عـــابـــــــر
تتشابكُ خيوطُ القصة في ذهنه… تجاوزَ السبعين من عمره، يعيش في بيت كبير جدا وحيدا، حزينا، موقعا هدنة دائمة مع الانتظار… بلاَ زوجة تؤنسُهُ في يومه الطويل، وتخدمه في مرضه، وبلا أبناء أو أحفاد يملأون المكان ضجيجا…
لهبٌ يَتصاعدُ من حنجرته الباردة، كلُّ الأشياء تبدو له تافهةً… باهتةً… حَدَّ غموض تكبرُ معه عباءة احتمالاته؛ لِتملأ كل الفراغات من حوله… تموتُ الكلمات عطشا قبل أن تولدَ في حلقه، يسودُ الصمتُ… يطولُ حبلُ وجعه ويَطولُ… بِقَدر الحزن الساكن في كل فصولِ عمره.
يُفْرغُ شحنة غضبه في تنهيدةٍ عميقةٍ، يتنفّسُ نظرات من ألمٍ… من قهرٍ… من ظلمٍ… من قسوةٍ… وحتى من نارٍ… فالصراخُ ممنوع على روح أشبعها الصقيعُ جلدا!…
حفر الزمن أخاديد بعمق تعبِ وحزنِ السنين على صفحة وجهه، أضعفت العللُ قوى جسمه، والأبيضُ الذي كسا رأسه يحكي ألف قصة وقصة، لا أحفاد يعيشون معه أو يزورونه ليرويها لهم…
عمر طويل مرَّ في لمح البصر، زرعَ الحزنَ بأعماق فؤاد العجوز مساحات لا تنتهي، أخذَ بعضا من روحه ورحلَ…
من
قصة:” عابر”
من المجموعة القصصية”موت بالتقسيط”