مع بدء انتفاضة تشرين العراقية عام 2019م، واشتعال الوسط والجنوب العراقي ذي الغالبية الشيعية ضد الحاكمين الذين يدعون أنهم مخلصي الشيعة، رفعت عشرات الشعارات وفي مقدمتها وربما الأكثر تداولاً ودغدغةً لعواطف الغالبية من الشباب، هي إجراء انتخابات مبكرة بدلاً من إسقاط النظام الذي كان شعاراً مركزياً لما سُمي بــ”الربيع العربي” الذي انقلب إلى شتاء قارس، وعلى خلفية أن هذه الانتخابات ستغير خارطة الوضع السياسي في البلاد، متناسين تماماً التراكم التربوي والاجتماعي والولاء العشائري والمذهبي والقومي وواقع الحال المؤلم الذي لا تؤثر فيه أي انتخابات مبكرة بالشكل الذي يطمح له المنتفضون، خاصةً وأن مفاتيحاً خطيرة تمَّ استخدامها مع غالبية مخدرة بالأيديولوجيات الدينية والمذهبية والقبلية البعيدة تماماً عما يطمحون إليه من إصلاح، في دولةٍ ورثت نظام ”نفّذ ثمّ ناقش” ومؤسسات ”من قال صدام قال العراق”، وهي تغوص في مستنقع الفساد والإفساد تحت يافطات الديمقراطية والحرية التي ناضلنا من أجلها عقوداً مريرة، فتحولت تلك الشعارات إلى أنماط من السلوكيات الممسوخة اختلطت في معمعتها الكثير من الأوراق، إلى الدرجة التي امتزجت فيها الألوان بما جعلت الكثير منا يصاب بعمى الألوان تارةً وحيرة العقول وذهولها تارةً أخرى!؟
إنَّ ما يجري في بلادنا، لا يمكن وضعه تحت أي عنوان متفق عليه ضمن أفكار وفلسفات منظري الأنظمة السياسية في العالم سواءاً الشمولية منها أو الديمقراطية أو التي بينهما، فهي مزيج مسخ من مفاهيم لا علاقة لها بأي معرف سياسي أو تقليد إداري، فقد اختلط فيها الحابل بالنابل كما يقولون وتحول بقالي وتجار البلاد الصغار منهم والكبار، وخاصةً أصحاب الصفقات المشبوهة وأبطال غسل الأموال القذرة ومهربي المخدرات والنفط والذي منه، إلى زعماء أحزاب وكتل ومن ثمَّ وزراء ونواب وما بينهما من وكلاء وممثلين ومدراء عامين وسفراء وقناصل ( نص ردن ) لا يصلح أفضلهم أن يكون موظف استعلامات أو علاقات عامة في دائرة بسيطة أو فندق عادي، أصبحوا بقدرة قادر بين ليلةٍ وضحاها في الزمن السيئ، قادة هذا البلد المنكوب بدولته منذ تأسيس كيانه في غفلةٍ من أصحاب العلاقة من المالكين والورثة
ورغم كل ما يحدث من طوفان في دماء المساكين من أولئك المتظاهرين من الأهالي، فإن معظم هؤلاء الذين يتحدثون باسمهم، وخاصةً مِن الذين ركبوا الموّجة ونصبوا أنفسهم محامين يترافعون عنهم سواءاً كانوا يحملون لقب نائب أو وزير أو زعيم كتلة وما دونه، وصولاً إلى ( أبو إسماعيل الموديرن ) من الشرطة الاتحادية أو المحلية، الذين تحول قسم مهم منهم إلى طرف ثالث بعد أن كانوا دلالين لبيع المساجين والمعتقلين، وخاصةً أولئك المتهمين بالفقرة (4) إرهاب الأبرياء منهم والمجرمين، ولكل رأس منهم سعر محدد حسب فعلته الجهادية في الذبح أو اللغف، كما هي تسعيرة مرشحي مجلس النّواب في دوراته السابقة من قبل شيوخ العشائر وبعض الأحزاب والكتل، صعوداً إلى جدول أسعار المواقع الوزارية والوظيفية العليا، مدنيةً كانت أم عسكرية، التي اختفت هذه المرّة مع الكابينة الأخيرة، كل هؤلاء دونما استثناء يهيئون الأمور للانتخابات المرجوة، ويناضلون بشراسة وعناد وبتجارةٍ عالية المستوى من أجل الاستحواذ على مقاليد ومفاتيح الحكم وخزائن الأموال، بعيداً عما جرى من أنهار دماء ودموع وكتل مدلهمة من الظلام طيلة السنوات الماضية، وبعد كل ما جرى بعد إقالة عادل عبد المهدي، من مسرحيات المرشحين لرئاسة الوزارة لأجل التسويف والتملص من آثار التظاهرات، فقد أركنت أخيراً الرئاسة لشخصية مقبولة الى حدٍّ ما من الطرف الآخر، وعلى مضض من الطبقة الحاكمة، وبتأييد أمريكي واضح وإيراني مجامل على مضض، نجح الكاظمي نسبياً في إيصال مجموعة وزراء معظمهم لا تنطبق عليهم لحد الان التوصيفات واردة الذكر في مقالنا، خاصةً وأنه يتمتع بمقبولية من الكورد والسنة العرب، تزيد رصيده وأوراقه في اللعب مع المجموعات المنفلتة التي أسماها، مقتدى الصدر، بــ”الوقحة”، سواء أكانت سياسية أم ميليشياوية.
وإزاء ذلك، هل نحن أمام مرحلة تجفيف أسواق وبازارات المناصب، والسؤال المرير هو:
هل سيتركونه يتصرف أم ستبدأ مرحلة جديدة من الالتفاف والاحتواء وتغيير البوصلات لصالح الطبقة الفاسدة في الحكم؟
الأسابيع القادمة، ستكشف جدية الحكومة في إجراء تغييرات نوعية تقنع الأهالي بإجراء انتخابات جديدة، يعول عليها البعض بأنها ستغير الخارطة السياسية للبلاد!؟ ويبقى السؤال الأهم:
هل الانتخابات في هكذا مجتمعات هي الحل؟
شخصياً أشك في ذلك، ولكن ربما تحدث معجزة في بلاد المعجزات التي ما زالت تعتبر الكورد قوماً من الجن!؟