ظاهرة نوال السعداوي
فكر حرة طليقة..أم زنديقة؟!
أ.د.قاسم حسين صالح
رحلت نوال السعداوي (1931- 2021) وبرحيلها فقدنا امراة شكلت ظاهرة اجتماعية استثنائية في دنيا العرب، بكاها الملايين بوصف كثيرين ،ولعنها الملايين بوصف آخرين، وحال كهذ أمر طبيعي في عالمنا العربي والأسلامي، حين يتحدى احدنا قيما وتقاليد تعد من المحرمات،لا سيما اذا كان المتحدي امرأة.
كان أول كتاب منح السعداوي الشهرة واثار حفيظة النظام المصري (والعربي ايضا) هو (المرأة والجنس 1972).ففيه تناولت موضوعا محرّما في الثقافة العربية التقليدية عن حالة حقيقية لفتاة راجعتها برفقة زوجها المكفر الوجه طالبا منها فحصها للتأكد من عذريتها بسبب عدم ظهور بقعة الدم ليلة الدخلة.وبعد فحصها اكدت له عذريتها وأوضحت له السبب ان بعض البنات يولدن بغشاء بكارة سميك لا يتمزق في ليلة العرس. ومن هذه الحادثة انطلقت الطبيبة والروائية نوال السعداوي بكشف وتعرية وادانة واقع المرأة العربية بوصفها موضوعا جنسيا وازدواجية المعايير الاخلاقية وقيم الشرف التي يعتمدها مجتمع تتحكم به
قضيتان:عقدة الذكورة،وجهل وصفته بانه لا يعني بالضرورة غياب المعلومات، بل ترويج المعلومات الخاطئةالتي تفسد حتى فطرة الانسان وذكاءه الطبيعي.
وزادها شهرة وقوفها ضد ختان الاناث،واصدارها رواية ( سقوط الامام ) التي اثارت حفيظة جهات دينية بينهم متطرفون وعصابيون، ومسرحية بعنوان (الاله يقدم استقالته في اجتماع القمة )..لتتهم بالردة والزندقة تضطرالسادات الى ان يسجنها،لتخرج من السجن بروايتها( مذكرات في سجن النساء).
ولم تضعف بوجه اخطار مهلكة،فطالبوا باسقاط الجنسية المصرية عنها بسبب ارائها لكن محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة رفضت ذلك.وكانت قبلها قد وجهت لها تهمة (ازدراء الاديان) ليوضع اسمها على ما وصفت ب( قائمة الموت للجماعات الاسلامية) فاضطرت الى مغادرة مصر والعمل في جامعات كولمبيا والسوربون وييل وهارفرد واخرى لتعود في 2005 الى مصر والترشح للانتخابات لكن طلبها لم يقبل لانه لا يستوفي الشروط المطلوبة.
الفيسبوك..مواقف
كنا رثينا نوال السعداوي بصفحتنا في الفيسبوك،باننا (خسرنا كاتبة وروائية بفكر جريء ،وبعقل طبيبة امراض صدرية ونفسية قد لا تتكرر بالرغم من انها لم تحقق شهرة في اوساط البسطاء الذين دافعت عنه كالتي حققتها بين اوساط المثفقفين ،وبرغم ما يحسب عليها من سلبيات وتطرفات)..فكانت هنالك عشرات التعليقات المتضادة بينهم اكاديميون، اليكم نماذج منها:
موقف (1)
* افنت عمرها في الدفاع عن حقوق البؤساء والجهلة الذين يشتمونها
* برحيلها وكأن احد اهرامات مصر قد هوى
* كل المجد لها فقد ايقظت الوعي العربي من سباته، واضاءت بافكارها اشد المناطق عتمة في تفكير المجتمعات المتخلفة
* كشفت عورة المؤسسة الدينية فاتهموها بمعاداة الله وازدراء الأديان
* مكنّها الله من اعدائها ولم ينتصروا عليها .
موقف (2)
* فكرتها صح بس لعبتها غلط . حاربت دين لم تفهم جوهره بسبب شدة غرورها وثقتها الزائدة بنفسها.
* تدخلت كثيرا فيما لا يعنيها وادلت بدلوها في الجب الخطأ
* من الخطأ مواجهة اقصى التطرف بأقصى التطرف،وللأسف..اختارتها.
موقف (3)
* ماتت من كانت تدافع عن الشذوذ الجنسي،ماتت من قالت ان حجاب المرأة يصيبها بالبلادة، ماتت من لا تعجبها قسمة الله في الميراث،ماتت من تستهزا بمناسك الحج وايات الله في القران ، ماتت من يعشش داخلها الشيطان حتى صارت تشبهه في الشكل والمضمون.
* انا لا ارى في وجهها هذا الا مختصرات لمساكن كبار زعماء الجن والشياطين
* استاذنا الفاضل..كيف تترحم على امرأة تنكر الدين الاسلامي،ولماذا تطلب لها الرحمة وهي لا تؤمن بالجنة والنار!
موقف
من تثير هذه المواقف المتضادة في يوم رحيلها،لابد انها شكلت ظاهرة اجتماعية..وقد حققتها نوال السعداوي عبر عمرها التسعيني. وسواء كان موقفك معها او عليها فأنك تعترف بشجاعتها وتحديها لمخاطر كانت تدركها تماما بأن (الخطر اصبح جزءا من حياتي منذ أن رفعت القلم وكتبت..ولا يوجد ما هو اخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب).
وسيكولوجيا،فان شخصيتها هي من النوع المتحدي،ومشكلة هذه الشخصية أن (الأنا) لديه يكون متضخما وحالة قدسية!وممتعة لأنها تشبع عنده حاجته لتحقيق الذات (المعجون) بالرومانسية.ولهذا السبب فأن نوال تزوجت ثلاث مرات..وجدت في الثالث ضالتها كونه طبيب ايضا وروائي ايضا! وماركسي ايضا!..ومع ذلك فانها انفصلت عن (شريف حتاته) هذا بعد 43 عاما!.
واذا كنت علمانيا او تقدميا بالمعنى العام للفكر والمعرفة،فانك تتفق مع آراء نوال السعداوي ،وتكبر فيها جرأتها وصلابتها لاسيما انها امرأة في مجتمع ذكوري وسلطة استبدادية وأرهاب داعشي.
وان كنت متدينا معتدلا فانك توافق على دعوتها لاحترام حقوق الأنسان لأن الدين الاسلامي سبق الأمم المتحدة في الدعوة اليها،ولن تسبها لأنك ملتزم بمقولة النبي محمد (سبّ الميت يؤذي الحي ولا يلحق بالميت). ولكنك ستعتب على نوال انها لم تكتشف جوهر الأسلام ،وتدين بالتأكيد بعض ما يفسر من ارائها بأنه نوع من التسفيه للدين.
اما المتطرفون دينيا ،فانهم يصدرون حكما بان الموت ورجم نوال السعداوي هو العقاب المستحق.
والمؤكد أن نوال السعدواي ستبقى بيننا في مؤلفاتها المثيرة للجدل التي زادت على الأربعين..تحرّك الفكر وتثير النقاش..وتلك هي مأثرة المفكرين الكبار..انهم يبقون بين الناس وان رحلوا.
23 / 3 / 2021
*