د. علي عبدالحمزه
كتبتُ في مقالة ٍ سابقة بعنوان السلطان أردوغان وسياسة التتريك نُشرت على العديد من المواقع ، تناولتُ فيها السبل التي تتبعها تركيا أردوغان في تعاملها مع الملفات ذات العلاقة مع الدول العربية وبالأخص منها العراق ، وفي هذه المقالة أتناول فيها ما جاء على لسان السيد أردوغان بخصوص العراق وتدخله في شوؤنه الداخلية وخروجه عن اللياقة والأعراف الدبلوماسية والبروتوكولية في التخاطب الرسمي ، إذ أعلن في خطاب له أمام مجلس النواب التركي بأن العراق مقبل على حرب أهلية طائفية ما لم يراجع العراق وحكومته سياستها وتعيد النظر في إداءها ، وكأنه الراعي والوصي على العراق الذي برأيه القديم الجديد وكأنه الفاقد للأهلية ، وأبدى ما رآه من مقترحات لتجاوز الأخطاء التي تحصل في كل العوائل السياسية ، ولكنه يبدو أنه نسي نفسه متعمداً ونسي ما يعانيه هو داخل تركيا من مشاكل كبيرة ، منها ما غادرها العراق بحنكة ودراية وحكمة وهي قضية الكرد التي يفتخر العراق أيما إفتخار بأنه عالج هذه القضية حينما طبق النظام الفدرالي وجعل للكرد حريتهم في حكم أنفسهم بأنفسهم وإدارة شوؤنهم بكل حرية داخل الوطن الأم العراق ، يتمتعون بكافة الحقوق التي ناضلوا من أجلها زمناً طويلاً ضد النظام الدكتاتوري الذي يعيد صورته وطروحاته الآن السيد أردوغان ، إذ مازالت تركيا تعمل بالقانون أو الدستور الذي نص ومازال ينص صراحةً على إهدار حقوق الكرد بل ينفي من الأساس وجود قضية إسمها قضية كرد في البلاد ، ومنذ إنتفاضتهم عام 1925 التي فجروها بعد تأسيس دولة تركيا الحديثة على أنقاض الأمبراطورية العثمانية الميتة عام 1923 ، إذ سارعت قوات تركيا الحديثة بأخماد هذه الثورة على مدى سنتين 1937-1938 وحصول مجزرة كبيرة بحق الكرد راح على أثرها مايقارب 13000 شخص ضحية لأجرام وتسلط وعنجهية الترك ونظرتهم الدونية للقوميات الأخرى إضافة ً إلى ذلك تأريخ تركيا الدموي المتمثل بأبادة شعب الأرمن بتلك الجريمة التي وإن مضى عليها الزمن إلا أنها تجددت في الظهور بفعل وتأثير مطالبات المنظمات الراعية لحقوق الأنسان والتي توصلت الآن إلى تجريم إنكار حدوث هذه الجريمة ، وكل هذه والسيد الطيب أردوغان يتناسى ذلك الماضي ويريد من الآخرين المتنورين أن يتناسوه رغماً عنهم بل ويزيد على ذلك بأستمراره على نهجه وهواه حينما نراه يتدخل في شوؤن العراق الداخلية ليصور نفسه بأن العراق هو ذاك العراق البلد التابع للدولة العثمانية يتلقى الأوامر والتعليمات من الأستانة وإن شعبه يدعو في كل صلاة أن يحفظ الله السلطان ويطيل في عمره لأنه المرتدي للقميص الذي ألبسه الله إياه … كلا يا أردوغان وألف كلا فالعراق هو التأريخ والأرض والعمق والحضارة والمجد والرسالة ، وإن كان أن حدث فيه بعض الأخطاء والمنغصات فتلك هي والله عركة مصارين كما يقال وزعل أهل بيت وعائلة واحدة ، فما من عائلة لم يحدث فيها من الزعل شئ سرعان ما تزول غيومه ويعود صفاء الجو لسابق عهده ، لا ندعي إننا في العراق نعيش جمهورية إفلاطون الفاضلة ليس فيها خلل خالية من المشاكل .. لا أبدا ً أننا نعيش كشعب موحد في بلد نهض للتو ووقف على قدميه كما يجب ويليق به بعد أن أرادت له الأنظمة الكدتاتورية التي حكمته أن لايكون له صوت .. نحن شعب له من التأريخ الذي يكفل له إرتباطه وتجذره بأرضه وبالتالي تمسكه بها أن يعتز كل الأعتزاز بهذا الأنتماء وهذا التجذر .. فهلا قرأت ياطيب كم من الحروب والويلات التي مرت على العراق ومنها حروب أجدادك من بني عثمان مع بني ساسان على أرضنا أرض الرافدين أرض العراق ، وكم عانى منها العراق حتى خُيل أنه لن تقوم له قائمة وكان في كل مرة ينهض كطائر العنقاء سليماً معافى وكأن شيئاً لم يكن ، ينهض ليعيش حياته مثلما تليق به يا سيد أردوغان .. أرجو أن تراجع حساباتك وأن تستشر مستشاريك وأن تأخذ الرأي الصحيح منهم إن نصحوا وتخلوا عن عنجيتهم ، لتفهم بأن عجلة الزمن لا تعود للوراء وإن كل ما فات مات ونحن أولاد اليوم فلا وصاية ولا طاعة إلا للعراق ولا غير العراق ، وإذا كان قد شجعك بعض ضعاف النفوس والمهزوزي الجذور فذلك شأنهم وإنهم عملوا بما ينطبق عليه وصف قرين الشئ منجذبٌ إليه ، وتلك خصالهم التي تنطبق عليهم وحدهم وليس على العراقيين ككل ، فلا تتشجع للآراء المريضة التي تنهال على مكتب جناب حضرتكم والتي توحي لكم بصورة من ضعف العراق وأهل العراق … إنها نصيحة لله فالعراق قوي بأهله وإن حدثت مشكلة هنا أو هناك ، فوالله ماهي إلا جرعات مناعة تزيدنا خبرة في الحياة وفي التعامل السياسي فلا يغرنك المغرون ولا يأخذنك بالله وبالعراق الغرور وتتصور إن ماقمت وتقوم به غير مفهوم القصد والنوايا ، فمشادتك الكلامية في دافوس مع بيريز الصهيوني ما هي إلا تمثيلية مدروسة وواضحة وضوح مسرحية الواد سيد الشغال ، وماسفينتك إلى غزة إلا عمل مسرحي واضح إن إنطلى على المغفلين من الأعراب فأنه لم ينطل على العراقيين المفتحين باللبن والذين يقرأون الممحي والله لا يثردلك معاهم .. فكيف لك أن تعادي من كان وكنت معه حليف عسكري ولك معه مناورات عسكرية مشتركة كل سنة ، فالعراق والعرب الأقحاح ليسوا بحاجة لشخصك كي تقودهم ، فبلاد العرب ولادة بالرجال الرجال ولك في قراءة التأريخ معرفة حقيقة ذلك يارجب ياطيب يا أردوغان، فقبل أن تحشر أنفك لتداوي جراح الآخرين داوي نفسك أولاً ، وقبل أن تخيط فتك الآخرين خيط فتكك .. فأننا نراك تتكلم وبحرقة قلب عن حقوق الأنسان نراك إنك المنتهك لهذه الحقوق في بلدك !! أيعقل أن يعيش الرجل دون هوية ويُمنع من لبس زيه الخاص به والتحدث بلغته ونحن نعيش العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين .. أعط حقوق ناسك ثم تعال وأنظر لجوارك لتجعل من نفسك مصلح الزمان الجديد ، وجوارك ليسوا بحاجة لك بقدر حاجتهم إلى من يُهديك ويرسخ عقلك في رأسك ولله في خلقه شوؤن ، ويارجب حوش نفسك عني ستر الله عيوبك وأصلح شأنك .