سهى بطرس هرمز
كثر ما قيل عن الحياة أو ما وصفت به، قيل عنها أنها مسرح كبير فيها الكثير من الأبطال، وقيل أنها الألم والشقاء، إنسان يتألم من الآخر أو يؤلم ذاته، وقيل أنها الأنانية واللذة،
إنسان يفكر في ذاته ولذته دون إن يفكر في ألم الآخر. وقيل عنها أيضا أنها الضياع والظلم والاشتياق إلى العدالة، وهي أيضا فرصة، لا تأتي إلا مرة واحدة ولابد من عيشها لحظة بلحظة دون إن تنظر للخلف وتحسب حساب المستقبل، وقيل أنها الغدر والخيانة والواقع الصعب، وأخيرا قيل إن الحياة حياة، ولابد إن تعيشها كما هي، ففيها كل شيء ولكن لا تدوم لأحد!
الفيلسوف الفرنسي ألبير كامو، قال:” أنت كلا شيء، وحياتك لا معنى لها سوّاء عشتَ أو متْ، فالنتيجة واحدة، لأن هذا لنْ يؤثر في العالم”. طيب، إذا كان الإنسان لا قيمة لهُ، وحياتهِ بلا معنى، ومصير البشرية في النهاية إلى الزوال، أذن، لمْا أنا في هذه الحياة؟! ومن أنا في هذا العالم الكبير؟! سؤال بسيط ولكن في معناه عميق!!
بداية نسأل هل الله خلق هذا الوجود لينتهي مصيره إلى العدم؟ هل الإنسان جُبل وخلق على الأرض لكي يكثر فيها ويُنميها فقط، ويأكل ويشرب مثله مثل أي كائن آخر وضمن إطار قدراته الشخصية وينتهي دوره عند هذا الحدّ؟ هل الحياة وهمٌّ يعيشها الكثيرون أم حقيقة وأهداف واستمرارية وإثبات وجوّد؟
نقول:
الإنسان لم يخلق في هذا الوجوّد من أجل لاشيء وينتهي، بلْ خلق لهدف أسمّى وأعظم، وأيضا لأن الله أراد له أن يكون فكانَ. فالحياة هي الحياة والوجود، وهي معنى وهدف، وهي موقف نتخذه في لحظة تصادفنا لنؤكد فيه سبب وجودنا وغايتنا. وهي أن أكون أنا كإنسان. فغاية الحياة إن نحياها على مستواها السامي، أي أن نعيشها بما لدينا من كفاءات بشرية تسمّو على كفاءات باقي الكائنات. فالمطر أو الأصح حبات المطر النازلة من السماء على الأرض، هل ينتهي دورها عند هذا الحدّ، أم يستفاد منها الإنسان والحيوان والنبات على السواء وتعطي لهم الحياة. هكذا هو الإنسان وحياته على الأرض، فهو لمْ يُخلق من أجل لا شيء.
الحياة هذه الكلمة المليئة بالمتناقضات التي نمرُّ بها ونعيشها، نشعر بحلوّها وبمُرّها، ونحس بآلامها وبحلاوتها، نحتمل قسوتها ومآسيها حتى نصل إلى مباهجها. نرى فيها الحزن والألم والسعادة، نرّى الصديق والقريب والطفولة، نرى فيها الجمال والقبح، فهي طريق نمشيه بكل ما نلاقيه، وهي هدف وانجاز ورضى ووجوّد، وبحث عن معنى الإنسان كانسان، ميزّ دون جميع الخلائق. إنسان خلق وفي أعماق فكره وقلبه صوت يقول له، أنت إنسان لك روح وحياة، خُلقتَ على الأرض لتملاءها وتنبتها وتزرع الحياة فيها وتجددها، فالحياة هبة يجب إن نطورها للأفضل، ولكن ما العمل، إذا كان إنساننا يفعل عكس كل هذا، فمرة يقوم بدور البطولة ومرة يقوم بدور المشاهد ويصفق للأبطال ويشجعهم!
ونحن برأينا نقول إن الحياة هي: مرآة تعكس ذاتك وتعرف قيمتها ومدى عطاءها، وهي هدف، توازن، تنظيم، بناء، معرفة، نمو، استجابة للآخر وللأشياء وللطبيعة، وهي النمو والتكاثر والتلاؤم والتكييف مع كافة مُتطلباتها، لاستمرارها. ورغم صغر الكلمة ولكن معناها كبير جدا، فهي سلسلة متواصلة من الدروس والعبر والتجارب يستلقيها الإنسان خلال مسيرتهِ، وعليه إن يعيشها لكي يُدركها ويُجيد فهمها ويستوعبُها ويستوعب الآخر ويقبلهُ، هذا بعد إن يفهم ذاته ويقبلها كما هي، لأن ذاتك هي لك أنتَ وحدك وعليك إن تطورها من أجل ذاتك أولا ومن ثم من أجل الآخر.
وإذا كانت الحياة على رأي البعض مسرح كبير فيها الكثير من الأبطال، فنحن نقول أنها مدرسة دائمة، يتعلم منها الكثير من الأجيال باستمرار كل يوم درسٌ جديد، قد يسعدها أو يؤلمها، ولكن لا غنى لها عنها في مشوار الحياة ومسيرتها. وهي فن جميل فيها مختلف الألوان ولحن معزوفة جميلة، وهي بصمة تتركها لمن بعدك. فلمْا لا نحاول إن نفهمها ونعيشها بما يرضي الذات والضمير والآخر، أليس أفضل من إن نشوهها بأعمال لا تليق بأبناء الله!!
فالحياة كما قال جبران خليل جبران:” الحياة تمثلها الليالي على ملعب الدهر نظير مأساة. وتنشدها الأيام كأغنية، وفي النهاية تحفظها الأبدية كجوهرة”.