هي أموال فقراء العراق انتهبها مسؤولون لحيازتها لأنفسهم فوزعوها فيما بينهم كرواتب كبيرة و نهبوا بوساطتها بيوتا وقصورا وأملاكا وافردوا قسما منها من دون وجه حق لأفراد عائلاتهم ولمعارفهم.
يحق للعراقي ان يسأل، كيف يمتلك البلد تلك الأموال والموارد الهائلة من دون ان ينعكس ذلك على واقعه المعيشي، اذ يظل ملايين العراقيين ولاسيما الشباب من دون امل بالمستقبل. نقول، فقراء العراق، ونعني النسبة الأكبر من سكان العراق و بضمن ذلك العاطلون عن العمل والموظفون من محدودي الدخل والمتقاعدون والأرامل والمطلقات والايتام، وجميع سكان العراق الذين حصدتهم الازمة عدا المتنفذين والفاسدين وسراق المال العام من المسؤولين الذين كونوا لهم طبقة سياسية وتجارية حصدت الأخضر واليابس ولم تُبق ِ لعامة الناس سوى النزر اليسير من الأموال، فلم يعد بمقدورهم الحصول على بيت او شراء حاجة مرتفعة الثمن، بل ان كثيرا من العائلات تحصل بالكاد على قوت يومها، ووصل أمر النواب والمسؤولين الى منافسة العجائز والمرضى على حصص الحج التي يقتطعون صرفياتها من أموال البلد و حقوق الناس.
ما عادت تقنعنا النسب المنشورة من جهات حكومية عن الفقر في العراق ـ برغم خطورة ما جاء فيها من أرقام ـ ولا بأس من الإشارة اليها برغم قناعتنا أن النسب المعروضة فيها هي أدنى بكثير من الواقع.
في احد تقاريره يقول الجهازُ المركزي للإحصاء بوزارة التخطيط والتعاون الإنمائي اَن المسوحات التي أجراها في عام 2008 أظهرت ان 7ملايين ِعراقي يعيشون تحت خط الفقر اي ما يعادل 23 % من سكان العراق، وان أفقر ثلاث محافظات هي المثنى ونسبةُ الفقر فيها 49 %، تليها محافظةُ بابل ونسبةُ الفقر فيها 41 %، ثم محافظةُ صلاح الدين وقد بلغت نسبةُ الفقر فيها 40 % .
فأين ذهبت الأموال المتحققة من بيع النفط الذي شهدت أسعاره طفرة كبيرة في المدة الماضية .. وأين تذهب عوائد السياحة الدينية التي تتراكم يومياً؟ وكيف يجري التصرف بعائدات المراكز الحدودية التي يؤكد مسؤولوها على ارتفاعها باضطراد.
وماذا يعني استمرار انهيار الخدمات والبنى التحتية وانعدام الاعمار وزيادة معدلات الفقر (بما في ذلك عام 2009) في الوقت الذي تقول الجهات المسؤولة ان ميزانية ذلك العام شهدت عجزا جرت تغطيته “من المبالغ النقدية المدورة من الموازنة الاتحادية العامة لعام 2008” ، وكذلك الاموال التي تقول الدوائر البلدية في محافظات عدة انها زادت وارجعتها الى خزينة الدولة! لماذا لم تستعمل تلك الاموال الزائدة في تنفيذ خطة عام 2008 ولماذا فشلنا في توفير الكهرباء للمواطن وفي اعادة بناء العمارات التي لم تزل مهدمة في مركز العاصمة منذ حرب 2003 ولمَ اخفقنا في تشغيل المصانع والايدي العاملة وتسببنا في زيادة معدلات الفقر والبطالة وفي تفاقم معاناة الناس. وتتعاظم دهشة الناس حين يعلن المسؤولون ان في موازنة عام 2011 فائضا فاق الثمانية مليارات دولار!.
وفي خضم هذا التناقض وتلك التساؤلات، تقول لجنة النزاهة في مجلس النواب انها كشفت عن “ملف فساد مالي وإداري يخص مشروعي إعمار مدينتي الصدر وشعلة الصدرين”، مؤكدة أن200 مليون دولار بعثرت على أمور لا علاقة لها بالإعمار. اما محافظ بغداد ففي الوقت الذي يشير الى أن عدد سكان العاصمة بلغ نحو سبعة ملايين نسمة، يؤكد أن “عدد المباني الهامشية التي تشمل الصرائف والأكواخ بلغ مليوني مبنى في عموم العاصمة”، وبإمكانكم ان تحسبوا متوسط عدد أفراد الأسرة لمليوني منزل بائس ناهيك عن الاعداد المتكاثرة من المتزوجين الذين لا سكن لهم الذين يعيشون مع ذويهم او يسكنون بالإيجار، لتكتشفوا فداحة الفقر الذي وصل اليه سكان العاصمة بغداد فما بالك بالمحافظات؟!، وحقّ لنا ان نتساءل عن الوجهة التي ذهبت اليها اموالنا.
الأغرب من ذلك ان ممثلي الشعب المفترضين وبدلا من ان يرفعوا اصواتهم للكشف عن مصير الاموال المنهوبة والمطالبة بإيقاف تبذيرها ونهبها يمعنون إيلاما في جرح المواطن العراقي، فتطالب مثلاً نائبة عن قائمة كبيرة حاكمة قبل ايام بـ “حجز بيت من لا يدفع أجور الماء ومصادرة المنازل المشطورة” و تضيف “العراقي لا يعرف المواطنة”، ويطالب نائب بتوفير “خزين ستراتيجي لمفردات البطاقة التموينية تحسبا للظروف الطارئة” فهل هم بصدد السعي لإيقاعنا في مطبات اخرى وحرمان آخر، بعد عقود من الحرمان والحروب؟
اننا لم نتطرق الى أساليب النهب المنظم الأخرى التي مارسها كثير من المسؤولين ممن ائتمنهم الشعب على ثرواته، وملفات الفساد المتكاثرة، فذلك موضوع آخر يطول شرحه ويفترض بلجان النزاهة والقضاء ان يميط اللثام عنه، وان يُحاكَم المسؤولون الذين نهبوا المال العام وافسدوا وان تُشهر أسماؤهم على الملأ ، لأن أموال فقراء العراق المتمثلة في عوائد النفط الهائلة وأموال السياحة الدينية والبوابات الحدودية والثروات الاخرى تتعرض الى نهب كبير، كما انني لا أطالب الفقير بإشهار سيفه للمطالبة بامواله المنهوبة وان كان من حقه ذلك، ولكنني أطالبه في الأقل، ان لا يصوت للفاسدين وسارقي ثرواته في أي انتخابات مقبلة حتى إذا ارتأى مقاطعة الانتخابات، لأن الفساد إذا تواصل من دون اجتثاث فسيتفاقم الفقر وتتزايد أعداد الفقراء في العراق وستظل ثروتهم حكرا على المتنفذين الذين يزداد غناهم بوساطة ثروة الشعب المنهوبة وستسوء الخدمات أكثر، وستتواصل أعمال العنف والإرهاب، ولن يُعمّر البلد.