علاج خرافي (قصة قصيرة)
بعد ولادتها شعرت بألم حاد في بطنها ، راجعت الأطباء وتناولت مختلف الأدية ، لكن الألم أستمر ، أعيتها حيل العجائز وخزعبلاتهن ، التي لم تنفعها في شيء أيضاً ، حتى اقترحت عليها أحداهن اللجوء الى حكيم المنطقة ، فلابد أن تكون لديه معرفة بما تعاني منه.
شرحت للحكيم معاناتها مع الألم ، بدوره تفهم الموضوع ووصف لها أعشاباً خاصة ، لم تنفعها تلك الأعشاب أيضاً ، عادت الى الحكيم وأخبرته ، الذي بادر بدوره بالذهاب الى الغابة والبراري المجاورة للبحث عن عشبة خاصة جداً ، حالما وجدها علمها طريقة الإستعمال ، أخذتها وانصرفت ، لكنها سرعان ما عادت إليه في اليوم التالي وأخبرته إن مذاق العشبة لا يحتمل ، “جد لي عشبة أخرى أو علاج أخر” ، هذه المرة بدأ الحكيم يسألها عدة أسئلة ليستكشف قواها العقلية أو ثقافتها ليتسنى له فهمها بشكل افضل ، أدرك بساطتها .. سذاجتها ، وأدرك انها لم تكن تلتزم بإرشادات الطبيب ولم تتناول أي دواء بشكل صحيح بسبب نصائح العجائز وتأثيرهن عليها ، هنا توقف .. وتأمل ، أخذ يبحث في كتبه المركونة على الرف ، لعل فيها شيئاً يناسب حالتها ، ترك الكتب ولجأ الى كراس كان أستاذه قد خطه بيده ، ثم أهداه له قبل أن يفارق الحياة ، قلًب أوراقه بحرص وتمعن وتأمل عميق ، ليس شرطا أن يجد علاجاً مكتوباً ، فقد أعتاد أن يتصل بروح أستاذه عن طريق تقليب اوراق الكراس هذا ، أستمر بتقليب الأوراق دون ملل ، حتى جاءت اللحظة ، سمع صوت أستاذه يهمس في أذنه كأنه يخشى أن تسمعه المريضة “لابد لها من علاج خرافي .. فلن تشفى بالطرق التقليدية !” ، أغلق الكراس وحدق فيها ، “وجدت العلاج !” ، فرحت كثيراً حالما سمعته ينطق بهذه الكلمات وتوقعت علاجاً صاروخياً ، “خذي نعلاً قديماً ، ضعيه فوق سطح المنزل بعد مغيب الشمس ، أتركيه حتى الصباح وقبل أن تشرق الشمس خذيه واربطيه على بطنك فوق مكان الألم سبعون دقيقة فقط” .
في اليوم التالي ، عادت الى الحكيم محملة بمختلف أنواع الهدايا ، فرحة مسرورة ، فقد زالت معاناتها مع المرض ” الألم” ، هذه المرة كانت برفقتها إبنتها الكبرى ذات السبعة عشر عاماً ، تدرس في الإعدادية ، ذكية ومتفتحة العقل ، سئلت الحكيم : “كيف لعلاجك أن يشفي أمي ؟! .. بينما عجزت كبار الأطباء !” .
قطب الحكيم حاجبيه ، ثم أبتسم فقال : “الأطباء عاينوا الجسد وتمسكوا بالدواء وأغفلوا عقل المريض وثقافته وطريقة تفكيره .. بينما ركزنا على نفسية المريض وسذاجته .. وأخذنا بنظر الأعتبار قول سيغموند فرويد – إذا كان المرض وهمي (نفسي) .. فليكن العلاج وهمياً (نفسياً) –” .
حيدر الحدراوي