه إقتحم باب الشقة ودخل عليها ، وبلحظة وجدت نفسها أمامه في عراك جنسي ، هو يضع يده على فرجها ، أراد تعريتها بالكامل ، هي تريد ولاتريد ، لكنها خائفة من لحظة ما سوف يدخل عليها زوجها أو إمها ، أصابها الخدر قليلا أرادت أن تلتهمه وتقبله ، إستسلمت لسلطان الشهوة الرهيب ، ولكن بلحظة ما إنتبهت الى أنه فك حاله منها وسرواله مفتوح وقضيبه يتدلّى ، لكن الدم يسيل من رأسه فتبين أنها في لحظة الخوف مسكت بمنفضة السكائر وضربته على رأسه ففرّ مذعورا من الشقة دون أن يقول شئ .كل لذة يأتي بعدها القرف ، بعد السكر صداع ، لكن المرء يبحث عنها مرة أخرى ، وهكذا نجد أنفسنا في مستنقع جنة السعادة والأستئناس ،لا الخطيئة كما يتصورها البعض ، والاّ لماذا خلقنا الرب بهذه الفسلجة العجيبة ، وكأن الأعضاء مثل الدشالي الميكانيكية يتوجب عليها التعشيق والاّ فأنها لاتعمل بشكلها الديمومي الصحيح . النساء والرجال مقنعون فوق أرصفة هذا العالم المترامي ، أنه عالم الأقنعة الخبيئ في طيّات تفكيرنا شئنا أم أبينا ، ولوكان للمرايا ذاكرة لفضحت مانفعلهُ وراء كواليسنا . أرادت حواء سميث الإنتحار، لكن أبناءها يقفون حائلاً دون ذلك ، تمنت (لو أن زوجها لديه عشيقة ، فعلى الأقل ستكون مرتاحة الضمير وكأنها لم تخنه..وإنما قامت بمثل ما قام هو) .
حواء سميث ، وهي أمام شقة جيكولاها وعلى وشك الصعود له ، كي تتذوق طعم قضيبه مرةً أخرى، يرن تلفونها فتفهم أنّ إبنها في المشتشفى وفي حالة خطيرة ، تندهش ، فتسرع له وسط ذهول الجيكولو الذي كان ينظر لها من شقته ولايفهم مالذي يحصل ، فكان هذا سببا في قطع العلاقة الجنسية مع الجيكولو والى الأبد . تذهب الى المستشفى وهناك تنزل عليها الطامة الكبرى ، إذ تعرف أنّ زوجها مات بحادث سير مع زوجته سكرتيرته المسلمة ، أما إبنها بخير سوى رضوضٍ بسيطة . هنا نجد ملياً وواضحاً من أنّ (المرأة أما خلاص أو هلاك للعائلة ، لأنها تحمل في ثنايا ثوبها مصير كل فرد من أفرادها ……..إميل زولا). ما سمعته من ضربة زوجها القاضية لها حول زواجه من سكرتيرته ، قد جمّدت مشاعرها نحوه ( قد تغفر لك المرأة القسوة والظلم ، لكنها لا تغفر عدم المبالاة بها…… جان جاك روسو ) .
الناسكة حواء ذو النورين …..
حواء ذو النورين تحس أن آدم سميث زوج صديقتها حواء سميث يحاول أن يعرقل طلب لجوءها ، كي ترضخ له جنسيا ، لكنها ترفض العمل معه في شركته ، لأنها لاتريد خيانة صديقتها حواء سميث زوجة آدم سميث ، أنها اليوم تفكر بإبنها الذي رأته بالحلم . فكرت لربما السبب فيها لأغواء الرجال دون دراية منها فيجعلهم يلهثون وراءها مثلما حصل مع آدم الملا في بغداد ومع صديق إبنها ( قابيل العباسي) ومع آدم الشامي زير النساء في متاهة ابليس ، وكذلك آدم بونابرتي الفنان الرهيف المقطوع القضيب .
آدم سميث لم يستطع أن ينال من حواء النورين مهما قدم لها من المغريات ، لأنها لم تفسح له المجال ولم تقدم له أيةِ غوايةٍ تذكر كما فعلت مع الآخرين ، حواء ذو النورين تلك المرأة الشبقية التي لازالت تحس أن جسدها مسكون بجوع أبدي للذة ولرعشة النشوة المذهلة، قررت اليوم أن تصبح ناسكة ، أن تترك كل هذه المتع من أجل ذكرى إبنها الوحيد الذي قتلته يد الإرهاب . فما على آدم سميث سوى الرضوخ لقرارها وعدم الإقتراب منها .الإرهاصات العميقة لدى حواء ذو النورين ، تجعلها تتخذ قرارها بالذهاب الى المغرب، بعد إن عرفت أن هناك رجلاً مغربياً جليلاً يسكن أعلى شقة حواء سميث ، وله هناك في المغرب مدرسة خاصة يلجأ لها المتصوفون والهاربون من متاهات الحياة . فتخبر محاميها الذي لايعرف السبب في مغادرتها الى المغرب وترك مغريات فرنسا وآدم سميث وتقول :
(سببي الرئيسي والجوهري هو أنني أحاول أن أحافظ على ما تبقى من إنسانيتي…. حين نكون وسط الحياة فنحن لا نعي بأننا في وسط الموت..وربما إذا ما ابتعدتُ عن هذا الدفق الفوار للحياة في مدينة مثل باريس وأتلاشى في بلاد بعيدة..وأختلي في زاوية ساكنة فأنني سأوفر الأمان والسكينة لنفسي وروحي) .
بالفعل تغادر الى المطار دون أن تجد فرصة لمكالمة صديقتها حواء سميث ، وهناك في المطار تجد حواء الذهبي صاحبة الكتاب ( ملاك الجحيم) الذي كانت تقرؤه ، تجدها هي الأخرى تريد السفر الى المغرب . تفترق الحواءات المنسية وتلتقي في هذه الحياة المليئة بالمفارقات العجيبة الغريبة ، وبهذا يدخلنا الروائي برهان شاوي في متاهة أخرى ، وهي أن آلام هذه الحواءات ماتزال على الطريق لم تنتهي بوصولهن الى المغرب ، مازال أمامهنّ من حصاد الألم الكثير الكثير ، وهل سينتهي العمر هناك مثل الذبالة المشتعلة ، ربما سنرى ذلك في المتاهة السابعة التي يشرع الروائي بكتابتها كما أخبرني مؤخراً .
سطور لابد منها …..
“لو جردنا المرأة من كل فضيلة لكفاها فخرا أنها تمثل شرف الإمومة …..جوبير”…..
برهان شاوي لربما إشتغل وفقا لهذه المقولة الرائعة بحق الحواءات ، فرسم لنا نهاية كل حواء مع إبنها ، وكأنما يريد أن يقول لنا ، أن الثقة المطلقة الوحيدة التي تؤمن بها المرأة هي العلاقة الأمومية ، وكل العلاقات الأخرى هي قابلة للنقاش لديها ومن الممكن وضعها أمام محكمة عاطفتها المتأرجحة بين حين وآخر . فنرى حواء الحلو ، لولا إبنها الذي بلغ الواحدة والعشرين، لوضعت حدا لحياتها من العذاب التي هي فيه ، فبقيت على قيد الحياة لأجل هذا السبب . حواء سميث هي الأخرى وقف إبنها الراقد في المستشفى حائلاً بينها وبين الجيكولو الذي كانت تأملُ منه بشغفٍ إختراقها مرة أخرى ، لكنها خلعته من دماغها لأجل إبنها في اللحظة الغريزية تلك. ثم أخيراً حواء ذو النورين تلك التي كانت تأن وتتأوه خدرأً وانتشاءاً لمجرد أن يضع (بوناروتي) صديقهاالمقطوع القضيب رأسهُ بين فخذيها . حواء ذو النورين تصبحُ في النهاية ناسكة لكثرة تفكيرها بإبنها الذي أُختطف ورآى فلم إغتصابها ثم إنتحر . فلاتجد غير الذهاب الى المغرب دون أن تعي أن هناك متاهة أخرى في إنتظار روحها المسكينة المنسية .
هاتف بشبوش/عراق/دنمارك