في حضرة القصيد نعبر إحساسه، مشاعر فرح، حزن و ألم، مسيرة حياة تفتح كرّاسه، رحلة في رحاب الحرف و القلم، مملوءة هي أكواسه، باشراقة الأمل و الحلم، يدعونا مرقمه أن نكون من جلاّسه، نحتسي من دواخله أشواقا للعلم، يتمايل جمال الإبداع ليكون لعطائه نبراسه، فتقف بنا معانيه على كل المواقف ما خفي منها و ما علم، هو الشاعر الفلسطيني الأردني ماهر النادي.
مرحبا بك سيدي
مرحبًا بك سيدتي مساؤك شعر وعطر وزهر
س “قولوا لغزّة أن تفك حصاري، و تقصّ لحن الخوف من أوتاري”، بماذا تجيب غزّة على هذه المناجاة؟
ج هي تعبير عن حالة العجز والقهر التي يمرّ بها المثقف العربي، فلا يجد غير بضع كلمات يخفّف بها عن نفسه، فالحصار حقيقةً ليس على غزّة وحسب، كذلك أقلامنا وأوراقنا.
س “دعيني فالعذاب عرفت طفلا، به لوّنت من صغر قصيدي”، يرى الكاتب البلجيكي “موريس ماترلينك” بأنه “نادرا ما تغيب السعادة لكننا نحن الذين لا نحس بوجودها”، هذا التباعد في الإحساس بين النظرتين، كيف يقرأ تفاصيله الشاعر “ماهر النادي”؟
ج أرى أنّ السّعادة هي لحظات الخلاص من الآلام والمعاناة، وبواقعنا العربي تكاد تكون المعاناة كالهواء الّذي نتنفّسه وإنْ كانت هناك سعادة فهي مجروحة بما تلمسه أيدينا من هموم وما تراه عيوننا من نكسات ونكبات بنشرات الأخبار.
س يتنافسان في أزقة الحياة، أحزان تسابق الريح، و أفراح بإحساس جريح، فالرابح طريق للممات، و الخاسر في خانة الوفيات، في نفس السياق يقول “الإمام الشافعي” “و لا حزن يدوم و لا سرور، و لا بأس عليك و لا رخاء”، هل نفهم أن الشاعر “ماهر النادي” يتباعد مع هذين المعتقدين خاصة و أنه يرى أن الهم عندما يتوسد رأسه لم يطلق سراحه؟
ج الأمل لاينقطع مادامت الحياة، والهموم كالجنّاء تخضّب إهابنا هو قدرنا نحن الشّعراء أن نكون لسان أمّتنا فنشعر بِمَا تشعر به من حلاوة ومرار.
س كيف يجف الشجن و يحن قلب الأمل؟
ج هما صنوان متلازمان لاينفكّان عن بعضهما البعض.
“سأل الشوك بغيظ، كيف يعلو الورد فوقي؟”س
ج هي صورة مقيتة للحسد بحيث يكره المرء من هو خير منه إذا علا عليه.
س “الإبداع أن يأتي المرء بما لم يسبق له وأن يكون دعوة للخير والجمال”، عندما يزقزق عطاء الشاعر “ماهر النادي”، كيف نهتدي لنغمات الإبداع التي يطلقها؟
ج تقع في القلب فنلفظها فمن نعم الله علينَا البيان، ومادمنا نمتلك الموهبة والأدوات لانحتار بالتعبير عن مشاعرنا.
س القصيدة في دواخل الشاعر “ماهر النادي”، إلى أي مدى يرفرف بها جناح حرفه لتصل أعماق المتلقي و تلمس روحه؟
ج عندما أبدع قصيدة أحلّق بمخيلتي فوق النجوم وأمسك عنان السماء وأعيش مع الكلمة، أبكي لحزنها وأفرح لفرحها ولا أتكلّف صورة أكتب مشاعري فحسب.
س يقول الشاعر الأمريكي “روبرت فروست” “تبدأ القصيدة بالبهجة و تنتهي بالحكمة”، هل تعتقد في رأيه و تتوافق معه بأن للقصيدة حدود؟ أم أنك ترى أنها كالريح في السماء تهب و تهب إلى اللانهاية؟
ج أرى أنَّ ليس للإبداع حدود فالإبداع سقفه السّماء إلّا حدودًا أخلاقية يلزم به المبدع نفسه احتراما لقيم الحبّ والجمال.
س بين الإبداع، الحب و الجمال، أين يرسي حرف الشاعر “ماهر النادي”؟
ج إنّمَا الإبداع مهرةً عربيةً أمتطيها عاشقًا في ميدان البحث والتأمّل والتّغزّل بالجمال، فرسالتي ورسالة الأدب محاربة القبح بالجمال.
س إلى كم من إحساس يعتقد الشاعر “ماهر النادي” أن رسالته هذه قد اخترقته؟
ج إلى حدّ الذَوبان في النص، فأنا لا أتكلف الشّعر، أرسم بريشة القلب ما يختلج بداخلي وما يطرق خاطري.
س هل يأمن المتلقي حرف العبور لدواخل الشاعر “ماهر النادي”؟
ج هو في بيته، لا خوف ولا حزن عليه، فمن نهجي الوضوح والبيان مع الدّقة في التصوير والإيجاز، ومادام المتلقي يفهم ما أريد فهو في مأمن منّي ولديّ.
س النقد و الشاعر “ماهر النادي”، رحلة صمت و بوح، كيف؟ و إلى أين؟
ج النقد أداة بناء وهدم، أحترمه مادام ينظر في النصوص لا في الشّخوص، وكثيرًا ما أنقد نفسي بحيث أبدع نصًا ثمّ لا أرض عنه.
س هل الوصول غاية تعنيك؟
ج أنا أبدع الشّعر للشعر، بمعنى أنّ الشعر حاجة لدي كما الطعام والشراب، لا أعيش بدونه، ولو كان لي غاية ما أبدعت بيتًا، هو تعبير فقط عن ما يدور حولي وما يختلج بداخلي من مشاعر.
س يرى الأديب الروسي “مكسيم غوركي” بأن “الرجل الحي هو الذي يبحث دائما عن شيء”، ما الذي يبحث عنه الشاعر “ماهر النادي” بين طيات القصيد و عبر أنفاس الحرف؟
ج أبحث عن الحبّ والسلام لجميع بني البشر، أفرح لبسمة طفل صغير، وأبكي لنتف ريش بلبل مغرد، وأعلم أنّ ما أبحث عنه بعيد قريب.
س متى يقول الشاعر “ماهر النادي” نظرت إلى الذاكرة فوجدت عطرا يرمقني و أرض و سلام؟
ج ربمَا بجنة الخلد، جعلنا الله وإيّاك من أهلها إنّه سميع قريب.
و نعم بالله
س إذا ما أ خذنا بمفهوم الشاعر النمساوي “راينر ماريا ريلكه” بأنه “ليس لأحد أن يهبك مشورة أو يمد لك يد العون، هنالك طريقة واحدة فقط، اخترق نفسك”، عندما يخترق الإنسان “ماهر النادي” نفسه، بماذا يترجم لنا ذلك الشاعر “ماهر النادي”؟ و ما الذي يجسده لنا قلمه؟
ج أشعر أنّني وقعت للأرض من السّماء، وأنّني لست براض عن نفسي ولا عن ما يدور حولي وأعزّي نفسي بعوالم أخرى أرسم بعضها بريشتي وأرجو بعضها حبًّا لله.
س “على صدر الزمان نقشت خطي”، إلى أي حد يعكس خطّك تصالحك من عدمه مع الزمان؟
ج الزمان هو قدر الله وبه يسكب إرادته، نحن لسنا معه على خصام، ونقش خطّي عليه سيرًا معه لا وراءه، نؤمن بقضاء الله ونوقن أنّ ما يصيبنا ممّا كسبته أيدينا، والشاعر لا يستطيع العيش إلّا مغرّدا بالحزن والفرح.
س يعتقد الكاتب المصري “مصطفى صادق الرفاعي” بأنه “لا تتم فائدة الانتقال من بلد لبلد إلا إذا انتقلت النفس من شعور إلى شعور، فإذا سافر معك الهم فأنت مقيم لم تبرح”، كيف يتفاعل الشاعر “ماهر النادي” مع هذا المعتقد؟
ج قد يكون المرء مسافرًا وهو في بلده، والنّفوس كالقلوب تتقلب من حال لحال بالمكث والسفر، والسفر يزيد المرء خبرة ً في الحياة، من ذلك ما قاله الإمام الشافعي رحمة الله عليه … ومن لم يغترب يحسب عدوًّا صديقه.
س عن الصديق يعتبر “الإمام الشافعي” بأن “صديق ليس ينفع في يوم بؤس، قريب من عدو في القياس”، كيف يتفاعل الإنسان “ماهر النادي” مع هذا التشبيه، و إلى أي عطر يعتبر نفسه أنه ملك ورود الصداقة؟
ج قال رسول الله صلى الله عليه و سلم “الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تنافر منها اختلف”، ونحن في وضع لا نرجو من اقرب الأقربين النفع، واستمرارية الصداقة تعتمد على المحبّة والاحترام وعدم تبادل المنفعة أو التخّلي ساعات الشّدة قد يلغي الصداقة دون أن يكون للعداء نصيب، فراق بإحسان.
س عن الأصدقاء يقول الكاتب الفلسطيني “زياد جيوسي” “أخاطبهم من خلال مخاطبتي للوطن”، هذا الجمع بين الصديق و الوطن، كيف يقرؤه الشاعر “ماهر النادي”؟ و هل يتوافق في الإحساس به مع الكاتب “زياد جيوسي”؟
ج أتفق مع ما قاله الكاتب الفلسطيني زياد الجيوسي، وأزيد عليه أنّ المرأة هي الوطن، ومنها يكون الأخوة والأخوات والأصدقاء فالوطن بمن يقطنه.
س أين يسكن الوطن في شعور ذرفته الغربة و امتطاه الشجن؟
ج الوطن يرحل معنا أينَما رحلنا، نتغزّل به ونشكو له همومنا وعلى صدر ذكراه نذرف دمعَ الشّوق، هو القلم الذي نكتب به، والحبر الّذي ننثره من القلب، لا راحة لنا بدونه، به نعيمنا وله تعزف أوتار الشجن لحون المحبّة.
س يقول الكاتب الأمريكي “ستيفن كوفي” “عش بناء على أحلامك لا بناء على ماضيك”، بماذا تتميز العلاقة الرابطة بين الماضي و الحلم في حياة الشاعر “ماهر النادي”؟
ج الأحلام بنات الماضي اللواتي تزوجن وأنجبن أحلامًا وأحلامًا وبين الحلم والماضي علاقة بناء وارتقاء تكون بالعودة للخلف حينا والتّقدّم للأمام حينًا أخرى فالماضي هو نحن وآباؤنا وأجدادنا بكلّ ما به من نعيم ٍ وعذابات.
شكرا لك الشاعر “ماهر النادي” على حسن تواصل و إلى لقاء آخر ان شاء الله.
إن شاء الله أتركك في أمان الله أخت آمنة أشكرك.
لقاء مع الشاعر الفلسطيني الأردني ماهر النادي
اترك تعليقا