رباح آل جعفر
كثيرة هي المفاجآت والمغامرات التي تعوّد عليها العراقيون في هذا الوطن الممتدّ من القهر إلى القهر ، ويحاصره الحزن من جميع الجهات بما يكفيه للتصدير إلى يوم القيامة .. مفاجآت ومغامرات وقصص وحكايات تصلح أن تكون موضوعاً لدراما مثيرة مشوّقة نادرة حافلة بالألوان .. قابلة للتكرار !.
انفرط عقد الغرماء ، وانقطعت الأسباب إلى التلاقي حدّ القطيعة ، وانقلبت التسويات وانقسمت ، وغابت الحلول الوسط ، وتبعثرت لغة العشق والوصال الجميلة التي كانت تنتظر من يقولها ، رغم أنها تعطي من طرف اللسان حلاوة ، ولم يعد الكلام يناسب مقتضى الحال ، أو من يندفع إلى الحدّ الأقصى من الوهم ليقول : إننا متوافقون !.
وفي هذا الطقس غير المعتدل ، والوطن غير المريح وغير السعيد ، والخوف من النفخ في رياح الفتنة واغتيال الوطن مرّة أخرى ، وفي وقت كان الأمل أن يشهد العراق مواكب بهجة وعرس ، شارعاً شارعاً .. بيتاً بيتاً .. حجراً حجراً ، احتفالاً بجلاء قوات الاحتلال ، إلا أننا انشغلنا وانشغل الرأي العام بقضية طلب رفع الحصانة عن نائب رئيس الوزراء صالح المطلك وبمذكرة القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بعد أن عرض التلفزيون الحكومي ما قال إنها اعترافات تثبت ضلوع الهاشمي في ارتكاب أعمال تهدّد أمن الوطن وسلامة مواطنيه !.
ومع إنني لن أناقش من بعيد ولا من قريب إن كانت هذه الاتهامات نزيهة وشريفة وتأتي لوجه الله والشعب والعدل والدم البريء المسفوح ، أو أنها أقحمت بأسماء في غير موضعها بهدف الإيقاع بالخصوم .. غير أن ما شغلني عدا عن هذا كله : لماذا جاءت هذه الاعترافات الخطيرة في هذا التوقيت بالذات ، وفي يوم انسحاب آخر جنود الاحتلال من معاقله ، برغم أن المتهمين أكدوا في اعترافاتهم إن ما ارتكبوه من جرائم مضت عليها حفنة من السنين ؟!.
ما السرّ إذن في هذا التوقيت الغريب المريب وفي هذا الجو الرماديّ المضطرب المكفهرّ .. ولماذا اكتشفوا الآن أن الإرهاب تسلّل إلى حجرات رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ، وأنه يتنقل بجوازات سفر كبار المسؤولين وفي حقائبهم رغم بنادق العساكر وأشعة ليزر وأنياب الكلاب البوليسية المُدرّبة التي لا يفوتها أن تتشمّم القمصان والشورتات ؟!.
طبعا يُسعدني كعراقيّ أن أرى أعلى هرم في السلطة يتساوى في بلدي مع أيّ مواطن بسيط أمام أحكام القانون ، عندما يتعلق الأمر باحترام القانون وأحكامه ، فلا تميّيز بين الراعي والرعيّة ، بين من يجلسون في الصفوف الخلفيّة ومن يجلسون في الواجهات الأماميّة .. يُسعدني أن أرى قانوناً لا يسمح لأحد بالغش والتزوير والاحتيال والسرقة وقذف المحصنات .. فكيف إذا كانت الجريمة أبشع من جريمة قتل ، والقتل مُدان في جميع الأحوال ؟!.
الآن .. وبينما المسائل تشابكت وتعقدت وشبح العودة إلى سنوات عصفت بالبلاد فتناً طائفية يؤرّقنا .. هل نقول وداعاً لكذبة كبيرة اسمها ( التوافق السياسي ) .. هل وصل الشركاء الغرماء من الأخوة الأعداء إلى نقطة اللا عودة وانصرفوا عند مفترق الطريق .. وإذا كان الأمر كذلك .. فما هي الاحتمالات .. ما هو البديل في مستقبل قاتم مجهول لا أحد يعرف ما يُخبّؤه من مفاجآت ومغامرات جديدة ؟!.
إنها محنة مفتوحة في البحث عن البراءة .. وما زلنا في انتظار ما لا يُنتظر .. في انتظار الجاني القادم ، أو الضحيّة التالية على قائمة تبدو مفتوحة !.