تحرّم الصيد وتمنع التدخين وتربية الكلاب والحمير.. بالصور: ماذا تعرف عن قرية العم وأولاد الأخ في العراق؟
صلاح حسن بابان
تعدّ قرية “كاني تاوك” من القرى المُميزة والمُختلفة عن القرى العراقية الأخرى بسبب ابتكارها سلسلة قوانين مستوحاة من العادات والتقاليد القديمة، الهدف منها حماية البيئة والدفاع عنها والتحفيز على التعلّم والدراسة، وتُطبق على أفرادها منذ أكثر من قرنٍ من الزمن، وهذا ما انعكس إيجابا على سكانها.
وربما تكون هذه القوانين غريبة ولافتة لمن يطلع عليها، ولا سيما مع تطوّر العصر وانتشار التكنولوجيا، لكنها تظل فريدة من نوعها لمساهمتها في نشر التعليم في القرية، وكون جميع سكانها من حاملي الشهادات الجامعية أو ما يعادلها.
37 عائلة
تسكنُ القرية الواقعة في ناحية “باسرمه” ضمن قضاء شقلاوة في محافظة أربيل بكردستان العراق 37 عائلة، ويبلغ عدد أفرادها نحو 200 شخص، ويعود عمرها إلى أكثر من قرن من الزمن، وجميعهم من جدٍّ واحد اسمه أحمد آغا شيخر المولود في نهاية القرن الـ19 والمتوفى عام 1975، ولهذا أطلق عليهم أيضا اسم قرية “العم وأولاد الأخ”.
بالإضافة إلى أن سُكان هذه القرية لا يربون الأغنام والمواشي والأبقار، فإن من قوانينها أيضا تحريم الصيد، ومنع التدخين وتربية الحيوانات المنزلية فيها، وتحديدا الكلاب والحمير، بالإضافة إلى إجبار أي شخص يبلغ الـ18 عاما على تعلّم السياقة والحصول على رخصة.
يقول مختار القرية عبد الرزاق آغا إن منع التدخين صدر بتوجيه من والده كاكو أحمد آغا شيخر (1928-1996) الذي كان يُدخن يوميا نحو 3 علب سجائر لكن بعد اكتشاف أضرارها، نصح أولاده وأحفاده بعدم التدخين أبدا، وأصبح ذلك ما يشبه أمرا لسكان القرية.
رغم أن سُكان القرية يعتمدون على الزراعة بنسبة عالية جدا، وانشغال رجالها في تأمين لقمة العيش، فإن القوانين فيما يتعلق بالتعليم والدراسة والاهتمام بهما، أسهمت في منع انتشار الأُمية فيها.
ويقول المختار إنه تم تحريم الصيد في قريتهم بهدف التمسك بالطبيعة والحفاظ عليها وحمايتها، متسائلاً في حديثه للجزيرة نت ” ماذا يُمكن أن يستفيد الإنسان من اصطياد طائر بسيط يُسهم في جمال الطبيعة ويزيد من سحرها؟!”.
وتفرض القوانين السارية على سكان القرية إكمال الدراسة وعدم تركها لحين نيل شهادة سواء جامعية كانت أو من معهد أو ما يُعادلهما، وهذا ما جعل جميع أفرادها من حاملي الشهادات، ومنهم ما زال في الدراسة.
يتذكر رشيد كاكو (48 عاما) منذ أن كان صغيرا كيف كان يتلقى النصائح من كبار قريته، وهذا ما جعله بحالة غامرة من السعادة باستمرار، ويؤكد أن تطبيق هذه القوانين ساعد في حماية البيئة والطبيعة، ما جعلها مميزة ومُختلفة عن القرى الأخرى في البلاد.
كما “وسّعت هذه القوانين دائرة الحب والسلام والأمان والوئام بين السكان وضيقت دوائر الشر والخداع”، وفقاً لكاكو الذي يُشير في حديثه للجزيرة نت إلى أنهم ينظرون إلى بعضهم بعضا نظرة صدق وإخلاص كأنهم من عائلة واحدة.
وصول القرية إلى هذه المرتبة من التآخي والمعرفة، دفع كاكو إلى أن يزيد من طموحه بضرورة أن تُطبق القرى الأخرى في العراق نفس القوانين ولا سيما فيما يتعلق بحماية البيئة والحفاظ عليها وزيادة المساحات الخضراء في مناطقهم.
ورغم أن القرية تعود في جذورها لجدٍّ واحد، فإن كاكو ينفي أن تكون الزيجات محصورة بينهم فقط، ويقول إنه يُسمح بالزواج مع المناطق والقرى الأخرى.
مواكبة التطور
وحفّزت القوانين والأعراف المعمول فيها بالقرية الكثير من الشباب على الاستمرار في الدراسة وعدم تركها كما الحال مع هلكوت رشيد (20 عاما). ويقول رشيد إن هذه الأعراف مهمة لبرمجة حياتنا الشخصية والعامة ولا سيما فيما يتعلق بالجانب العلمي.
ويُشير رشيد -وهو طالب مرحلة أولى في كلية القانون- إلى أن القرية غير منقطعة عن التطوّر التكنولوجي الذي يعيشه العالم اليوم ومواكبة له رغم تمسك سكانها بالأعراف والتقاليد واعتزازهم بها.