عبد الكريم حمزة عباس
عنوان القصيدة هو عتبة الدخول إلى المعنى العام للنص، فعنوان آداب الوليمة يقود القارئ للوهلة الاولى إلى معنى ( وليمة الطعام ) المعروفة ، و الوليمة في اللغة هي ما يصنع من الطعام و يدعا اليه الناس ، وهنالك آداب معروفة لوليمة الطعام تلك.
و لكن وليمة الشاعرة ( نرجس عمران ) ليست وليمة مادية ، إنها وليمة معنوية بين ذاتها الشاعرة و الطرف الآخر، إنها وليمة الحب التي أقامتها الشاعرة ساعة الهجر بينها وبين الطرف الآخر، وليمة ساحتها أحلام اليقظة.
إن أحلام اليقظة عبارة عن استجابات بديلة للاستجابات الواقعية ، فإذا لم يجد الشخص وسيلة لإشباع دوافعه في الواقع ، فإنه قد يحقق إشباعا جزئيا عن طريق التخيل و أحلام اليقظة ، وبذلك يخفف القلق المرتبط بدوافعه.
إن أحلام اليقظة قادت الشاعرة نحو الصور الحبيبة التي ظلت محفورة في ركن من أركان ذاكرتها( قادنا صوت فيروز في موكب الرجوع إلى حيث البدايات ) إشارة الى اغنية المطربة فيروز ( راجعين يا هوى راجعين …..) .
الشاعرة نرجس عمران خلال حلم يقظتها كانت واعية لهذا الحلم ، فهي تخلت عن كل شيئ يومي وعن هموم الحياة العادية و تركت نفسها لحلم اليقظة هذا ( في تمام ساعة الهجر جلسنا حول مائدة الحب ) ، وكان زاد هذه الوليمة الرغيف ولكنه ليس رغيف الخبز انه رغيف الأشواق( تقاسمنا رغيف الأشواق، لقمة فرحة ، لقمة غصة ) ، وبعد الوليمة تم احتساء الشاي ولكنه ليس الشاي السيلاني الذي نحتسيه بعد الطعام ، أنه شاي الذكريات ( و أيضأ احتسينا شاي الذكريات ) .
أحلام اليقظة هذه نوع من الخيال لأنها ناتجة من التمني ولا تعيش الواقع ، بل تعيش واقعا تتمناه.
الصور الشعرية في القصيدة كانت متتالية ومتوالدة بإتقان( يخال لي أن الزمن واقف على قدم واحدة ) وهي إشارة إلى طيور الفلامنكو عندما يداهمها النوم تقف على قدم واحدة و يكون جسمها أكثر ثباتا مع فقدانها الوعي.
فالزمن هنا وقف لحظة بثبات ولكن لمدة قصيرة حيث ساقه الواقف عليها قد سرى فيها خدر اليأس، لأن الطائر اذا احس ان ساقه قد بدا فيها الخدر يكون جسمه عرضة للسقوط لعدم ثباته، وهذا تشبيه جميل للزمن بحالة طائر الفلامنكو.
لقد جعلت الشاعرة نرجس عمران المتلقي أمام حكاية حدثت في حلم اليقظة و قامت بسردها بطريقة فنية أوضحت للقارئ أنها حكاية واقعية .
لقد كان خيال الشاعرة واسعا ، و بفضل هذا الفضاء الواسع أصبحت لغة القصيدة مسعفة لهذا الخيال ، ولهذا تم خلق الدهشة عند المتلقي الذي يبحث عن فجوة في اللغة الشعرية ليستريح من واقع ممل.
الشاعرة صورت حالتها ما بين الغفوة و اليقظة ، وهي التي سمحت بتدفق الصور في النص، و استطاعت أن تترجم إحساسها و مدركاتها الفاعلة في جسد النص لتحيله إلى لغة حلم يعيشها القارئ.
لقد حاولت الشاعرة ( نرجس عمران ) تقريب المسافة بينها و بين الآخر( وكنا بفضل جسر من وفاء نصل سوية إلى مفرق البقاء ) من خلال إطلاق العنان لخيالها و الخوض في ميدان واسع و كبير من الشعور باللذة من خلال أحلام اليقظة و ما يعتريها من تداعيات ضجت بمشاعر مختلفة عاشتها الشاعرة في خيالها فتصارعت اللذة مع الالم و النشوة مع الحرمان و الجسد الحقيقي مع الجسد الغائب ( فأنا لم يسبق لي أن رأيتني سعيدة هكذا ) .
فأنتجت هذه اللوحة المتميزة بأبعادها الفنية و الإبداعية .
عبد الكريم حمزة عباس .
==========================
آدابُ الوليمة
في تمامِ ساعةِ الهجر
جَلسنا حولَ مائدةِ الحُبّ
على شرفِ الأيّام
تقاسمنا رغيفَ الأشوَاق
لقمةَ فرحةٍ
لقمةَ غصَّةٍ
وأيّضًا احتسينا
شاي الذِّكريات
تبادلنا الأكوابَ بعبثيةٍ تارة ً
وعلى ميلة القلبِ تارةً أخرى
قادنا صوتُ فيروز
في موكب الرُّجوع
إلى حيث البدايات
يُخالُ لي أنَّ الزَّمن
واقفٌ على قدمٍ واحدةٍ
في لحظةِ الصَّفا هذه
وأنَّ الهوُّة جداً عميقةٌ
بين ماضِيه وغَدِهِ
وسَاقُه هذه قد سرى فيها
خَدَرُ اليأسِ
كنا نعومٌ كأمواجٍ
على بحر السَّعادة
وكم حلقتْ بنا أجنحةُ الأمان ؟!
وكم اعترضَتْنا غيومُ حسدٍ وغِيرةٍ ؟!
وكنا بفضلِ جسرٍ من وفاء
نصلُ سويَّا
إلى مفرقِ البقاء
على نافذةِ هذه اللحظة
المطلَّة على عالم ٍ
ضَبابيُ اللون
هُلاميُ الملامح
وقف عصفورُ المبادىء
يراقبُ آداب َالوليّمة
وكيف أن َّيده الغارقة
بزيت الحنان ؟!
ناولتي
لقمةً
من حلاوة الرُّوح
فاضطربتْ مشاعري
على حين غرَّة
ودبَّتِ الحياة
فيها وكأنَّها بُعثتْ من جديد
لم أعرفني حينها !
فأنا لم يسبقْ لي أن
رأيتني سعيدةً هكذا
نظرتُ إلى مرآتي
رأيتُ وجهاً مُشرقاً
يشعُ احمراره حروفاً
مفادها الخجل
أسرعتْ يَدِيَّ إلى يَدِهِ
أمسكتْها ضَمتْها
هناك دفءْ اتقد في صدري حينها
تركتُ يده
وهرعتْ يدي إلى
يدي الأخرى قرصتْها
فصرختُ من شدّة الألم
ومن شدّة ألمي استيقظتُ
بحثتُ عنه
عن الوليّمة
عن المرآة
لم أجد إلَّا أثار سعادةٍ مارقة
تكاد تتلاشى
وقد أصابتْها خيبةُ الأحلام
هي ساعةُ اللقاء
ساعةُ الهجر
وفي كلتا الحالتين
كانت ساعةً ناطقةً بالجنون
وكم راقني ؟!
فأعِدْهُ لي وأدِمْهُ
يا هاجري
نرجس عمران
سورية