لاشك أن ماصدر عن الرئيس التونسي قيس سعيد من قرارات حول إعفاء رئيس الوزراء هشام المشيشي وتجميد عمل البرلمان لمدة 30 يوم ورفع حصانة كل النواب وتوليه السلطة التنفيذية وكذلك إعفاء وزيري الدفاع والقضاء ومنع السفر للنواب والوزراء وغيره من القرارات وفق المادة 80 من الدستور الذي تم وضعه عام 2014 حتى بحضور وتأيد حركة النهضة له ، يشكل بداية ومنعطف في تاريخ تونس والمنطقة بأكملها، وخصوصاً إن هذه القرارات تم صدورها بعد مظاهرات وحراك شعبي ضد سلطة فاسدة لحركة النهضة وحلفائها من قلب تونس وإئتلاف الكرامة، بعد أن حكم حركة النهضة تونس لحوالي 11 سنة بعد ثورة تونس وشرارة بو عزيزي. إن هذه التحركات الجديدة التي يمكن وصفها بالثورة على الإخوان أتت في يوم تاريخي للشعب التونسي في الذكرى 64 لذكرى إستقلال تونس وخلاصها من الإستعمار الفرنسي.
حركة النهضة الإخوانية التي هي إمتداد لحركة الإتجاه الإسلامي التي كانت منذ 1972 وتيار الإسلام السياسي إلا أن تم وجودها كحزب سياسي مرخص نتيجة الظروف و بعد أحداث الربيع العربي، ومن المهم معرفة أن حركات الإسلام السياسي تدخلت في التحركات الشبابية والجماهيرية بعد إنطلاقتها في البلدان العربية بعد 2010 وعملت على الإستفادة من حالات التحركات الجماهيرية وحالة ضعف السلطة والرقابة في بعض البلدان وقدمت نفسها كممثل عن الجماهير والثورات في مشهد مسرحي وبمظلومية من الحركات القومية العربية وبعباءة الدين مما كان لها التعاطف الجماهيري معها بعد زوال وإنهيار الدكتاتوريات القومية ، لكن بعد وصول هذه التيارات الإسلاموية للحكم والسلطة تبين حقيقتها المزيفة وتضليلها الجماهير والشباب وظهر فسادها وعدم إكتراثها و إهتمامها بالقضايا الاساسية للمجتمع من الفقر والبطالة والصحة والتعليم والتنمية وغيرها وبل أن غايتها الاساسية وهي البقاء في الحكم بشكل أحادي ومطلق دون القبول بالشراكة الفعلية والحقيقة وعدم الإحترام للمخالف والمعارض .
وكان من أخطر سلوكيات النهضة وجوقة الإخوان وبعض الليبراليين الإنتهازيين معها هي:
1_تبعيتها للخارج وإرتباطها بالتنظيم الدولي للإخوان وجعل تونس ومقدراتها مرتكزات وإمكانيات للتنظيم العالمي للإخوان بدل أن تكون مقدرات تونس لأهلها لتحقيق الرفاهية والتنمية بعد المعاناة والأوضاع القاسية في ظل حكم زين العابدين بن علي.
2_الدور السلبي الذي لعبه النهضة في استقرار الدول العربية مثل الأزمة السورية و الأزمة الليبية، حيث كان للنهضة دور مسهل و مساعد لتركيا في احتلالها لغرب ليبيا وجلب المرتزقة وتمكين حكومة السراج ومجلس الدول بقيادة الإخواني خالد المشري، وحتى أنه يقال كانت تركيا تنزل مرتزقتها وجنودها أحياناً في تونس بمساعدة النهضة قبل اخذهم إلى ليبيا أثناء محاربة الجيش الوطني الليبي للمرتزقة في حول العاصمة.
2_قتلها للمعارضين والمخالفين عبر جهازها السري مثل قتل السياسي التونسي الشهير محمد البراهمي بطلقات غادرة وكذلك قتل شكري بلعيد وغيرهم ووجود مخططات لتهديد و لإستهداف أغلبية قادة المعارضة الذي لايقولون نعم لراشد الغنوشي وللنهضة.
3_تلاعبها بمفهوم الديمقراطية وأعتبارها كفر وإلحاد ونفاق أحياناً واعتبارها حالة صحية ورداء وعباءة إسلامية مجازة عند الحاجة للوصول للحكم و لمخاطبة العالم الغربي و تمكين نفسها للقفز فوق الإستحقاقات الشعبية والمجتمعية والمطالب للقوى السياسية الوطنية.
4_كونها أي النهضة كانت حاضة لداعش والقاعدة وغيرها من التنظيمات الإرهابية. حيث أن كل الدراسات الأمنية والبيانات تؤكد أن نسبة إنضمام التونسيين لداعش والقاعدة وغيرها هي من أعلى المعدلات بين الدول الإسلامية ولاشك أن للنهضة ووجودها في السلطة دور كبير في ذلك.
5_كون النهضة وغيرها من الحركات الأخوانية في العالم العربي تمثل أدواة وأذرع للمشروع التركي القومي باسم العثمانية الجديدة المغلفة بالراء الديني ومحاولة إستخدام وإستغلال الدين الإسلامي ومقدسات الشعوب في هدفها البقاء في الحكم ونهب المجتمع.
6_ تشكيل النهضة لجهازها السري خارج الأطر الرسمية ومؤسسات الدولة التونسية، كونها تعرف أن الشعب لا يثق ولايؤمن بها ولابد أن يعرف حقيقة كذبها وعملها المضاد لمصالح المجتمع والعامة ولذلك كأغلب حركات الإسلام السياسي لها عصاها الغليظة وجهازها السري لتهديد وقتل كل من يقف في وجهها.
إن المواقف العربية والإقليمية والأوربية والأمريكية وعلى اختلاف نبرتها ولهجتها الدبلوماسية المتفاوتة والتي تؤكد على مراقبة الأجواء والإجراءات الرئاسية مع عدم رفضها وحتى دعمها من الكثيرين، التي ظهرت بعد ثورة الشعب التونسي يوم 25 الشهر الجاري ضد منظومة الإخوان في السلطة من الإجراءات التي إتخذتها الرئاسة التونسية مع القيادة العسكرية والأمنية، تؤكد أنه ليس لحركة النهضة الأخوانية سوى صديق أو راعي واحد وهو أردوغان وحزب العدالة والتنمية وأدواتها الأخوانية في الدول العربية والعالم الذين رفضوا ثورة الشعب التونسي وأعتبروها إنقلاب و رفضوا قرارات الرئيس التاريخية ووفق الدستور التي ستحافظ على الاستقرار وعلى الشعب التونسي مستقبله ومؤسسات دولته وهذه القرارات تجسد الإحساس بالشعب ومعاناتها وبالخطورة التي كانت ستهدد وحدة واستقرار البلاد في حال تدهور الأوضاع نتيجة الرفض الشعبي و استمرار النهضة في الحكم غير مبالي بالشعب التونسي ،كذراع لقوة إقليمية تهدف احتلال البلدان العربية وكمشروع إخواني عالمي ليس لديه إنتماء وربط مع الأرض والشعب والدولة الليبية.
ولكن مسار تطور وتقدم ثورة الشعب التونسي وجيشه ورئيسه ضد النهضة الإخوانية لم يتبين بشكل كلي وربما لديها من التحديات والعراقيل مما يستوجب اليقظة والحذر والتعامل بحرفية ومهنية شديدة مع التطورات ورود الأفعال الممكنة ظهورها من النهضة وأتباعها وجهازها السري وحتى من المرتزقة المتواجديين في غرب ليبيا كون هناك عدد لاباس به من التونسيين الذين لديهم خبرة قتالية في العراق وسوريا وحتى أفغانستان سابقاً وحتى من الممكن أن تحرك تركيا مرتزقتها في غرب ليبيا لمساعدة النهضة الذين يتجاوز عددهم حوالي 15 ألف مرتزق من جنسيات عديدة من مايسمى الجيش الوطني السوري الذي شكلته المخابرات التركية كإنكشاريين جدد تحت طلب سلطان الأخوان أردوغانوحزبه، وهنا ستكون المنطقة امام حالة عدم استقرار وفوضى عارمة يجب حتى على الدول المجاورة وخصوصاً الجزائر ومصر وحتى أوربا والدول الأفريقية والقريبة الإنتباه ومراقبة الأحداث بحذر شديد وخصوصاً خطوات مرتزقة تركيا في ليبيا وجوارها.
كانت تونس في مراحل كثيرة هي التي منها يبدأ تحديد نمط وشكل القادم في شمال أفريقيا كما لبنان والعراق في محيطها، وكانت اخرها مايسمى الربيع العربي والآن سيكون لثورة الشعب التونسي على الاخوان تبعاتها ونتائجها المؤثرة في الإقليم وخصوصاً في شرق البحر الأبيض المتوسط والمنطقة العربية والشرق الأوسط. وأن فقدان مشروع الاحتلال التركي للدول العربية والمنطقة( مشروع العثمانية الجديدة) أحد أدواتها المثالية كالنهضة للحكم الذي تم تقديمه للمحيط العربي وشعوبها كنموذج مدني وديمقراطي على غير حقيقتها لخداع الشعوب وتضليلهم ودفعهم للقبول بالتبعية و بالعثمانية وأردوغان.
ولاشك أن ثورة الشعب التونسي الحالية وإبعاء الإخوان من المشهد السياسي والإجتماعي في تونس سفتح أفاق مزدهرة وجميلة و سيكون لها أبعاد و تفاعلات إيجابية على مصلحة الشعب التونسي اولاً وستعيد تونس إلى لونها الأخطر المليئ بالحياة البعيد عن سواد النهضة وتفرعاتها ومن ثم سيكون لها نتائج محققة ومساعدة على تحقيق الاستقرار والأمن والسلام على تونس والمنطقة على المدى القريب والمتوسط وحتى القريب إن لم يتدخل بعض الدول الإقلمية وعلى رأسها تركيا ومن ورائها لخلط الأوراق وتمهيد المنطقة للفوضى ولمشاريع الهيمنة العالمية.