د. خالد ممدوح العزي
الجزاءالثاني
في برنامج الرئيس “فلاديمير بوتين” الانتخابي بتاريخ 21يناير”كانون الثاني “2012 والذي توعد فيه بصراحة بان أي عمليات أحادية ينفذها الغربيون على الساحة الدولية ، إذا لم تأخذ فيها مصالح روسيا سيكون رد موسكو قاصا عليها.لان قواعد اللعبة الدولية السياسية والاقتصادية، لا يمكن أن تتخذ على حساب روسيا أو بالالتفاف على مصالحها.
اسلوب روسي جديد في التصعيد وسورية مسرحه :
من المؤكد بان وصول السفن البحرية الروسية إلى الموانئ السورية القريب حسب تصريح “الجنرال المتقاعد ليونيد إيفاشوف بتاريخ 7 ديسمبر”كانون الأول”2011″بان موسكو سترسل حاملة الطائرات “الأميرال كوزنيتسوفا” وعلى متنها مقاتلات “سوخوي” و”ميغ” برفقة بارجة “الأمير التشابانينكو” إلى البحر المتوسط، وهذا ما أكدته وزارة الخارجية الروسية، وهذه العملية لها أهمية خاصة بالنسبة لموسكو ذات الطابع الاستعراضي والذي تستخدمه روسيا في حربها الباردة الجديدة، قد بدأت معالمها تظهر ،فان وصول السفن التابعة لسلاح البحرية الروسية تحمل أمرين:
1- أسلحة مضادة للطائرات،من صواريخ بحر- جو ومعدات متطورة لرصد التحركات الجوية والبحرية،
2- وهو الأهم، أنها تحمل رسالة روسية حاسمة إلى كل من يعنيه الأمر مفادها أننا قررنا أن معركة سوريا هي معركة روسيا، وأن قرارنا الواضح والأكيد هو الدفاع عن دمشق.
بالرغم من أن المتحدث باسم الخارجية الروسية”ألكسندر لوكاشيفيتش”عبر عن امتعاضه من الخطوات الأمريكية :”بان إرسال السفن الحربية الأمريكية إلى السواحل السورية “لا يساعد في إيجاد تسوية سلمية للمشكلة السورية”.
اسباب موسكو الخاصة التي تدفعها للتصعيد :
ترى الأوساط الدبلوماسية الروسية أسبابها الخاصة التي تجعلها تخوض معركة ضروس في سورية ضد أمريكا تحديدا للحفاظ على مصالحها والتي نعرض بعض أسبابها، إن موسكو حسب وصفها ترى نفسها معنية باتخاذ هذا الموقف المتشدد في سورية نظرا للأمور التالية :
1- لموسكو أسبابها التاريخية المتعلقة بعلاقاتها القديمة والوثيقة بسوريا وحكمها وسياساتها في المنطقة منذ عقود طويلة، وروسيا تلتزم بمبادئها ولا تحيد عنها.
2- لموسكو قراءتها الخاصة للواقع الجيو- استراتيجي العالمي، و هذا الحصار الذي تفرضه واشنطن وتضربه حولها،ابتدأ من قلب أوروبا الشرقي حتى آسيا الوسطى،على مدار الحدود الحيوية لها من خلال مواجهة فعلية عبرا شبكة صواريخ .
3- لموسكو مصالحها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لديها موطئ قدم ألا في سورية الجزائر،وحسب توجه موسكو، من الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً سوريا الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي،فضلاً عن القضايا الملامسة للأبعاد الإستراتيجية في أراسيا والحدود الجنوبية الإسلامية .
-4 لموسك وقراءة خاصة مرتبطة مباشرة بأولوياتها الأمنية،المعركة المباشرة مع الأصوليات الدينية “الإسلامية” الإرهابية المتطرفة ،والسعي إلى الحؤول دون وصولها إلى الحكم في الدول التي تقع في حديقة روسيا الخلفية، أو التي تحيط بها. لأن في ذلك خطراً جسيما على أمنها القومي، لان المواجهة مع هذه الحركات ،هو شأنا روسيا قوميا داخليا، لا يمكن التساهل به وخاصة حيال مخاطره أو لاتجاهل تداعياته.
5- موسكو التي تتخوف من حالة الفراغ الدستوري في أفغانستان بعد الخروج الأمريكي منها في العام 2014،واحلال الفوضى فيها،والتي تعكس نفسها على روسيا، من خلال التمدد نحو مواقعها الحيوية ، وموسكو تعرف جيدا خطورة هذا المستنقع الذي دفعت فيه الغالي والرخيص، مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفياتي وانتصار المجاهدين الأفغان، “الدوشمان بالأفغانية “، وبالتالي فان الانسحاب ستملئه حركة طالبان التي تحاول فرض سيطرتها على أفغانستان والتمدد الى الجمهوريات الإسلامية المجاورة لروسيا مما يدخلها في حرب مباشرة مع التشدد الإسلامي التي تعاني روسيا أوزاره حتى اليوم في القوقاز الروسي .
-الثورات العربية التي استطاعت إسقاط الحكومات الدكتاتورية مما ساهم بوصول الأحزاب الإسلامية إلى السلطة وتولي سدة القيادة فيها عن طريق الديمقراطية والشفافية ،مما سينعكس الحال على المسلمين الروس الذين سوف يجودون قوة جديدة في حربهم على سلطة الكريمين من خلال تشجيع حركة الإخوان المسلمين العالمية التي أضحت تشكل خطرا حقيقيا على سياسة موسكو.
6- الوضع الداخلي الروسي والتي تحاول واشنطن تأجيجه من التشكيك بالانتخابات البرلمانية التي اضعفت قدرة حزب بوتين بالرغم من فوزها ،تحت شعارات مثل “الديمقراطية والحرية وسيطرة الحزب الواحد،وانعكاس الوضع الاقتصادي الداخلي على حياة المواطنين الروسي المتذمرة من سياسة الحزب الحاكم بسبب الفساد والرشوة المسيطرة على روسيا والروس .
التخوف الروسي من التطورات الدولية :
كل هذه الأسباب كانت مدار بحث طوال الفترة الماضية في موسكو،وخصوصا ًبعد “الخطأ” الذي وقعوا فيه في ليبيا حسب رأيهم من خلال تسليمها للغرب دون الأخذ بمصالحهم الخاصة . وهذا الخطأ الذي وقع فيه الرئيس ديمتري ميدفيديف حسب التقديرات الروسية،لان المسألة الليبية كانت في عهدته المباشرة والحصرية، وهذا ما جعل الرئيس بوتين أن يستخلص العبر والدروس والعودة إلى التاريخ الماضي عندما تم توحيد ألمانيا والتعهد الشفوي لروسيا بعدما تمدد الأطلسي نحو الدول التي تحيط بروسيا، فكان العكس تماما، فالرئيس بوتين حذر سابقا من تلك السياسة الروسية التي استخدمت في طرابلس الغرب، فهذه الهجمة الغربية دفعت بوتين، إلى اخذ الدروس والعبر من مهندس السياسة الروسية وبطريركها في الشرق الأوسط، يفغيني بريماكوف،والتي اتخذ القرار سريعا بالدفاع عن سوريا.
وحسب طرح الخارجية الروسية والتي تقول فيها:”بأننا أبلغنا أصدقاءنا في دمشق أن المطلوب هو الصمود، ربما مع بعض “التضحيات”،لكننا سندافع عنهم، وكل روسيا مجنّدة لذلك. حتى زيارة بطريرك موسكو “كيريل” الأخيرة للمنطقة كانت في هذا السياق، وكذلك إرسال 60 طن من السلاح وبيع 36 طائرة حربية ضمن هذه الخطة وعدم مناقشة المشروع الروسي المقدم لمجلس الأمن في ظل رئاسة روسيا للمجلس .وللذكر فان موسكو استقبلت أربعة وفود سورية معارضة، تباحث معهم في طرح سياسة واضحة لمستقبل سورية للخروج من نفق الأزمة “من خلال ربطها بالإصلاحاتالتي تنفذها دمشق، والاصرار على ضرورة الحوار مع النظام لا نه السبيلالوحيدللخروج من الازمة . وكذلك أبلغتهم بما تعتبره موسكو خطوط اًحمرا ًبالنسبة لها، وعدم المساس بها” لا للتدخل الخارجي في سوريا،لا لاستعمال العنف من أي طرف كان،لا لبقاء الوضع على ما هو عليه”.
وهذا ما أكده د.برهان غليون رئيس المجلس الانتقالي في زيارته الاخيرة لموسكو والذي اجتمع مع وزير خارجية روسيا سرغي لافروف بقوله :”لم يقنعن الروس ولم نقنعهم، لكن الوقت سيساعدنا على تقريب وجهات النظر.إضافة إلى وجهة نظر موسكو الثابتة التي توكدها دوما الخارجية الروسية بشخص وزيرها لافروف القائمة على أن ” الأهم الآن هو الكف عن التحرك بواسطة الإنذار ،و محاولة إعادة الوضع إلى العمل السياسي” ،وضررت ايجاد تسوية سلمية للنزاع على غرار ما حصل في اليمن، لافروف يتهم المجموعات المسلحة باستثارة الاضطرابات في سورية واضعا بذلك الضحية والجلاد في مرتبة واحدة .
فالمسألة تبدو بالنسبة لروسيا هي استعادة أميركية للأجواء التي كانت سائدة سابقا والدخول في حرب باردة جديدة وإعادة سباق تسلح في القارة البيضاء ،لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية ،التي غطرسة به على العالم طوال الفترة التي تلت انهيارا لاتحاد السوفياتي السابق.
روسيا ترفع سقف المطالب لتحسين شروطها الخاصة:
روسيا التي ترفع سقف المطالب وتهدد بأنها سوف تتجه نحو كوبا وفيتنام وكوريا بموافقة الصين وتهدد تركيا بان الزعيم لكردستاني كان متواجد في موسكو قبل أن يتم تسليمه إلى المخابرات التركية بواسطة الموساد الاسرائيل، ومشاركة السياسي الروسي وزعيم حزب الليبرالي الديمقراطي وصديق العرب “فلاديمير جيرينوفسكي”، وكذلك التهديد بعودة الرئيس بوتين إلى السلطة الذي يستطيع ممارسة سياسة مختلفة وقاسية لكونه مدعوم من الشعب ،فروسيا تحاول الحصول من تصعيدها هذا على ثلاثة مسائل مهمة:
1- إدخالها في منظمة التجارة العالمية دون شروط وقيود .
2- عدم التدخل في شأنها الخاص والسكوت عن الفساد الإداري التي عانت منه موسكو طوال فترة حقبة الرئيس بوتين.
3 –السماح لموسكو بإعادة السيطرة على جورجيا والإطاحة بنظام “سكاشفيلي” الذي سبب لموسكو مصدر قلق حقيقي في القوقاز.
إضافة للتفاهم على بعض الملفات التي تعني موسكو مباشرة كنشر الدرع الصاروخية في مناطق اوروبا الشرقية،وتركيا،الانسحاب من أفغانستان، والجمهوريات الإسلامية في وسط أسيا،ومشروع إيران النووي.
المصالح الدولية الخاصة تضع الملف السوري رهينة:
اذا فالمعركة ضروسة بين روسيا وامريكا ، بسبب تفاقم الملفات التي تسيطر على المباحثات السياسية بين البلدين، ولكن تبقى سورية بانتظار قدرة ابناءها الثائرين الذين هم وحدهم من يفرضون قوانين وسياسة المعادلة الدولية ، التي يتفقدها كل من ” اوباما وبوتين واو ردغان ونجاد”.
لكن السؤال المهم الذي يطرح نفسه هل تستطيع موسكو بهذا التعنت والغطرسة التي تمارسها في التعاطي مع الملف السوري والذي لا يساعدها في ادارة سياسة عالمية متعددة الاقطاب كم تحاول روسيا تسويق نفسها كلاعب اقليمي في عالم متعدد الاقطاب .
سوف تحصل موسكو على مكاسب مادية معينة في للأفراج عن الملف السوري اذا اعاد ادراجه في مجلس الامن، لكنها خسرت سورية ودول عربية اخرى، ودخلت في مواجها حقيقية الاسلامين الصاعدين للسلطة في الدول العربية والمحميين بانتخابات حرة وديمقراطية شفافة لأنها اعتبرت بان الاسلام الساسي هو عدوها روسيا، ولم تستطيع التكيف مع هذا التغير العربي، بالوقت التي تعتبر روسيا ليست غريبة عن الاسلام والمسلمين الذين يشكلون فيها نسبة 20%، اضافة الى دول اسلامية تقع داخل فضائها الاستراتيجي، والجيو-سياسي ، والجيو- اقتصادي .
*باحث إعلامي وخبير بالشؤون الروسية ودول الكومنولث