د. عماد الدين الجبوري
لم يمضي شهراً واحداً على إعلان المقاومة العراقية لمجابهة قوات المالكي الطائفية في 24-4-2013. إلا أن متابعتنا للأخبار ومراقبتنا للأحداث الجارية عن العمليات اليومية التي تشنها فصائل المقاومة المدعومة من العشائر العراقية المناهضة للإحتلال وحكوماته، نستطيع أن نستشف شيئاً من ستراتيجية المقاومة في هذه المرحلة بالذات. إذ رغم الإشتباكات والكمائن والقصف الصاروخي والمدفعي في العديد من المواقع والمراكز لقوات المالكي داخل المحافظات الثائرة، نجد أن الإهتمام بقطع الطُرق الرئيسة التي تربط بين المفاصل المهمة والحيوية واضح وجلي.
ولعل التركيز على محافظة صلاح الدين يبين لنا الصورة على نحو أشمل. فهي تقع على الطريق الرئيسي المؤدي إلى شمال العراق من العاصمة بغداد ومتوجه إلى سامراء وتكريت مروراً في بيجي بالطريق إلى محافظة نينوى. ومن تكريت، مركز المحافظة، هنالك طريق رئيسي يؤدي إلى شمال شرقي محافظة كركوك. وكذلك هنالك طريق رئيسي آخر يقطع المحافظة في بيجي ويتجه صوب الشمال الشرقي وصولاً إلى كركوك أيضاً، وبإتجاه الجنوب الغربي وصولاً لبلدة حديثة الواقعة في محافظة الأنبار، ويعبر إلى مدينة القائم الواقعة على الحدود العراقية السورية. فضلاً عن أن سكة الحديد في العراق تمر عبر محافظة صلاح الدين مع توفر الخدمة من بغداد ولغاية نينوى عن طريق تكريت.
ومن هنا نجد إن رجال المقاومة الأبطال قد فرضوا سيطرتهم التامة على طريق بيجي تكريت بعد هجومهم العنيف على سيطرات قوات المالكي المتكونة من أذرع ميليشية سواء عبر قوات سوات السيئة الصيت، أو المدمجة بقطعات الجيش، أو في تشكيلات الشرطة الإتحادية.
وفي محافظة صلاح الدين أيضاً جرى ما يلي: مسلحوا الفصائل ورجال العشائر أغلقوا طريق العلم الذي يربط تكريت بكركوك. وأكدوا أنهم ليسوا ضد الشرطة المحلية أو أهالي المنطقة، بل مع القوات المالكية التي إقتحمت ساحة الإعتصام وأرتكبت مجزرة الحويجة صبيحة يوم الثلاثاء الموافق 23-4-2013.
والملاحظ في هذه الإستراتيجية القتالية أن المقاومين لا يريدون الإحتفاظ بالمواقع المكانية التي يطهرونها من نجس قوات المالكي. وإنما تبقي الأرض مفتوحة لصولاتهم، حيث هم مَنْ يختار المكان ويحدد الزمان في التوقيت والتنفيذ. ولذلك تجد أن قوات المالكي قد تركت الكثير من مواقعها وتخلت عن السيطرات التي نصبتها على الطُرق الرئيسة. وهذا ما يؤكد ويثبت نجاعة ستراتيجية المقاومة العراقية التي تمتلك خبرة وحنكة وممارسة ضليعة في خوض المجابهات والمعارك الميدانية. كيف لا وجل بواسلها من عناصر الجيش الوطني السابق الذي يعترف بعقليته الحربية العدو قبل الصديق. بينما قوات المالكي الطائفية تفتقر أشد الإفتقار إلى هذا البنيان العسكري المتراكم.
إن قوات المالكي التي ترتكن إلى الوضع العام حيث الإعتماد على فرض حظر التجوال في المناطق الملتهبة. لكن هذا النهج الأمني لا يحقق لقوات المالكي ذلك التغير العملي الملحوظ على أرض الواقع. بل إنه مجرد إعاقة للحركة المدنية وشل حقيقي للحياة فيها لا أكثر. كما جرى في تكريت مثلاً، حيث أدى إلى تعطيل جميع الدوائر والمؤسسات الحكومية، بما فيها التعليمية في جامعة تكريت والمعاهد والمدارس. علاوة على غلق المحلات والشركات الأهلية.
هذا إن لم نشير إلى أن حظر التجوال يعكس حالة الذعر والخوف داخل صفوف المالكي. حيث أن أشاوس المقاومة مستمرون في هجوماتهم وضرباتهم الليليلة منها والنهارية. وبالتالي لا يشكل هذا الوضع الأمني الإحترازي أدنى إعاقة فعلية لعمليات للمقاومة ولا تكترث لزمنيته أصلاً. حيث أثناء منع التجوال في بيجي والشرقاط جرت فيهما إشتباكات بين فصائل المقاومة وقوات المالكي.
إن هذه الإستراتيجية في بسط السيطرة على الطُرق الرئيسة، تدفع بقوات المالكي أما أن تلوذ بالفرار هلعة من ضربات المقاومة الفجائية بالظهور والإختفاء، أو التمسك بمواقعها في السيطرات والثكنات. وفي كلتا الحالتين تكون عرضة للخسائر المتواصلة بشرياً ومادياً. مما يوجب على المالكي أن يسحب بعضاً من أذرعه الميليشية في الجنوب والوسط. كما فعل بنقل فوجاً من قوات سوات في البصرة وزجه نحو المناطق الغربية. وهذا الأمر يكون أيضاً لصالح مستقبلية ستراتيجية المقاومة وفي جانبين أثنين.
أولهما: إيقاع المزيد من الخسائر الجسيمة في قوات المالكي. وكما ضعفت قوات الإحتلال الأمريكي في السابق على يد ضربات أبطال المقاومة الوطنية المسلحة، فإن قوات المالكي لا محالة ستلاقي حتمية هذا المصير آجلاً أو عاجلاً.
وثانيهما: رفع الضغط عن الخلايا النائمة لفصائل المقاومة العراقية في الوسط والجنوب. وكذلك شد قوى الممانعة بشكل أمتن وأصلب، جراء نجاعة ستراتيجية المقاومة القتالية.
وهذا نزر يسير لأوضاع ميدانية ستتفاقم تدريجياً حتى يصل الصراع المسلح إلى نقطة الحسم بين فصائل جهادية تؤمن أما بتحقيق النصر أو الشهادة. وبين ميليشيات طائفية وصلت للسلطة عبر تعلقها في درن البصطال الأمريكي الذي توحل بأرض الرافدين فآثر الهروب والإنسحاب. فهل بمقدور المالكي ومن وراءه النظام الإيراني أن يعوا الدرس؟ أم مازال في القوس منزع؟