هي الصحافةُ التي لا تُكلفُ نفسَهَا عناءَ التفكيرِ في البحثِ عما هُو أصيلٌ، ليُزكِي النفسَ، ويُشْبِعَ غرائزَ الإنسانِ من ناحيةِ الفكرِ والإبداعِ لا الابتداعِ في اختلاقِ موضوعاتٍ خاليةٍ من الفكرِ الأصيلِ، ومليئةٍ بالكلماتِ المُبتذلةِ، والتي كُتبِتْ بلغةٍ رَكِيكَةٍ لا رقيقةٍ. القيمةُ فيها مفقودةٌ، والمعاني فيها غُيرَ أصيلةٍ، والفكرةُ فيها مَسرُوقةٌ، والهدفُ فيها محدودٌ، والبلاغةٌ فيها معدومةٌ، والقواعدُ النحويةُ مكسُورةٌ، والأحرفُ فيها مُبعثرةٌ بسببِ نقلِ الكلماتِ دُونَ مُراعاةِ ظروفِ الحدثِ الذي كُتِبَ من أجلهِ الموضُوعُ، ولأنَ تبديلَ الكلماتِ لا يَقَدِمُ شيئاً طالما الفكرةُ غَيرَ مترابطةٍ، والحَدَثُ مخفيُ المَعَالمِ والأطوارَ
الكتابةُ ليستْ كلماتٌ تُرصُ بجوارِ بعضِهَا حتى تخلُقَ موضوعاً، وإن تشابهتْ الأحداثُ وتَنَاسَقَتْ الظروفُ مع بعضِهَا فلن َتخْلُقَ عملاً إبداعياُ يُنمِي الفكرَ، ولو سَلمْنَا بأنَ الأحداثَ تتشابَهُ، والكلماتُ تتوافقُ، فهل يتشابَهُ فكرُ الكُتابِ والأدباءِ، وهل تتشابَهُ الأفكارُ والمعانِي واللغةُ الرصينةُ!
إِنَ الكتابةَ عَمَلٌ إِبدَاعِيٌ يخُصُ كَاتِبَهُ ومفكرَهُ فقطْ لا الذينَ يُزورُون ويَنقلُونَ ويَطمسُون ويَسرقُون، ويُدلسُون ويُمررون مُقَابِلَ المَعلُومِ من النقودِ والنفوذِ المُخْتَلقِ . وإِن للكتابةِ أدباءَ يَكتبونَ، وللكتابةِ لصوصٌ يُحورُون ويَسرقُون، وللقراءِ عقولٌ بها يُميزون، فاتقوا اللهَ أيها السارقُونَ، فما ينفعكُم المسرُوقُ من أعمالِ المبدعِينَ، لأن الحسرةَ تقتلُقُم وأنتمُ تنقلوُن ما لا تكتُبونَ!
الكتابةُ لها أدواتُها فَمَنْ أجَادَهَا فقد أُوتيَ قَدَرَاً عظيماً، وبَلغَ مَقَامَاً مَرْمُوقاً بينَ الأدباءِ فاعْزِفْ على مواطنِ العزفِ فِيهَا، فإنْ أصبتْ مَقَامَاتهِا عزفْتَ أعزَبَ الألحانِ التي تُطْرَبُكَ قبلَ أن تُطربَ النفسَ التَواقَةَ لسماعِهَا، وتذكرْ أن المخلوقَ ليس كالمُختلقِ من الكلماتِ، وليس الأصيلُ كالخسيسِ، لأن الخسيسَ فيه الطبعُ غلابٌ، يَبْتُرُ ويَتْرُكُ الجراحَ بلا تضميدٍ، يبترُ ولا يكتبُ، وكان عليه أن يتعلمَ فنُ الكتابةِ عَلَهُ يُحَاكِي ِبها ما فقدَهُ من الإبداعِ!
المعادنُ كثيرةٌ في باطنِ الأرضِ، لكنْ إِخراجَهَا يحتاجُ إلى كُلِ الإمكاناتِ، فمن يَملُكُهَا يُخْرِجُهَا، ومن يقدرُ على تنقيتِها من الشوائبِ فليفعلْ، ومن يقدرُ على تصنيعِهَا فيفعلْ، ومن يقدرُ على مزجِها بالمعادنِ الأخرى لزيادةِ جودتِهَا فليفعلْ، أمَ الذي لا يستطيعُ فليخْمَدْ!
والمعادنُ تخرجُ من باطنِ الأرضِ، وكُلُهَا تنفعُ في الحياةِ، لكنْ فِيهَا الثمينُ كالذهبِ الذي لا يَصدأُ، و لهُ لمعانٌ وبريقٌ، ويقبلُ التشكيلَ بجانبِ التطويعِ مع النفيسِ من المعادنِ كالألمَاسِ واللؤلؤِ والزُمُردِ والمُرْجَانِ، ويحفظُ في واجهاتِ محلاتِ المُجوهراتِ، ويباعُ في علبٍ من القماشِ الزاهِي الألوانِ!
وإنْ أرادَ الملوكُ أن تخلدَ ذكراهُم كتبُوهَا بأحرفٍ من الذهبِ الخالصِ لتوضعَ في المتاحفِ كي يراهَا الأحفادُ، وإِنْ أردنَا تخليداً للذهبِ كتبنَا بِهِ القرآنَ!
ماجستر: أحمد إبراهيم مرعوه