” ماذا قدمت الأحزاب الكردية ؟ ” الأحزاب فشلت في حل القضية الكردية في سوريا ” كل تاريخ الأحزاب الكردية السورية عبارة عن وعود فارغة لم تتحقق ، وانشقاقات ، وتضليل ” لا أحزاب اليسار ، ولا أحزاب اليمين قدمت شيئا للكرد ” ، هذا مانسمعه ، ونقرؤه بين حين وآخر من مصدرين مختلفين ، واحد من فئات متعلمة لم تكن يوما في الصف القومي ، والوطني ، ولم تقدم أية تضحيات من أجل خلاص الكرد ، وآخر من مثقفين كانوا ومازالوا ملتزمين بقضايا شعبهم ، وبعضهم شارك في النضالات الحزبية ثم ابتعد لاسبابه الخاصة .
بالرغم من الاختلاف النوعي في طبيعة مصدري هذا الخطاب الا ان القاسم المشترك بينهما هو : عدم الاعتماد على منهجية التحليل العلمي ، التاريخي ، واطلاق الاحكام القطعية دون تميز بين أحزاب تختلف في الفكر والرؤى والمواقف السياسية ، ووضعها جميعها بشكل قسري في سلة واحدة ، وجهل أو تجاهل تاريخ الحركة ، والمراحل التي مرت بها ، ومحطاتها البارزة المؤثرة في عملية التحولات الفكرية العميقة ، ومعاناة القسم الأكبر من مناضليها في ظل النظم والحكومات الشوفينية ، والمستبدة ، المتعاقبة على حكم البلاد ، والتركيز الأحادي على العامل الذاتي ، مع التجاهل التام للعامل الموضوعي الذي بقي عصيا على التبدل لمصلحة القضية الكردية السورية ومازال .
سأسمح لنفسي مناقشة المآخذ ، والاحكام المطلقة الشمولية الواردة بحق الأحزاب ، انطلاقا من تجربتي النضالية لأكثر من خمسة عقود في ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) الذي شاركت في إعادة بنائه ، وقيادته ، ومواكبة مدرسته فكريا ، وثقافيا ، وسياسيا ، والالتزام بنهجه ، والمساهمة بتحقيق منجزاته التي يتعامى البعض عن رؤيتها عن جهل أو سابق إصرار .
من حيث المبدأ تشكل الأحزاب بمختلف اتجاهاتها ، وادوارها الإيجابية منها والسلبية ، ، ودرجات إنجازاتها ، لصالح القضايا المطروحة في كل مجتمع على هذا الكوكب ، ماهي الا تعبيرات سياسية وثقافية لطبقات اجتماعية ، وفئات ، ومكونات قومية ، تظهر ، وتختفي ، في مراحل متعاقبة ، وماهي الا وسائل مرحلية ، تتبدل ، وتتجدد حسب الظروف المحيطة ، تخضع في النشأة ، والمسار ، والمآل ، للعوامل الذاتية ، والموضوعية ، وينطبق المبدأ هذا على الحالة الكردية السورية أيضا .
برامج وشعارات المرحلة الأولى من ظهور التنظيمات السياسية الكردية
كما أرى فان هذه المرحلة تبدأ من تاريخ ظهور الحزب المنظم الأول ( ١٩٥٧ ) مرورا بالتحولات العميقة في كونفرانس الخامس من آب ( ١٩٦٥ ) وتنتهي ببداية الالفية الثالثة ، وتتميز هذه المرحلة بالتركيز الشديد على تعريف الكرد ، والقضية الكردية السورية ، في أجواء بالغة التعقيد ، من جهة انكار للوجود من جانب النظام الحاكم رسميا ودستوريا ، ومصادرة للحقوق ، وامعان في تصفية ماهو موجود عبر تغيير التركيب الديموغرافي للمناطق الكردية ، وكذلك العمل على إزالة الشكوك من بين مفاهيم الأوساط السياسية المعارضة ، والشبه معارضة حول الوجود التاريخي للكرد كشعب اصيل من سكان سوريا .
في تجارب الشعوب المقهورة ، المهمشة ، تظهر وسائل مختلفة لاثبات الوجود منها من مارست العمل السياسي والمدني ، ومنها من اختارت طريق الانتفاضات والثورات المسلحة ، أو القيام باغتيالات فردية ، وبعضها اختار مثلا خطف الطائرات ، والاحتفاظ برهائن حتى يعلم العالم عبر وسائل الاعلام ان هناك شعوب محرومة تتعرض للاضطهاد والحرمان ، تطلب التدخل الدولي الإنساني ، وادراج قضاياه في الهيئات الدولية لايجاد الحلول الناجعة لها .
في حالتنا الكردية السورية المشخصة كان العمل السياسي – الإعلامي – الدعاوي – الحواري المنطلق ، والوسيلة لتصحيح الخطأ التاريخي المقصود في اعتبار سوريا أحادية القومية ، ودحض مزاعم نفي الوجود الكردي ، والتاكيد بالبراهين والقرائن على نسبته التي تفوق ال ١٥٪ ، ووجوده قبل ظهور سوريا كدولة مستقلة ، ومشاركته باحداث المنطقة ولكي لانذهب بعيدا وعلى الأقل منذ اكثر من ثمانية قرون في عهد الإمبراطورية الايوبية .
كان جزء كبيرا من دوافعنا في تأسيس رابطة كاوا للثقافة الكردية ، وترجمة ونشر الكتب باللغة العربية ، تحقيق اثبات الوجود التاريخي للكرد عموما بالمنطقة والكرد السورييون على وجه الخصوص امام النخب العربية والشركاء السوريين ، كما كان توجهنا المبكر في احياء الفولكلور الكردي ، وانشاء الفرق الفنية الغنائية في البلاد بظروف امنية صعبة من اجل اظهار اصالة الشعب الكردي وجذوره الممتدة عبر حقب التاريخ في مناطقه .
في كل علاقاتنا السياسية بمختلف دوائرها السورية ، والعربية ، والاممية كان تعريف الكرد السوريين يتصدر المشهد ، ويشكل المادة الرئيسية في النقاشات ، وكان دليل نجاح أي سياسي كردي سوري المامه بتاريخ شعبه ، واطلاعه على بنود الاتفاقيات ، والمعاهدات الدولية التي تناولت وضع الكرد السوريين منذ الإمبراطورية العثمانية ، مرورا باتفاقية سايكس – بيكو ، ومعاهدتي لوزان وسيفر ، والانتداب الفرنسي ، وانتهاء باستقلال الدولة السورية الراهنة ، التي أنكرت حكوماتها وانظمتها وجود الكرد وحقوقهم ، وأصدرت العديد من المراسيم والقرارت السرية والعلنية ، ووضعت المخططات لتهجير الكرد ، وحرمانهم من حقوق المواطنة ومن ابرز تلك المحاولات مخططا ( الإحصاء الاستثنائي بالجزيرة ، والحزام العربي ) .
خلاصة القول ان المرحلة تلك كانت كما ذكرنا من اجل اثبات الوجود ، وليست مرحلة انتزاع الحقوق التي كانت تحتاج الى شروط عديدة لم تكن متوفرة في المرحلة الأولى ، وهنا تبطل كل المآخذ ، والاتهامات التي تعير الحركة الكردية على ان احزابها فشلت في إيجاد الحل للقضية الكردية ، وكل ذلك التجاهل غير العادل للجهود الجبارة التي بذلت لاثبات الوجود التاريخي مع كل صعوباتها ، والامها ، ومعانات مناضلي تلك المرحلة جراء السجون ، والمعتقلات ، والملاحقات ، والمحاكم العسكرية ، ومحكمة امن الدولة العليا .
عندما كان يطلب منا تبيان مطالبنا فالى جانب الهدف الاستراتيجي بالاعتراف المبدئي بحق تقرير مصير شعبنا ، كنا نركز بالدرجة الأولى علي مسألتين الأولى بالاعتراف بوجود شعب كردي سوري من السكان الاصليين ، والثانية بادراج ذلك في الدستور السوري ، ولم يكن اختيارنا هذا الا تعبيرا عن واقع موضوعي ، ومفهوم سياسي بني على دروس مستقاة من تجارب شعبنا وحركتنا ، وخبرة مناضلينا ، واستنتاجنا الصحيح بانه لن يتحقق الحل العادل النهائي للقضية الكردية السورية الا بتوفر الشروط الثلاثة التالية : ١ – الاجماع الكردي ٢ – التوافق الوطني ٣ – النظام الديموقراطي ، والشروط الثلاثة ليست متوفرة الان .
نقاش هادئ في مسألة ساخنة
اترك تعليقا