كفاح محمود كريم
منذ سنوات يُسلم فلاحو كوردستان منتوجهم من الحنطة والشعير لوزارة التجارة الاتحادية العراقية كأقرانهم من فلاحي العراق، على أمل صرف مستحقاتهم من أثمان تلك المنتوجات وهي بمئات الآلاف من الأطنان، وللأسف الشديد وبحججٍ واهية لا يصدقها حتى الأطفال كما يقولون، حرمت الحكومة الاتحادية بدوافع عنصرية آلاف الفلاحين من حقوقهم الطبيعية، مقابل تلك الكميات الهائلة من الحنطة والشعير، ورغم مراجعات وفود عديدة من ذوي الاختصاص ومن ممثلي وزارات التجارة والزراعة في الإقليم لمثيلاتها في بغداد، إلا إن الوضع بقي على ما هو عليه، وأدى إلى انحسار زراعة هذا المحصول، علماً أن الإنتاج يفيض كثيراً عن حاجة الإقليم في منطقة تشتهر دولها خاصة في تركيا وإيران بإنتاج وتصدير تلك المحاصيل، ورغم هذا التعسف والظلم الكبير الواقع على هذه الشريحة من المواطنين، ومنذ الموسم الماضي تعرضت آلاف الدونمات المزروعة بالحنطة والشعير ومع موسم الحصاد وفي مناطق تمتد من الأراضي السورية تصل إلى أطراف خانقين، لعمليات حرق مُنظّمة من قبل قوى خفية كما يتمُّ توصيفها من قبل الجهات الرسمية
وفي حقيقة الأمر ومنذ أكثر من عام، اكتشفت قوى الصراع في العراق وسوريا سلاحاً جديداً أكثر فعالية وخطورة، ولا يؤدي إلى القتل البيولوجي للإنسان، بل يبقيه حيّاً أمام خيارين أحدهما مؤكد وهو الإفقار والإذلال، وثانيهما الإرهاب الذي يؤدي إلى التهجير والترحيل وترك المنطقة لتلك القوى صاحبة براءة اختراع هذا السلاح المستجد، مثل شقيقه (كوفيد19) الذي بدا بالانتشار بشكلٍّ غامض، وقد أدخل السلاح الجديد في الخدمة والتطبيق الفعلي السنة الماضية، وكانت ساحته التجريبية في المناطق المتنازع عليها بين بغداد وإقليم كوردستان وخاصة في سنجار وكركوك وسهل نينوى ومخمور وديالى وصلاح الدين، وحقق نجاحاً كبيراً في إدخال الرّعب بين مواطني تلك المناطق، بل ومنع مئات الآلاف منهم من العودة إلى بلداتهم وقراهم التي رحلهم منها في البداية نظام صدام حسين ليكمل خارطته من المحيط إلى الخليج تحت ظلال رسالته الخالدة، وحينما أسقطته أمريكا رجعوا إلى بيوتهم وبساتينهم في تلك المناطق، وما لبثوا إن أعادوا لها حركة الحياة التي لم تستمر طويلاً حيث فقست بيوض ذلك النظام الفاشي لتخرج (صواصي) داعش بلحى الحملة الوطنية الإيمانية سيئة الصيت، ولتستكمل البرنامج المعروف بالتغيير الديموغرافي والتعريب، مضافاً اليها هذه المرّة فكرة الأسلمة ووسائلها في الذبح والسبي والاستعباد كما شهدناها حينما استباحوا الموصل وسنجار وتلعفر وسهل نينوى، وأنفلوا مئات الآلاف من الإيزيدية الذين يعيشون اليوم في مخيمات النازحين منذ 2014 ولحد الآن.
السلاح الجديد تمّ تطويره ليشمل المختلفين عرقياً ودينياً ومذهبياً في مناطق سيطرت عليها قوّات الحشد الشعبي، التي تمّ تأسيسها بفتوى من مرجعية الشيعة العليا في العراق لغرض مكافحة داعش ودرء خطرها عن كربلاء والنجف والكاظمية وسامراء، لكنها هي الأخرى طوّرت نفسها فأصبحت بديلاً للمؤسسة العسكرية، واتسعت مهامها فامتدت إلى مناطق ساخنة حول كوردستان، وفي داخل سوريا لحماية المزارات الشيعية كما أعلنت العديد من فصائلها هناك، المهم هناك أصابع اتهام مباشرة للعديد من التشكيلات ومنها داعش ومن والاها من المستفيدين في سياسة التعريب آنفة الذكر، وأيضاً عناصر أولئك الذين استخدمتهم السلطات كأدوات لتغيير هويات البلدات والمدن والقرى في تخوم كوردستان الجنوبية والغربية والشرقية، أي في المناطق الكوردستانية خارج إدارة الإقليم، وبغياب قوّات البيشمركة أصبحت هذه المناطق مرتعاً لتلك العناصر والتنظيمات الإرهابية والميليشياوية التي تسببت في عدم عودة النازحين من أهاليها إلى بيوتهم وممتلكاتهم التي استبيحت من قبل تلك العناصر والمجموعات.
لقد استخدم السلاح الجديد بشكلٍّ واسعٍ هذه السنة، حيث امتد إلى محافظات عراقية أخرى، مما يؤكد أن نهجاً جديداً لتلك القوى المستخدمة لهذا السلاح وإن تعددت تسمياتها وعناوينها، نهج تمّ تطويره هو الآخر بإضافة نكهات دينية ومذهبية على أساسه العنصري أصلاً، وعلى شاكلة الحملة الإيمانية أيّام النظام السابق، ويبدو ومن البقع الجغرافية التي يتعرض لها هذا السلاح أن هدفاً مشتركاً وواضحاً من استخدامه، وهو إفراغ المنطقة من سكانها استكمالاً لعمليات التطهير العرقي سيئة الصيت، التي استخدمت في التغيير الديموغرافي للمدن والبلدات والقرى، ومنذ مطلع ستينيات القرن الماضي حيث وصلت ذروتها في نهاية السبعينيات، لتعاود ثانية وبذات النهج مضافاً إليه نعرات طائفية متطرفة بعد أحداث أكتوبر 2017م.
وهكذا يستبدل شعار النفط مقابل الغذاء ليكون حرق الغذاء مقابل الرحيل والتهجير!