لـقــــــــاء
ــــــــــــــ
لا أدري ما الذي اتى بي إلى هذه الصحراء الموحشة ، لاماء ولا شجر ، شمس حارقة والعرق يتصبب من اوصال بدني ، الجوع اخذ مني ما أخذ واصبح الألم يقاسمني في احشائي ، وهذا ما جعلني امشي وامشي لعلي أجد شيئا اسد فيه رمقي .
العطش في قر هذه الرمضاء جعلني وكأني لا ارى ، ولكن أبصرت من بعيد خيمة ، لا ادري مابها ومن يقطنها ، تسارعت خطواتي نحوها لعلي أجد ظالتي ، وقفت عندها وتنحنحت قليلا ، حينها دخلت تلك الخيمة المتناثرة الأوصال ، فاذا بعجوز تقطنها ، بادرتها في السلام ، فأجابت بأحسنه ، رحبت بي كثيرا ودار في خلدي ثمة سؤال ، كيف استنجد بها وهي في تلك الأحوال ، تنهدت وتبسمت لي وقالت ماالذي اتى بك إلى هنا ؟ أظنك قد أضعت الطريق ؟ وتهت في افكارك عن جادة صوابك ؟ فأخذت نفسا عميقا وقلت لها ، الآن لاينفع السؤال وقد بلغ مني الظمأ والخماص مابلغ ، فتبسمت لي وأحضرت لي كسرة خبز وكأس ماء صغير من حافة صندوق خشبي مركون في جنبات تلك الخيمة وأطرقت مبتسمة بابتسامة ملئ شدقيها ، خذ هذا ماتبقى ، وهذا كل ماعندي ، وسوف يحلها لي الحلال ، أخذت ماتفضلت به من يدها وحرت مع نفسي بسؤال ، أأبدأ بتلك الكسرة أو الماء ؟ ولكني سائلتها ، وكيف يكون ذلك وأنت في وسط الصحراء ، أجابتني ، لا عليك ، وبينا انا وهي في هذا الكلام والمقام فاذا بظل يتحرك وهو يرتسم امامي على الأرض فتبسمت مرة أخرى وهي محدقة بنظراتها خلفي وهي تقول تفضل ياولدي ، وكانت المفاجئة التي كادت تصرعني ما بين فرحي والامي ، إنه ولدي الذي اشتقت له كثيرا ، ولكن لا أدري من أتى به إلى هنا وهو الذي يدرس في تلك البلاد البعيدة ، وساءلت نفسي مرة أخرى وأنا في محنتي ، هل تاه ولدي مثلي في هذه الصحراء وسط كل هذه المآسي ؟ احتضنته واحتضنني ، ومازالت كسرة الخبز في يدي ولكني وضعت كاس الماء على الأرض ، لم اسأله عن كيفية وجوده وقدومه ، ولكن ادركت مليا بظمأه وخماصه ، هنا لم افكر في تقاسم كسرة الخبز وقليل الماء معه ، ولم افكر باعطائهما له فحسب ، بل كان احساسي منصبا في أني مستعد أن أعطيه كل عمري من أجل البقاء ، حاولت أن اناوله تلك الكسرة وذلك الماء فأبى ، فأصررت بكل ما امتلكه من إصرار على تنفيذ مقصدي ، وبينا نحن في ذلك الصراع والعجوز ترقبنا لاتدري ماالأمر ، انسكب ذلك الماءعلى صدري بنتيجة التدافع فيما بيننا ، فوجست خيفة من الأمر ، ورحت صارخا بفزع مخيف من تلك الخسارة الكبرى ، فاذا بي اصحو لأجد نفسي في فراشي الوثير اثر تلك الصدمة منبهرا في غرفة نومي ، آه كم كان كابوسا مزعجا إثر منامي لتلك الليلة بعد جهد جهيد أخذ مني ما أخذ ، فغامرني الفرح ورحت مستغفرا الله من ذلك الكابوس الذي حل علي ، وحامدا وشاكرا ربي على جميل نعمائه ، ولكن كان هناك فارق كبير وحزين ، إذ لم أجد ولدي القاطن في تلك الديار البعيدة .
ســــــــــعد عبدالوهاب طه