حيدر حسين سويري
يتبجح البعض بأن ما فات من زمان على العراقيين أبان حكومة الدكتاتور الهدام كان جميلاً، حتى غدو يدعونهُ بـ(الزمن الجميل)! أما نحنُ فلا نرى فيهِ أية لمسةٍ لجمال، إنما كان زمن قحط وكرب وبلاء، شواهدهُ مازالت واقعاً نعيشهُ ونكتشف منهُ مآسي جُدد.
كنتُ أتصفح الكتب في شارع المتنبي كالعادة، فوقعت عيني على رواية(مأوى الثُعبان) للروائي العراقي(حميد المختار) الذي نال منه(الزمن الجميل) ثمان سنوات قضاها في سجن(أبو غريب)، بسبب قلمهِ ونصرتهِ لشعبه؛ أشتريت الرواية وطفقتِ أخصف أوراقها، فإذا هي تنقل لي جانباً مهماً من مآسي(الزمن القبيح)، نعم… إنهُ أكثر من قبيحٍ ومقرف، بل توصلك الرواية إلى الأشمئزاز منهُ ومن شخصياته التي توارثت القذارة والدنائنة أباً عن جد… فقد بدأ الكاتب روايتهُ بكتابة “بعد هذا البلاء العظيم أي طقوس من الكلمات يمكن أن ترمم الخراب؟ _ سيلفيا بلاث _. وبالفعل هذا ما حصل في الزمن القبيح.
لقد إستطاع الكاتب أن يجعل هذا الأحساس يخترق شعور القارئ، حتى كأن القارئ يستغرب بعض أحداث الرواية وشخصياتها، خصوصاً إذا كان ممن لم يُعاصروا ذلك الزمن القبييح، فـ(طيرو) وأبنهُ(جسام) أبطال الرواية، كانا مثالاً لقذارة الجهاز القمعي(البعث والأجزة الأمنية) وبطشه، فهم يعتدون على كُل مواطن، فلا ينجو جار منهم ولا أقاربَ، حتى أهل بيتهم لم ينجووا من قذارتهم، فهم بلا مبادئ ولا قيم سوى طاعة صنمهم الأعلى وقائدهم الضرورة المُفدى…
أنا لستُ ناقداً أدبياً متخصصاً، لكني أكتب اليوم عن هذه الرواية ومجريات أحداثها، كقارئ أولاً وكاتب قاص ثانياً، ولذلك فأنا أنقل ما أحدثتهُ الرواية معي كقارئ محترف فقط وليس ناقداً، لذلك سوف أنتقل إلى نهاية الرواية وترك متعة القراءة للقراء الكرام.
يختم الكاتب روايتهُ بهذه الكلمات: “لذلك أطلب من قارئ هذه الرواية أن يخفيها بعيداً عن العيون المسعورة لأزلام جسام طيرو المرعوبين وليكن على حذر دائماً، إقرأ الرواية ثم تخلص منها وإلا فأنا غير مسؤول عما يحدث لك إن وجدوها في بيتك… الآن وبعد أن إنتهيت من كتابة آخر سطر أشعر بأنني حر تماما، فقد أزحت ركام الأثقال من على ظهري، ها انا بين أوراقي ودفاتري ماكث في مكمني، صامت، متوجس، أنتظر أمراً ما، ربما وقع الجزمات العسكرية على الأرض التي تئن تحت ثقلهم القادم من المجهول. 24/8/2001”.
لقد عشت مع أحداث الرواية وشخصياتها، فكان وقعُ هذه المقطوعة الأخيرة، كبيراً ومرعباً جداً بالنسبةِ لي، فقد أعادتني للزمن القبيح، وما فيهِ من رعبٍ وقذارة، حتى أنني ظننتُ أن هذه المقطوعة ليست من ضمن الرواية بل للكاتب نفسه، مما جعلني أتصل بالكاتب واستعلم منهُ عن ذلك، فأخبرني أنها من ضمن الرواية، وكنت أود الكتابة عنها وإيصالها للناس، فشكرني على ذلك.
بقي شئ…
تحية لكل كُتاب الحرية، الأحرار في قلمهم، الباذلين لأرواحهم في سبيل كلمة الحق، وتباً لـ طيرو وأبنائهُ وأحفادهُ والذين لازال منهم من يعيش بيننا وينادي بـ(الزمن القبيح).