ليلى والذئب
الوقتُ صباحًا والجو دافئًا ومشرقًا جدًا بحيث تسللت الشمس عبر نافذة البيت الصغير الجميل الذي تسكنه ليلى وأمها طفلة جميلة ذكيّة بحيث كان ذكائها يفوق عمرها، كانت أمها كلّ شيء في حياتها، مات والدها فتولت الأم رعايتها واحتضانها وبقائها معها بالرغم من الحاح الجدة بأن تعيش في كنفها.
رغم أنها طفلة صغيرة وتحتاج الى كثير من التجارب قبل أن تنضج ولكنها تعلمت من أمها الكثير رغم صغر سنها، كانت جريئة ومغامرة لأن أمها غرست في نفسها فكرة دائمًا كانت ترددها (أنتِ قوية يا ليلى) أنت أميرتي التي أفخر بها دائمًا، كوني ذات إرادة وعزيمة، ترسخت في ذهنها هذه الأفكار وكانت كما أرادت الأم.
كانت ترعى الزهور التي تضمها حديقة البيت الصغيرة التي تتوسطه، وأريكة على الجانب وأمامها طاولة صغيرة وضع عليها كوبين من الشاي مع وجبة فطور، وأمام النافذة قفص صغير لبلبل يستمتعون بشدوه ويعتبرونه واحداً منهم، في هذه الأثناء كانت ليلى تمرح في أرجاء البيت وتغني
أنا طفلةٌ جميلة
كالوردِ في الخميلة
أُغني للأطيارْ
للشمسِ في النهارْ
وأزرعُ البذور
لتُخرجَ الثمارْ
وتارةً أخرى تلعب لعبة المربعات ترمي الحجر وتفز بشرط
ألا تلمس الخطوط الى أن تنتهي الثمان مربعات تكون قد فازت بالجولة.
-هيا ياليلى كفاك لعبًا لنتناول فطورنا
-دعيني ألعب يا أمي
-تناولي فطورك حبيبتي فلديّ مشوار أريد أن أرسلك اليه
-وما هوهذا المشوار يا أمي؟
-ستعرفين فيما بعد
دخلت الأم الى المطبخ لتصنع كعكًا للجدة وبعد ساعة كان الكعك جاهزاً.
-هيا يا ليلى صنعت كعكًا لجدتك، لا تتأخري وخذي حذرك من الطريق في الغابة.
كان عليها أن تمر بالغابة للوصول الى بيت الجدة، تنظر الى أسراب الطيور وكأنها تسافر معها وتستمتع بالنسيم العليل وهو يداعب خصلات شعرها تملأ الجو فرحًا وبهجة، راودتها فكرة أن تسرح بجولة في الغابة وشاهدت زهوراً جميلة وقالت في نفسها: منذ مدة وأنا لم أزور جدتي سأقطف هذه الزهور لأقدمها لها بالتأكيد ستفرح
وأثناء ذلك سمعت ضوضاء في الغابة! وإذا به الذئب!
-سألها مَن أنت؟
-أنا ليلى
-وماذا تحملين؟
-جدتي مريضة وأحمل لها كعكًا وأود زيارتها.
-بادرها بسؤال شيطاني أين بيت جدتك؟
كيف نصل اليه؟
فكّرت مليًا في الجواب ولم ترد عليه.
لم تجيبي على سؤالي
أنت طيبة القلب وجميلة الوجه والورود تغار منكِ كانت تتحاشى نظراته.
أشاحت بوجهها وبدت الفراشات تنظر اليها وهي تسدل أجنحتها تقديرًا لجمالها
رغم صغر سنها كانت ذكيّة جداً وداهيّة!
فقد شمت رائحة الغدر في كلامه كانت تعرف أنه كذاب لأنها سمعت في أحد الأيام قصة من أمها بغدر الذئب فترسخت الفكرة في ذهنها.
قال الذئب: أنا أريد مساعدتك هيا ماذا تنتظرين؟
كادت تختنق عندما سمعت هذه الكلمات.
قالت في نفسها: لن يكون منافسًا لي في الوصول الى جدتي.
سأذهب معك ونبقى مع جدتك بعضًا من الوقت، حاولت ليلى أن تخفِ خوفها كانت تتحاشى نظراته وبنظرةٍ ساخرة وابتسامة مشمئزة ثم هزت رأسها وشعرها الطويل الذي يتطاير مع نسمات الهواء وقطفت زراً من الورد ووضعته بكلّ ثقة خلف أذنيها ثم تلألأت عيناها وتسلحت بشجاعة وقالت في لطف: لنلعب لعبة الاختفاء، أنت تذهب من هذا الطريق وأومأت بيدها الى اليسار، أنا أذهب من الطريق الآخر وأومأت بيدها الى اليمين ولنرى أيٌّ منّا سيجد صاحبه قبل الآخر ص كلامها الذئب وبدأ بلعبة الاختفاء.
لم تهمل ما أوصته به أمها ليضيع حلمها ولن يتمكن الذئب من اغتيال سعادتها، لقد ادّخرت كلّ الفرح والسعادة للوصول الى جدتها.
ذهبت ليلى كالسهم وسلكت طريق المزروعات كي لا يراها الذئب احتلها القلق وبدأ قلبها يدق بسرعة ومن شدة التعب توردت شفتيها ،المنزل ممر طويل تحيط به الأشجار الخضراء يطل على الحدائق المزروعة بكلّ أنواع الزهور طرقت الباب وفتحت لها جدتها امرأة ضخمة في الخمسين من عمرها استقبلتها بالترحاب نظرت اليها كانت مبهورة الأنفاس تلهث حين راحت عضلات صدرها وبطنها ترتفع وتنخفض اسرع من المعروف فقد أثقل التعب جسدها الصغير ،وما أن وصلت وحدثت جدتها بما حصل مع الذئب بحيلة منها ،بدأت الدموع تنهمر من عينيها المخمليتان نظرت الى جدتها وطوّقتها بيديها فابتسمت الجدة ورحبت بها إنها زائرتها المفضلة وحدّثتها بلطف وتركت نفسها تسقط بين ذراعي جدتها أصحبتها الى غرفتها التي كانت واسعة ومضيئة وفي إحدى الزوايا مدفأة قديمة مبنية على حائط بكامله وسريرها ذي الأغطية الحريرية الوردية ،فرفعت الجدة يديها الى السماء وحمدت الله على سلامتها واكتحلت عينيها برؤية حفيدتها الجميلة الحكيمة الصغيرة.