محمد أبوسالم
علياء المهدي، في السادس عشر من نوفمبر الجاري أتمت عامها العشرين، وقبل هذا التاريخ بيوم واحد نشرت علياء على مدونتها صورة عارية لها، ربما اختارت أن تنشرها كاحتفال استثنائي لإتمامها عقدين في مثل هذا الزمان والمكان المختلين، ربما أرادت أن تصفع ازدواجية مجتمع ينتفض لمرأى فتاة تعرت بإرادتها ولا يحرك ساكنًا لانتهاك فتيات تمت تعريتهن جمعًا وعلى رؤوس الأشهاد لاختبار عذريتهن، وربما لم يعن لها كل ما ذكرته، فقط أرادت أن تمارس سلطة على ما تملكه بالفعل، ربما .. ولكن المؤكد أنها لم تتعر في قارعة الطريق ولم تجبر مئات الآلاف الذين زاروا مدونتها في يوم واحد على البحث في جوجل ليختلسوا النظر لعريهم الشخصي ويتلقون بصقة مستحقة على وجههم قبل أن يحتفظوا بالصورة على أجهزتهم ثم يهرعون سراعًا للتباكي على الأخلاق والدين الضائع وتسجيل موقفهم الإلكتروني المشرف.
إن ازدواجية المعايير في مجتامعاتنا ليست بالأمر المثير للدهشة، ربما أثارت أشياءًا أخرى كالغثيان والاشمئزاز والتقزز، ولكنها مفهومة تمامًا في مجتمع واقع بين سجن قضبانه أضلع مثلث الفقر والجهل والمرض الذين يحرص من يحكمونه على إحكام إغلاق منافذهم من جهة، وبين خطاب ديني صحراوي ظلامي غليظ القلب وخطاب يساري وليبرالي استعلائي تافه مرتعش طامع من جهة أخرى، كل هذا؟؟ لا .. بل وأكثر .. فقد عرت صورة تلك الفتاة التي مازالت تودع مراهقتها مؤخراتهم جميعًا، فدعنا نقرأهم سويًا.
من يحكموننا:
أول الجهات المعتبرة التي نشرت خبرًا عن صورة علياء المهدي كانت العربية، وقد نشرت الخبر بالصياغة التالية: (عضوة بجماعة 6 أبريل تنشر صورتها عارية) بالطبع لم تذكر العربية أي مصدر لمعلومة أن علياء عضوة بجماعة 6 أبريل، على أية حال فقد ثبت كذب هذا الادعاء وغيرت العربية الخبر عندما صعّدت 6 أبريل وطالبت باعتذار لم تحصل عليه حتى الآن، لماذا أذكر هذا؟ لأن العربية تمول بالكامل من الحكومة السعودية التي تمثل بدورها القوة الرجعية الأولى بالمنطقة، فقد وقفت ضد كل الثورات العربية، ناهيك عن تمويلها الضخم لنشر الحركة الوهابية، وقناة العربية نفسها مارست منذ أشهر قليلة عهرًا إعلاميًا مفضوحًا حين رفضت أن يناقش حافظ الميرازي أثر الثورات العربية على المجتمع السعودي، وترك الميرازي القناة على إثر هذا الموقف، إن قناة العربية هي ممثل جيد لموقف من يحكموننا الساعي بكل شكل لتشويه الثوريين، سواء على المستوى الإعلامي – الخبر السابق تلقفته وسائل الإعلام المصرية بلهفة – أو على المستوى القانوني بإحالة أغلبهم لمحاكمات عسكرية، أو حتى بتأجير البلطجية لتأديبهم، لم تشأ السلطة أن تترك حدثًا هو في الواقع لا يمثل أي شئ كنشر صورة عارية لفتاة دون أن تستغله لتشويه الثورة وتصوير الداعين إليها بأنهم مجرد راغبين في التحرر من قيود المجتمع لممارسة الرذيلة، معتمدين على أنه ما من ثمة مواطن سيسأل نفسه: هل تنشر من ترغب في ممارسة الرذيلة صورتها عارية في وسائل الإعلام؟؟
الخطاب الديني:
لا جديد تحت الشمس، فالخطاب الديني الذي جهد في إنقاذ مبارك بتحريم الخروج على الحاكم وادعاء أن التظاهر ليس من الإسلام وأنه لا يفيدك سوى في بح صوتك، هو نفسه الخطاب الذي هرول لجمع غنائم غزوة الصناديق ناسيًا دروس غزوة أحد، المشايخ الذين حرموا الديموقراطية هم أنفسهم من يعاقرونها الآن بغية الانقلاب عليها في ممارسة لعهر صفيق، الجماعات الدينية التي تنشر خطاب تكفير العلمانيين والليبراليين والشيوعيين هي نفس الجماعات التي تتحالف مع هؤلاء الكفرة في قوائم انتخابية لضمان تمثيل جيد بإذن الله، وبالتالي فمن رباهم هؤلاء هم من احتفظوا بصورة علياء على أجهزتهم بل وربما تركوا العنان لخيالهم الأسطوري أكثر من هذا، ثم تكالبوا عليها في مواقع التواصل الاجتماعي رجمًا بكل ما تطاله أيديهم قبل أن يتركوها ليتجولوا في مواقع البورنو المنتشرة على الشبكة، وبعدها ينامون مقروري الأعين فخورين بمواقفهم العنترية.
يسار – يمين:
أسوأ ما بالأمر وأكثر من عرتهم صورة علياء مهدي هم اليساريين والليبراليين، فقد سارعوا جميعًا للتنصل من فعلتها الشنعاء، حتى 6 أبريل نشرت أسرع بياناتها طرًا لتنفي انتماء علياء لها، بالطبع خلا بيان 6 أبريل من أي إشارة للحريات الخاصة والعامة والفرق بينهما، كما خلت وقاحة تنصل اليساريين والليبراليين من أي إشارة تصحح أولويات مجتمع استشرى مرضه واستفحل، لم يكلف أي مدعي تقدميه خاطره بتحليل ولو سطحي لحالة الاستنفار المجتمعية المصطنعة لقضية تنتمي للحريات الخاصة يمكن لأي إنسان رفضها بشكل شخصي في نصف سطر، ومن لم يهاجم علياء ساءه أن يمر الأمر دون أن يدلو بدلوه فسخر منها أو تحدث عن أولويات النضال ليتمثل مشايخ الوهابية في تبني خطابًا ظاهرًا وآخر باطنًا تقية للمجتمع، كانت صورة علياء تستدعي وقفة لتحليل فضاء الحريات وحدود المجتمع في تقييد حرية الإنسان وعلاقة القانون بالحريات وقوانين النشر على الإنترنت وما هو وضع المواقع والمدونات الشخصية القانوني، خصوصًا ونحن بصدد إعداد دستور يجهد التيار الإسلامي لسعودته ويجهد التيار المنتفع لعسكرته، كل هذا لم يثر السادة المثقفين طليعة المجتمع، كان همهم الأول التنصل قبل فقدان أصوات المواطنين المحترمين الذين احتفظوا بصورة علياء على أجهزتم بالفعل.
علياء ماجدة المهدي:
لا تدهش فلا خطأ هناك، هي اختارت أن تنسب لوالدتها، وربما يعطيك هذا التصرف صورة عن علياء وما تمثله، أكثر من نصف المصريين تحت سن الخامسة والعشرين، هذا يعني أن الشريحة العمرية التي تمثلها علياء أغلبية كاسحة، أغلبية ابتدعت جماعات الألتراس ومليونيات التحرير ورسم مجتمع بديل على شبكات التواصل الاجتماعي والفيلم البديل والأغنية البديلة على اليوتيوب، أغلبية متمردة رافضة أن تحكم بعقلية الأقلية العجوز من ممثلي مطلع القرن التاسع عشر على أحسن الأحوال، هذه الأغلبية تعيش حياة مختلفة بمنظومة قيمية مختلفة بالفعل، هم فقط سئموا المداراة والمواربة، سئموا ازدواجيتنا وتحكمنا المرضي، هم الآن يرسمون مستقبل مجتمعهم ويعتبرون كل الأحاديث العقلانية التي نتشدق بها مجرد (طق حنك) وهي كذلك بالفعل، إن كل ما فعلته علياء أن تحدت غرور وصلف دولة العواجيز كما سماها العظيم عبدالرحمن الأبنودي، هذا الطوفان من الهجوم ليس بسبب جسد عاري يمتلئ فضاء الإنترنت بالمليارات من مثله ومما هو أكثر، إنهم يدافعون عن دولتهم، عن نفوذهم وسلطتهم، عن أموالهم وإعلانات الرعاة ومكالمات طلب الفتوى، أو حتى في أحسن الأحوال يدافعون عن كونهم أفضل وأكثر أخلاقًا ليداروا عريهم الحقيقي، وهي تهدم كل هذا ببساطة مستفزة، والسؤال المهم الآن: في أي جانب تقف أنت؟
وللحديث بقية