مستقبل الكورد ما بعد مرحلة داعش
كثر الحديث عن مرحلة ما بعد داعش من خبراء ومحللين مختصين وصحف نقلت تسريبات عن الحكومة الامريكية . وبغض النظر عن صحتها او صحة التأويلات الواردة فيها فإن داعش في طور الاحتضار الذي يسبق الموت ، على الاقل في تشكيله الحالي – وليس الفكري لأن الحرب الفكرية تدوم طويلاً – ولكونه تنظيم ارهابي لابد له ان ينتهي بعد ان اوشكت مهمته على الانتهاء .
لم يعد خافياً ان داعش وهي الجيل الذي خلفته القاعدة ، دخل الى العراق لمناصرة السنة من اجل أن يحقق التوازن في كفتيّ الميزان اللتين احدثت فيهما الخلل السياسات الاقصائية التي مارستها الحكومة العراقية .
ولم يعد يخفى ايضاً تطابق المصالح بين جهات رأت نفسها مظلومة في المعادلة لتدخل في عقد وئام مع داعش بغض النظر عن عقائديته والطرفان هما حزب البعث المنحل وقسم من العشائر العربية السنية ، فتعددت أهدافه وتوسعت قاعدته طبقاً للمصالح المشتركة .
أما كوردستان فإنها لم تكن بمأمن من هذا التنظيم الشرس ، كون عقائدية التنظيم جعلته يتوجه نحو الأقليات في محاولة لطمس هويتها فهاجمت سنجار وأحدثت إبادة بحق الكورد الايزيديين وتم تهجير المسيحيين والشبك والتركمان الشيعة ، ليتخذ هذا التنظيم من حربه غطاء دينياً ومذهبياً في الوقت الذي كان يستهدف المشروع القومي الكوردي أساساً وبتحريض من جهات كانت تتربص بالكورد ومنجزاتهم . فدخلت قوات البيشمركه في حرب ضارية مع التنظيم الإرهابي وماتزال تحارب بكل بسالة حتى أنها أصبحت مضرب الأمثال في بقاع المعمورة . والسؤال الذي يفرض نفسه في كل مرة هو : ماذا بعد داعش ؟ وما مصير كوردستان في مرحلة مابعد داعش ؟
أغلب المؤشرات تشير الى أن كل ماحدث سيؤدي بالعراق الى طريق لاعودة منه وهو التقسيم اللامركزي الى ثلاثة أقاليم وكان قد أطلق سهم هذا المشروع جو بايدن كجزء من الحل بعد أن أشتد وتر الطائفية في العراق . أما الكورد فمختلفون قومياً وحضارياً ولهم خصوصيتهم اللغوية والتراثية ، بالرغم من كل المحاولات التي قامت بها الدول التي تشكل كوردستان جزاءاً منها في طمس الثقافة والحضارة الكوردية لتحل محلها حضارات وثقافات تلك الدول الحاضنة لأجزاء كوردستان التي تعرضت للتقسيم قبل اكثر من مئة عام ، ولمصالح استعمارية أدت بهذا الشعب أن يتناثر في أربعة أجزاء يصعب أن تجتمع على الاقل خلال العشر سنوات القادمة اذا أردنا للحديث أن يكون خطة عشرية .
لنركز إذن على الجزء الذي نال جزءا من إستقلاليته مابعد ١٩٩١ وهو كردستان العراق ، الذي أثبتت التجربة الحية خلال الخمس وعشرين سنة الماضية ، بأنه يمتلك مقومات دولة ، وأنه بات من حقه أن يحقق حلمه الذي طالما راود شعبه بأن تكون له قطعة جغرافية تضم كيانه الكوردي .
لقد صرح سيادة الرئيس مسعود البارزاني بأنه قد آن الاوان لإجراء إستفتاء يسبق مرحلة الاستقلال بعد أن حقق الكورد تمثيلاً دبلوماسياً دولياً ناجحاً ، ولكن جهات داخل كردستان كانت تعارض حتى مشروع الاستفتاء بسبب إنجرارهم وراء أجندة إقليمية لم تكن تريد للكورد يوماً أن يكون لهم إستقلالهم ورفاهيتهم وحرمتهم طوال القرون الماضية من تحقيق حلمهم الوحيد . كما أنه قد تعذر عليهم ربما فهم خطاب سيادة الرئيس مسعود البارزاني الذي ألقاه بمناسبة مرور مائة عام على إتفاقية سايكس بيكو . إن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد نضج على بخار المعاناة والالم . و سيادة الرئيس مسعود البارزاني له من الحنكة السياسية والحكمة مايجعله قادراً على معرفة أن : قطف الثمرة قبل نضوجها غير مجدٍ لذا قال إما أن نكون شركاء حقيقيون أو جيراناً -وهذا يعني مايعنيه – بأنه لم يغلق باباً ويفتح اخر بل أنه قد فتح البابين على مصراعيهما . وفتحُ كل بابٍ يعتمد على الظروف الاقليمية والدولية والتي حين تكون مؤاتية فهذا يعني أن الاستقلال قد أصبح يقينا ًثابتاً ولم يعد مجرد حلم فقط.