بين قتل المتظاهرين واغتيال الهاشمي
سمير عادل
ان (الإنسان هو أثمن رأسمال)، هذا ما تعلمناه من ماركس، إذ أن خلود هذه المقولة يعد أساساً لفلسفتنا ومنظومتنا الفكرية والسياسية والنضالية. وعليه فإننا في الحزب الشيوعي العمالي العراقي ندين بأشد العبارات اغتيال المحلل السياسي هشام الهاشمي كما عبرنا عنه من قبل، وبغض النظر عن الجانب السياسي الذي كان يقف عنده، او معتقداته وافكاره وتوجهاته.
إن اغتيال الهاشمي من قبل المليشيات المؤيدة للجمهورية الاسلامية في ايران ليس الهدف منه سياسة قمع حرية الراي أو الفكر او التعبير، وإنما يعد كتحصيل حاصل، حيث لا يرتبط بقمع الحريات إلا من الظاهر فقط، إنما كان وراء عملية الاغتيال، ارسال رسالة سياسية للكاظمي بأنه امام خيارين؛ اما الفوضى والعودة الى سيناريوهات انتفاضة اكتوبر وهي تنظيم سلسلة من عمليات التصفيات الجسدية واشاعة الفوضى الأمنية والاختطاف بحق المتظاهرين كما هدد بذلك قيس الخزعلي زعيم مليشيات عصائب الحق، أو القبول والرضوخ للواقع بأن المليشيات التي يريد إعلان الحرب عليها، هي مليشيات قائمة بذاتها، وعليه أن لا يمس مصادر تمويلها ولا يسعى لتقويض النفوذ الايراني في العراق على الصعيد السياسي والاقتصادي والذي يقف خلف تلك المليشيات تحت عناوين المقاومة والممانعة. فكما قلنا ان الهاشمي دفع حياته ثمن للصراع الدائر بين النفوذ الايراني والامريكي في العراق.
ان الهاشمي لم يكن أكثر من هدف من الأهداف الرخوة* التي من السهل استهدافها من قبل تلك المليشيات، فهو لم ينتهك المقدسات في تحليلاته السياسية ولم يكون ضد التيار بالمعنى الواسع والمطلق للكلمة، انه محلل سياسي عادي، قد يكون تفوق في احدى تحليلاته السياسية او كتاباته على زملائه الاخرين من الذين يخفون مواقفهم ايضا او الاطراف التي ينتمون اليها تحت عناوين (المحلل السياسي) مثل احمد الابيض ويحيى الكبيسي ونجم القصاب… الخ، ولكن هذا لا يضعه ابدا في مصاف الخارقين للخطوط الحمراء التي ترسمها جميع أطراف العملية السياسية بميليشياتها وأدواتها من قتلة وأقلام مأجورة واعلام مدفوع الثمن. صحيح أن الهاشمي كان قريبا من حكومة الكاظمي ومن دائرة القرار السياسي الموالي للنفوذ الامريكي في العراق اسوة بغيره من المستشارين والموظفين. الا ان عملية إغتياله جاء على خلفية واحدة من الاهداف الرخوة كما أشرنا أولا، وثانيا هي محاولة لاسترداد المبادرة من قبل (مليشيات الدولة) إن صح التعبير، بعد امتصاص الضربة الاستباقية للكاظمي واحتوائها عندما اعتقل (14) من عناصر المليشيات وتحت ضغوط الاخيرة أطلق سراحهم. إن هذا الجانب التحليلي مهم لأنه يحصننا من الوقوع في كمائن الأوهام وحقيقة الصراع الدائر، وعدم السقوط صرعى ضحية القصف الاعلامي للأطراف المتنافسة على السلطة، وبالتالي يمكننا من عدم الانجرار وراء اي طرف في هذه المعركة. بعبارة اخرى ان الهاشمي لم يكن صوت الحرية المدوي في العراق، لم يكن صوت المساواة الجهوري، لم يكن صوت العاطلين عن العمل الذي شكلوا العمود الفقري لانتفاضة اكتوبر، لم يكن صوت عمال العقود ولا الاجور، لم يكن صوت المرأة في انتفاضة أكتوبر التي مزقت كل ما نسجته القوى الاسلامية لتخليد عبودية المرأة طوال كل هذه الفترة، أنه لم يكن اكثر من صوت معادي في رؤيته السياسية التحليلية للمليشيات والنفوذ الايراني اسوة بالملايين من الاصوات التي خرجت ومزقت صور خامنئي والخميني وحرقت مقرات الاحزاب الاسلامية، كان صوته عاديا لم يتجاوز إطار التحليلات السياسية ولم تصل حتى الى اطار المواقف السياسية على الصعيد العلني على الأقل. بيد ان الطبول الاعلامية التي دقت وما زالت تدق والقصف الاعلامي المتواصل حول اغتيال الهاشمي، تفوق بأضعاف المرات على صعيد المساحة وعلى صعيد التنوع في جميع وسائل الإعلام على قتل أكثر من ٧٠٠ متظاهر بدم بارد لم يطلبوا أكثر من خبز وكرامة. هذه الطبول الاعلامية اعطت مكانة لهشام الهاشمي غير واقعية، وقد نسجت حولها هالة عاطفية واخلاقية، لتحقيق أهداف وسياسات محددة ومخططة لها، تشبه بالتزمير الإعلامي الذي نفخ لعبد الوهاب الساعدي عندما أقيل من جهاز مكافحة الارهاب من قبل عادل عبد المهدي وصورته في حينه بطلا قوميا أسوة بأبطال حروب قادسية صدام.
وأكثر من هذا فأن الكاظمي الذي رفع شعار الكشف عن قتلة المتظاهرين عندما تولى منصبه كرئيس للوزراء، ولكن لم نسمع ولم نرى أنه قام بزيارة لأحد بيوت المتظاهرين الذين قتلتهم نفس الجهة التي قتلت الهاشمي، ولم نسمع انه التقى بذويهم، وهنا يطرح سؤال هل لان هذا الرقم ٧٠٠ من المتظاهرين لا يساوي شيئا مقارنة بهشام الهاشمي الذي زار بيته الكاظمي والتقى بأسرته؟ طبعا نحن لا نريد ان ندخل في هذه المقارنة، لأن حياة البشر في عقيدتنا لا تقاس بالأرقام والاعداد، فالإنسان هو انسان، ولكن عندما تقتل كل هذه الاعداد، بينما يراهن الكاظمي وقتلة المتظاهرين من المليشيات على ذاكرة الجماهير كي يحولها الزمن الى ذاكرة السمكة، وتنسى ما حل بها، في حين أطلق تصريحات نارية ضد قتلة الهاشمي، فيجب التوقف عندها والتحدث بصوت عالي وتعرية وفضح كل السياسات التي قتلت صوت الحرية والمساواة وعالم افضل.
ان حصر اغتيال الهاشمي واختزاله الى قضية حصر السلاح بيد الدولة، والترويج لها من قبل ابواق حكومة الكاظمي ليس الا محاولة جهنمية في طمس الصراع بين النفوذ الايراني والامريكي في العراق وعملية حسم السلطة السياسية، والذي يعني بالتحليل الاخير الاستخفاف بعقول البشر في العراق. وإذا كان هذا هو جوهر القضية، فالسؤال المطروح من الذي قتل ٧٠٠ متظاهر بين القناصة وعمليات الاغتيال وجرح أكثر من ٢٠ ألف منهم. اوليس الكاظمي نفسه الذي شغل منصب مدير المخابرات قبل ترأسه لمجلس الوزراء، انه على علم بأن السلاح المستخدم في عمليات القنص والاغتيالات كان سلاح “الدولة”. وإذا لم يكن سلاح “الدولة”، لماذا لم تقلب الدنيا حول قتل المئات من الشباب بعمر الزهور من قبل وسائل الإعلام والمسؤولين في السفارة الامريكية والبريطانية والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة…الخ. لماذا لم تتجاوز جميع مواقفهم حدود (القلق). لماذا لم نسمع من أولئك بأنهم سيحمون المتظاهرين وأن حياتهم غالية ويجب التدخل المباشر عبر المؤسسات الدولية لحماية المتظاهرين. الا ان اليوم نسمع من نفس اولئك حول عملية اغتيال الهاشمي من تعالي أصواتهم وإعلان تضامنهم وتقديم كل الدعم بما فيها العسكري لضرب المليشيات. او ليس نفس المليشيات التي قتلت الهاشمي هي نفسها قتلت المتظاهرين؟!!
إن ما نريد أن نبينه في المطاف الاخير ان تعظيم الهاشمي بهذا الشكل سواء تكريمه او تسمية شارع باسمه هو بمثابة قميص عثمان، هي سياسة تقوم بها الاطراف المنافسة للنفوذ الايراني في العراق وتريدها ذريعة لتحشيد راي العام وتعبئة المجتمع المحلي والدولي لضرب النفوذ الايراني في العراق والمنطقة التي يمثلها هذه المليشيات.
إن اغتيال الهاشمي هو استمرار لسياسة قتل المتظاهرين، سياسة تجويع الجماهير، سياسة تحقير الانسان، سياسة الدوس على حياة البشر، ويجب تعبئة الراي العام لتقديم قتلة الجميع وليس الهاشمي وحده إذا أردنا ان نحقق الامن والامان والحرية لجماهير العراق، إذا أردنا أن نضع حدا للاستهتار الفاضح بحياة الانسان، وعلينا أن نضغط من أجل الكشف عن الاطراف التي تقف وراء تلك الاغتيالات وبشكل علني، واخيرا نؤكد من جديد على رفع شعار حل المليشيات وتحت أية عناوين كانت وتعبئة الجماهير حولها. انها الخطوة الاولى بالتقدم نحو ارساء الأمن والأمان والحرية في العراق وبعدم تكرار اغتيال المتظاهرين او اغتيال هشام هاشمي اخر.
* مصطلح استخدمته الادارة الامريكية لتمويه وطمس حقيقة قصف المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة والمياه في نيكاراغوا ابان الثمانينات من القرن الماضي من قبل مرتزقة سي اي اي المسمى بـ ثوار الكونترا في صراعها مع اليسار القومي الذي سيطر على السلطة بزعامة اورتيغا.