“موت الشبيه”
.
بعد وفاة صديقي الروائي محمد الحمراني في 26 تشرين الثاني 2007 إثر عملية جراحية فاشلة، قضيت فترة طويلة أعاني من فجيعة فقدانه المفاجئ وغير المتوقّع. بل كان يحضر في أحلامي بين حين وآخر، وكأن رفضي لرحيله غير المنطقي تحوّل الى استدعاء غير واعٍ في الحلم.
ظل طيف الحمراني حاضراً معي، لأن ذاكرتنا المشتركة صارت معلّقة على حامل واحد هو أنا. حتى إني بثثت شيئاً منه ومن ملامحه الخارجية وطموحه ومن اسمه في شخصية “محمود السوادي” في رواية “فرانكشتاين في بغداد”.
.
كان الحمراني شبيهاً بي وكنت شبيهاً به، كنّا متداخلين في هذا الشبه الآتي من انشغالات واهتمامات مشتركة ودور ووظيفة ورؤية وتصوّر متشابه واطلالة من نوافذ متجاورة على العالم.
موت الشبيه هو موتٌ مضاعف، يشبه عملية موتٍ بديلة لذاتك، يتم تنفيذها في مكان وفي بدن آخر.
إننا نخسر بموت الأشباه أجزاءً منّا. ونشعر بقرب الموت الشديد، وكأن يده الضخمة المرعبة دخلت الى مخبأنا المعتم، مخبأ الأشباه، وظلت تتحسّس رؤوسنا واحداً تلو الآخر، حتى اختارت بشكل عشوائي واحداً منه لتأخذه.
بموت الشبيه نحن نشعر بالهواء يتحرّك بجوار أنفاسنا من ضربة الموت الخاطفة. لقد مسّ الموت جلودنا العارية قبل أن يقتلع شبيهنا من بيننا.
.
قبل سنتين من موت محمد الحمراني، اختطف الإرهاب صديقنا الشاعر أحمد آدم في “مثلث الموت” خلال عودته الى مدينته كربلاء. ثم كرّت حبّات مسبحة الموت لتختطف الأصدقاء تباعاً. ومثّل اغتيال هادي المهدي لحظة صدمة كبيرة، بسبب طريقة الموت البشعة.
[أيضاً كان هادي المهدي حاضراً في مكونات شخصية “علي ناجي” في رواية “باب الطباشير”.. فهو مقدم برنامج اذاعي يشتم الساسة، وتم اغتياله بكاتم صوت].
.
موت قاسم محمد عباس، الذي كان من نتائج غرقه في شعور عدمي طاحن، هو موت لشبيهٍ آخر، وتحميل لعبء ذاكرة مشتركة أخرى على حامل واحد، هو أنا.
.
منذ أيام وأنا أنسحق تحت مطحنة الذاكرة المليئة بصور الأشباه الراحلين، وكل ذلك بسبب موت هشام الهاشمي. فبالرغم من أننا لسنا أصدقاء مقرّبين، ولكنه صديق مشترك لكل أصدقائي، وجمعتنا سوّية العديد من المناسبات، وتجاذبنا الكلام في مختلف القضايا. ولدينا تصورات متشابهة حول مسائل كثيرة. كما إنه من مواليدي. يكبرني ربما بخمسة أشهر، وأولاده يقاربون بالعمر لأولادي.
.
بكيت لثلاث مرّات منذ سماعي بنبأ اغتياله البشع حتى قبل ساعات من كتابتي لهذا المنشور. ليس فقط لأن هشام شبيه آخر من أشباهي، وإنما لأن سيناريو اغتياله كان يرافقني على مدى سنوات، وخلال السنة الماضية كان حاضراً بقوّة. كنت أتوقع ذات الميتة في أية لحظة.
رأيت بفديو كاميرا المراقبة موتي وهو يتجسّد في الشبيه. تنزل يد الموت الضخمة في عتمة حياتنا وتتحسّس رؤوسنا واحداً تلو الآخر، تلمس رأسي لبرهة ثم تعبر الى رأس هشام لتختطفه.
.
كم علينا أن نموت في هذه الحياة لنحيا؟!
الخلود والذكر العطر لسيرتك صديقي هشام، والعزاء لأهلك وأولادك وأصحابك.. الى رحمة الله
مع السلامة أيها الشبيه.
.
أحمد سعداوي