نبيل عودة
(وقصة تعبيرية ساخرة عن لغز الادراك)
عندما قال الفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت ” أنا أفكر فأنا موجود” كان يعني انه يفهم أهداف ونتائج مكانته بين الناس. من هنا اقول ان كل انسان سوي يدرك مكانته في المجتمع ويتحكم بسلوكه، وهي ظاهرة للإنسان فقط، من يفتقد هذه الصفة السوية يعود عمليا الى مرحلته يوم كان جزءا من عالم الحيوان، لأن الحيوان لا يدرك، بل يتصرف بناء على غريزته. الأبحاث الأثنوغرافية بينت انه حتى الانسان القديم حاول ان يفهم ايضا جوهر نفسيته وميز بين الأفعال وطور بإدراكه مهاراته وسلوكه وصولا الى مرحلتنا الراقية، لكن للأسف هناك من بقي في عالم الحيوان الذي سبق حتى الانسان القديم.
يختلف جوهر الادراك عن الإحساس والادراك يؤثر على الإحساس بعكسه جوانب مختلفة لموضوع ما. مثلا ادراكنا للشجرة مهما اختلف حجمها وشكلها فهو ثابت بغض النظر عن نوع الثمر الذي توفره، طبعا ليس بإمكاننا ان نستوعب الصفات المخفية للشجر التي تتعلق بالنمو الا عبر الدراسة.
الأمر الهام أيضا ان الادراك يتعلق أيضا بموضوع المعرفة وعمقها وموقف الانسان الشخصي من الشيء المدرك، أي يختلف الادراك من شخص الى اخر.
ان أهمية الادراك انه يعمق معرفة الانسان بالعالم المحيط به وبتشكل المفاهيم المختلفة لشتى المواضيع.
طبعا يبقى جوهر الادراك موضوعا يحتاج الى دراسة تفصيلية اوسع لشرح بعض التصورات الخاطئة للإنسان عن جوهر الادراك الذي اوصل البعض الى تصورات خاطئة وغيبية حول نشوء عالمنا والقوى التي تتحكم به وبالإنسان. ولكني اضيف ان الادراك هو أيضا انعكاس للصورة الحسية لما يواجه الانسان في الواقع الحياتي وكيفية تأثير تلك الانعكاسات على وعيه.
دعاء / قصة ساخرة عن جوهر الادراك
كانت جارة لنا تخرج كل صباح جديد، وتنظر الى السماء وتقول بصوت مرتفع: “احفظ يا إلهي هذا البيت بعيدا عن النمور” وتعود الى داخل البيت.
هكذا مضت الأيام والجيران يضحكون من هذا الرجاء، حتى تجرأت جارة وقالت لها: ” يا جارتي العزيزة، انت تشغلين نفسك بموضوع بعيد عن الواقع، لأنه لا يوجد نمور قريبة من بلادنا، وأقرب نمر الينا يبعد عنا آلاف الكيلومترات، وحتى يصلنا يجب ان يجتاز اراضيَ وجبالاً وأنهاراً وبحارا، وهذا مستحيل”
فردّت عليها الجارة: “هل ترين الآن فاعلية رجائي لله كيف تجعل النمور بعيدة عن بيوتنا”؟