( ملامح التجديــــــد في الشــــعـرالعـــــــــــربي ) – القسم الاول
.
بقلم : د . فالح الكيـــــلاني
.
هي رؤى التجديد في الشعر او نظرية التغيير في أصول الشعر مع المحافظة على المنهجية الشعرية باضافة تطوراتٍ تجديدية او مستحدثة في بنيته او شكليته او صوره الشعرية اواسلوبه او معانيه او أي امور غير مستخدمة فيه من قبل ,أي انه التغيير الكلي في البنى المعروفة في القصيدة الشعرية،اوالتحولات الحادثة او الهادفة الى تغيير المسارات المعتادة في صياغة القصيدة الشعرية عما كانت عليه من خلال ايجاد سبل وطرائق جديدة من حيث الصياغة والتفكيراوالخيالية اوالتصورية اوالتغيير في شكلية الكتابة على ان تبقى هذه الامور في ظل سياق القواعد العامة للغة العربية وديمومتها .
ملامح التجديد في الشـــعـرالجاهـــــلي
.
ومما لاشك فيه كان الشعر في الجاهلية هو الفن الوحيد – او يكاد يكون كذلك – الذي اجتمعت فيه ثقافة العرب وفيه تنامت ثقافتهم وعبقريتهم من خلاله ، وكان هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة بين القبائل، ينشر أمجادها ويُشيد بأحسابها وانسابها ويسجّل للأجيال ايامهم ومفاخرهم ، بحيث اضحت موضوعاته مرآة لحياتهم البدوية والحضرية التي عاشوها ، فكانت تقليديّة يتناولها جميع الشعراء على نفس النسق والأسلوب .
الشاعر العربي في الجاهلية يتميز بمكانته العالية المرموقة في قومه وعند قبيلته او القبائل الاخرى تبعا لقوة شاعريته واشتهارها بين القبائل فكما كان يقال فلان فارس القبيلة الفلانية كان يقال فلان شاعرها واذا نبغ في القبيلة شاعر او ابدع في القصيد كان ذلك مدعاة للفرح والابتهاج به واقامة الحفلات والتكريم له فيما تتقدم القبائل الاخرى للتهنئة لقبيلته وذلك لان الشاعر بمثابة الفارس المدافع عن هذه القبيلة او اقوى مكانة فهو حا مي الاعراض والذمار ولسان حال قومه والذي يتكلم عنهم في المجتمعات والوفود وفي المناظرات والمواسم والاسواق و كان ذلك مدعاة لظهور اسواق الشعر والادب والكلام مثل سوق عكاظ وسوق المربد فهما خير شاهد على ذلك والشاعر مقوي عزائم قومه وشادّهم في الحرب اليها وناقل الاخبار ويمكن القول بان الشاعر في الجاهلية بمثابة الصحيفة هذا اليوم تنشر كل خبر يقع وتنتصر لمؤسسها ومنهجيته ووجهة نظره ومن تأسست لاجله او لمحررها او جماعتها والعاملين معه وتعبرعن ارائهم واحوالهم ووجهات نظر كل منهم او لحزبها وما يرنو اليه .
والشعرالجاهلي الواصل الينا شعر ذو قوة وصلابة وخيال واسع وبلاغة عفوية ونغمات شعرية متناسقة كامل البناء اللغوي . واللغة العربية تمتاز بقواعدها وبلاغتها مما يثبت ويدلل على انها وصلت الينا متكاملة في كل وجوهها تطفح بالنضج والاستواء والتكامل وقد حددت فترة تكاملها ونضوجها بفترة زمنية تقدر بماءتي سنة ويؤيد قولي هذا الشعرالذي قيل فيها ووصل الينا بقوته وبلاغته وتصويره وشاعريته البليغة وقد حدد مؤرخو الادب العربي واخص الشعر انه قيل فيها في فترة زمنية تقدر بقرن ونصف او لا تتجاوز القرنين في كل الاحوال وهذ ه الفترة هي التي شهدت تكامل اللغة العربية وفيها نضج الشعر واستوى على سوقه، وقال الجاحظ عمرو بن عثمان :
(فإذا استظهرنا الشعر وجدنا له، إلى أن جاء بالإسلام خمسين ومائة عام )
****
وسُميَّ هذا العصر بالعصر الجاهلي لما شاع فيه من الجهل والامية في الاغلب كما جاء في القرآن الكريم الذي يمثل دستور الاسلام الدين الجديد وروحه فكلمة الإسلام تدلّ على الخضوع والاستسلام لله تعالى وحده وربما كانت الجاهلية ليست مشتقة من الجهل الذي هو خلاف المعرفة و العلم، حيث علمنا ان العرب عرفوا في جاهليتهم كثير العلوم الفلكية ومواقع النجوم بما فيها الاهتداء بها والطبية وعرفوا ايضا اقتفاء الأثر والادب والشعر والخطابة وكثير غيرها ..
وكانت وحدة القبيلة هي المرتكز الاساسي في العصر الجاهلي، وكل قبيلة تشكل وحدة انتمائية تشبه الدولة في الوقت الحاضر، لها حدودها الاعتبارية وقوتها الذاتية وسعتها على الارض ، وكان الشاعر يمثل الجهة الإعلامية التي تنقل مفاخرها وتصور امكاناتها ومقدراتها الحربية والفكرية للآخرين، فالعرب كانوا يهتمون بالشاعر اهتمامهم بالفارس المغوارفهذا يذب عن حياض القبيلة بشجاعته وامكاناته القتالية وذاك يذب عن حياضها بشاعريته وقوله وخاصة اذا ما علمنا ان الشعر كان سلاحا رائجا وقويا في ذلك الوقت، وتهتم تبعًا لذلك بالشاعر الذي يعبر عن أمجاد القبيلة ويصور مفاخرها، ويستطيع محو وطمس سوءاتها بقدرته الشعرية .
ولعل في قصة الشاعر من بني أنف الناقة الذين كانوا يتوارون خجلاً من اسم قبيلتهم، ومروا بظرف مخجل حتى العصر الأموي فجاءهم الشاعر الأموي ( الحطيئة) وقال فيهم قصيدته المشهورة التي مطلعها :
طافت أُمامة ُ بالرُكبان آوِنَة ً يا حسنهُ مِن قوام ما ومُنتقبا
ومنها هذه الابيات :
سيري أُمامَ فإنَّ الأكثرين حصَى ً و الأَكْرَمين إذا ما يُنْسَبُونَ أبـــا
قومٌ همُ الأنفُ والأذاب غيرهمُ و منْ يسوِّي بأنف الناقة ِ الذّنبا
قَوْمٌ إذا عَقَدوا عَقْداً لِجَارِهِمُ شَدُّوا العِناجَ وشَدُّوا فوقه الكَرَبا
أَبلِغْ سَرَاة َ بني سعدٍ مغلغلة ً جهدَ الرِّســــــالة ِ لا ألتاً ولا كذبا
ما كان ذَنْبُ بَغِيضٍ لا أَبَا لَكُمُ في بائسٍ جاء يحدو أَيْنُقاً شُسُبَا
حَطَّتْ به من بلاد الطَّوْدِ عارية ٌ حَصَّاءُ لم تَتَّرِكْ دون العَصَا شَذَبا
ماكان ذَنْبُكَ في جارٍ جَعَلْتَ له عيشاً وقد كان ذاق الموت أو كربا
جارٍ أبيتَ لعوفٍ أن يُسبَّ به أَلْقَاهُ قَوْمٌ جُفَاة ٌ ضَيَّعُوا الحَسَـــبَا
أَخْرَجْتَ جارَهُمُ من قَعْرِ مُظْلِمَة ٍ لَو لم تُغِثْهُ ثَوَى في قَعْرِهَا حِقَبا
فأصبحوا بعد ذلك يسيرون في الناس وهم رافعوا رؤوسهم بقبيلتهم واسمها، فكانت هذه الامور تؤكد قدرات الشعر الخارقة في الانتصار وقلب الموازين اللغوية والعرفية والاجتماعية لصالح الهدف، بحيث يلتقى ذلك مع حب العربي للشعر والبيان.
فالشعر العربي انبعاث لحالة القبيلة العربية في العمل الشعري الجاهلي، وتؤكد أنها كانت المحرك الأساس للشعر الجاهلي في مجتمع سادت فيه القبلية. ولو تتبعنا الشعر الجاهلي نجده ينهل من هذا الأفق القبلي الواسع فأغلب قصائد المعلقات في العصر الجاهلي نجد فيها اغلب المسارات الشعرية الوجدانية تتوارى وراء الافتخار بالقبيلة وتكتسب الصدارة في كل فنونها الشعرية لاحظ قول الشاعر عمرو بن كلثوم يقول مفتخرا بقبيلته ويفخر برجالها وعزمهم وشدتهم :
إذا بلغ الفطام لنــــــــا صبي
تخر له الجبابر ســـــــــاجدينا
واهم ما يميز الشعر العربي أنه قد التزم بالوزن والقافية، في مجمل أنماطه، وفي مختلف أجياله فأن أبرز ما يفرق الشعر العربي ي العصرالجاهلي والعصور التالية له عن النثر هو الوزن والقافية والتصور الشعري وما عدا ذلك فهي عناصر مشتركة بين الشعر والنثر:
كان للشعر العربي دور بارز في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، وهو يتطور حسب تطور الشعوب العربية وحسب علاقاتها بالشعوب الأخرى المجاورة لها مثل الفرس والروم التي كانت لها حضارات قائمة . وبرزت في الشعر فنون جديدة متطورة، من حيث الشكل او المضمون، ومن حيث الأسلوب واللغة، ومن حيث الأوزان والقوافي..
.
عندما جاء الاسلام اعتبر الامة العربية او العرب الذين يسكنون الجزيرة العربية( امة جاهلية ) للتفريق بينها بين الامم الاخرى المحيطة بها مثل الهندية و الفارسية والروما نية واليونانية وما اليها وما كانت عليه من حضارة عالية وادب رفيع .فاطلق القرا ن الكريم اسم ( الجاهلية ) على كل العرب الذين يسكنون الجزيرة العربية قبل الاسلام وعلى غير المسلمين ممن عاشوا فيها في زمن قبل الاسلام او في صدر الاسلام لكنهم لم يؤمنوا بالاسلام وظلوا على جاهليتهم .
*
وقد وصف القران الكريم الجاهلية في بعض الايات في سوره المباركة منها :
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِنْكُمْ ۖ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ ۖ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا ۗ قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ ۖ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ*)
سورة ال عمران الاية154
(اَفَحُكْمَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍۢ يوقنون *)
سورة المائدة الاية 50
(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ *)
سورة الاحزاب الاية 33
فالجاهلية اسم أطلقه (القرآن الكريم ) على العصور التي سبقت مجيء الإسلام وهذه الفترة هي التي شهدت تكامل اللغة العربية بعد ان كانت لهجات العربية لهجات متعدد ة ومختلفة تقريبا وكل قبيلة تختلف لهجتها عن الاخرى لكنها قريبة منها حيث تجمعت كل هذه اللهجات في لغة واحدة فكانت لغة (قريش ) هي التي نزل فيها القران الكريم فكانت اساسا للغة العربية .
*
وسُميَّ هذا العصر الذي سبق الاسلام (العصر الجاهلي ) لما شاع فيه من الجهل ويعنى السَّفه والغضب وادت الى اشتعال نار الحروب بين القبائل مع بعضها الاخر لسنوات طويلة ولم تكن كلمة (الجاهلية ) مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم، ذلك لأن العرب كان بينهم من يقرأ ويكتب وعرفوا بعض العلوم كالفلك والطب والادب والشعر واقتفاء الأثر. وكانت لهم حضارة وعلوم في مناطق سكناهم في الجزيرة العربية وخاصة في الحجاز واليمن واليمامة والبحرين وارض السواد كالحيرة وتدمر ومناطق اخرى .
وسمى القران الكريم العرب بالاميين اذ قال الله تعالى :
) هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين *)
سورة الجمعة الاية 2
والامية في العرب كانت متفشية. فاغلب العرب كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة الا قليل منهم . لذا قيل فيهم( اميون ) نسبة للاغلبية الساحقة . فالله تعالى بعث في هذه الامة الامية رسولا منهم وهو النبي محمد صلى الله عليه وسلم اي عربي وهو امي ايضا قال تعالى :
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * ل يا ايها الناس اني رسول الله اليكم جميعا الذي له ملك السموات والارض لا اله الا هو يحيي ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الامي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون )
سورة الاعراف – الايتان 157 و158
اذ اختاره الله من افضل القبائل العربية محتدا وا صلا ومن شأفتها فكان من قريش ومن افضل العوائل فيها ( بني هاشم ) ويرجع بنسبه الى نبي الله اسماعيل بن ابي الانبياء ابراهيم الخليل صلوات الله عليهم وسلامه .
راجع كتابي ( شذرات من السيرة النبوية المعطرة )
وهذه الامية ذكرت في القران الكريم بعدة ايات مباركات تبين ان العرب امة امية وان النبي محمد صلى الله عليه وسلم امي ايضا وتعني عدم معرفة الكتابة وليس شيء اخر . بدليل النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه كان قارئا للقران الكريم ويعلمهم الكتاب والحكمة الا انه يجهل الكتابة .
.
يتبــــــــــــــــــــــــــع
.
اميرالبيـــــــــــــــــــــان العربي
د . فالح نصيف الحجية الكيــــلاني
العراق – دالى – بلــــــــد روز