ماجد حميد الغراوي
فِي سَاعَةٍ مُبَكِّرَةٍ مِنْ صَبَاحِ كُلِّ يَومٍ قَبْلَ ذَهَابِهِ إِلَى الجَامِعَةِ يَنتَظِرُ بِفَارغِ الصَّبرِ وَبِكُلِّ شَوقٍ وَلَهفَةٍ لِقَاءً مُعَطَّرًا بِنَدَى اليَاسَمِينِ وَلَحظَةَ السَّعَادَةِ بِمَجِيءِ شَمْسِهِ وَهِيَ تُضِيءُ الكَونَ بِنَظْرَةِ عَينَيهَا الزَّرْقَاوَينِ، وَنَضَارَةِ وَجْهِهَا الأَبْيَضِ المُشْرَبِ بِحُمرَةٍ تَفِيضُ سِحْرًا وَبهَاءً تَنحَدِرُ عَلَى شَفَتَيهَا القُرْمزِيَّتَينِ، وَقَدْ تَنَاثَرَتْ حَولَ وَجهِهَا المَلَائِكِيِّ خُصَلَاتٌ مِنْ شَعْرِهَا الذَّهَبِيِّ المُنْسَابِ عَلَى كَتِفَيهَا؛ لِيَزِيدَ مِنْ شَوقِهِ وَهُيَامِهِ بِهَا، وَتَتَوَلَّى نَظَرَاتُهُ الإِفصَاحَ عَنْ هَوَاجِسِ قَلْبِهِ المَفتُونِ، فَتَنْثُر أَنْفَاسُهُ مُنَاجَاةَ رُوحِهِ العَاشِقَةِ.
يَبدأُ لِقاؤُهُمَا وَهُمَا يَتبَادَلانِ تَحيَّةً تُشْبِهُ الهَمْسَ، كَادَتْ تُغَيِّبُهَا مَشَاعرُ الحُبِّ وَشُجُونُهُ وَارتعَاشَةُ المُحبِّينَ عِنْدَ اللِّقاءِ، فَتَتَشَابَكُ يَدَاهُمَا وَهُمَا يَسِيرَانِ تَحتَ ظِلَالِ الأَشْجَارِ المُحِيطَةِ بِالكُورْنِيشِ عَلَى الطَّرِيقِ المُؤَدِّي إِلَى الجَامِعَةِ، يَدُورُ بَينَهُمَا حَدِيثٌ هَادِئٌ هُوَ أَشبَهُ بِالهَمْسِ، تَتَخَلَّلُهُ لحَظَاتُ صَمْتٍ تَخْتَلِسُ عَينَاهُمَا خِلَالَهُ النَّظَرَاتِ؛ لِتَكُونَ لُغَةَ قَلْبَيهِمَا العَاشِقَينِ، وَلِلَّحَظَاتِ الجَمِيلَةِ سُرعَةٌ تطْوِيهَا عجَلَةُ الزَّمَنِ كَمَا تُطوَى صَفَحَاتُ السِّجِلِّ، وَلَكِنَّ النِّسْيَانَ لَا يَستَطِيعُ أَنْ يَمْحُوَهَا مِنْ ذَاكِرَةِ المُحِبِّينَ وَقُلُوبِهِم الوَالِهَةِ. فَيَتَمَهَّلَانِ فِي خُطُواتِهِم لنِهَايَةِ المَطَافِ أَمَامَ بَابِ الجَامِعَةِ.
فَتَفتَرِقُ الأَيْدِي بَعْدَ اللِّقَاءِ، وَيَسُودُ الصَّمْتُ بَدَلَ الهَمْسِ، وَتَبقَى عَينَاهُ تُشَيِّعُ شَمْسَهُ وَهِي تَغِيبُ بَينَ الطَّلَبَةِ، فَيَعُودُ أَدرَاجَهُ سَالِكًا سَبِيلًا آخَرَ وَنَظَرَاتُهُ تَرنُو إِلَى السَّمَاءِ؛ حَيْثُ تَجَمُّعُ الغُيُومِ تَتَوسَّطُهُا غَيمَةٌ سَودَاءُ وَبَرقٌ يَتْبعُهُ صَوتُ الرَّعْدِ مُنْذِرًا بِتَسَاقُطِ المَطَرِ.