بين التنظير والتحليل
صباح علي الشاهر
إذا كنت ماركسياً، فكل كلام لايستند إلى مايقوله ماركس، مجرد هراء، وإذا كنت إسلاموي فكل كلام لايتضمن قال الله تعالى، وقال نبيه الكريم ، ما هو إلا مجرد لغو.
هذا ما يتصوره البعض الذي لا يميز بين التنظير والتحليل، و بين البحث والشرح، وطبيعي هو غير معني بالوصف الموضوعي الحيادي، فهو في الحقيقة لا يصف ما يراه ، بل يسقط على ما يراه ما لا يراه.
ينسى، أو يتناسى الذي أمامه فينغمس فيما كان قبل أكثر من ألف عام، أو قبل قرن مضى، أو في النبش فيما بين الأوراق، فتتعطل حواسه، ويكون كالطبيب الذي لا يبحث عن المرض في جسم المريض الذي هو متمدد أمامه، بل يبحث عنه بين دفتي المراجع الطبية.
حسب الوصفة المعهودة ، كي تحلل وضعاً، ساحة التحرير مثلاً ، يوم 7-8- 15 فإنه قبل ذلك عليك أن تقلب ما كتب ماركس عن تحرك الجماهير، والدوافع خلف كل تحرك، ولا بأس من أن تقارن بين ما تشاهده الآن وما حدث قبل قرن أمام القصر الصيفي ( الأرميتاج فيما بعد) في بيترسبورغ ، وإذا كنت ممن يبدأ كل شيء بالبسملة، فإن عليك أن تقلب كتب التفاسير والفقه، وإن تدس بين قوسين كلاماً جليلاً، وحكيماً، لتعزيز ما تراه رؤيا العين المجردة، وما تسمعه أذنك، وأحياناً ما يشمه أنفك، إن كنت في الساحة، وكلما زادت الإستشهادات التي تأتي بها، والمصادر التي تعتمد عليها، كلما ثقل وزنك العلمي والفكري، رغم أن هذا الوزن مهما ثقل” كماً “، فهو لا معنى له ” نوعاً “، إذا لم تزيدنا علماً ودراية ومعرفة بساحة التحرير يوم الجمعة الموافق 7-8، ولم تعرفنا بالأسباب والنتائج والمآلات، والأهم الإجابة على سؤال : (مالعمل؟)
المنظرون والدعاة، لا يخلقون وعياً، ولا يعكسون واقعاً، بل هم يزيفون الواقع، ويشوهون الوعي.. والمنظر والداعية يريدك مُستمعاً، سبورة سوداء يخط عليها بطبشوره ما يشاء، ويمسح ما يشاء، وإنت مجرد مُستمع، مُتلق لما يُتلى عليك، فإن ناقشت وجادلت فبالحدود المرسومة سلفاً، والتي تزيد الشارح شرحاً، فإن خرجت على ما هو مرسوم، إن شطح بك الفكر بعيداً ، فأنت “زنديق” بالنسبة للداعية، و”مارق منحرف ” بالنسبة للمنظر.
ثمة عقول تظل ما عاشت حبيسة الوهم، الوهم الذي نخلقه نحن، ثم نتشرنق داخله، فنعمى عن رؤية الأشياء كما هي، بل نراها كما يراها الوهم الذي عشش في عقولنا، وبهذا نصبح شهود زور، ومزيفين للواقع، ويكون حالنا حال الطبيب الذي يخطيء التشخيص، وبدل أن يعالج المريض يقتله من حيث لا يدري .
اليساريون فرحون في ساحة التحرير، الإسلامويون فرحون في ساحة التحرير، الليبراليون فرحون في ساحة التحرير، من يريد الإصلاح كان منتشياً في ساحة التحرير، ومن يريد قلب الطاولة على اللاعبين كان سعيداً في ساحة التحرير، ومن كان يتحين الفرصة لمزيد من سفك الدماء كان يتربص في ساحة التحرير، حتى الفاسدين والسارقين ما كانوا هلعين ولا خائفين في ساحة التحرير، أو من ساحة التحرير ..
هل حدثت المعجزة، وأصبح الفرح عراقياً ؟
أم أن الكل يدعي وصلا بليلى.. وليلى عن الجميع مشغولة، ولم تقل كلمتها بعد ..
الأمور في ساحة التحرير تجري وفق آليتها، وآليتها إنبثقت من معاناة وآلام، طال بها الزمن حتى بدت كالقدر المحتوم.
للأغلبية الساحقة من العراقيين مصلحة في الحراك من حيث الجوهر، ولكن ليس لكل العراقيين بالتأكيد، هو على الضد من مصلحة البعض، على الأقل ذاك البعض المتهم بالفساد والتزوير والإستئثار والتفريط بمصالح الشعب والوطن، وذاك المستفيد من فتات الفاسدين المتخمين، وهؤلاء موجودون في كل الكتل، والكيانات، يمثلهم أعضاء بارزون مكشوفون، تصدروا المشهد السياسي، أو عاملون من خلف ستار، وأشخاص لم يتقلدوا مسؤولية لكن دورهم في التخريب والفساد أعظم وأكبر حتى ممن تقلد مناصب عليا، لذا فإنه لمن التبسيط والتزييف وإستغفال العقول، الزعم الساذج بأن المسبب هو فرد، أو بضعة أفراد، حزب أو بضعة أحزاب، كيان، أو بضعة كيانات، داخل السلطة أو خارجها..
نحتاج إلى القول بالفم المليان، المتسبب في كل هذا الخراب، إنما هو الاحتلال وعمليته السياسية بكل مفاصلها، ولكن هذا لايعني إغفال مسؤولية الأفراد الذين كانوا الأدوات التنفيذية لتمرير الخديعة التي سببت ، وما زالت تسبب كل هذه الكوارث.
فلنحذر هذا التبسيط المخل، الذي لو إعتمدناه سيضيّع هبة الشعب، ويجعلها كأنها لم تكن .. ويصدق علينا القول ( كأنك يا بوزيد ما غزيت).
قبل أن نبدل هذا وذاك، بهذا وذاك، دعونا نعرف أولاً، على أي نهج وقواعد، وأسلوب عمل سيسير هذا وذاك، وما هي الأهداف المُراد تحقيقها، وما هي قواعد العمل التي ينبغي التخلي عنها.
التبعية، والطائفية، والتقاسم الطائفي، والمحسوبية والمنسوبية، والرشوة، وبيع المناصب في المزادات العلنية، والفساد الذي لم يعد أحد يخجل منه، والترهل، وأهدار المال العام، ونهب حقوق الناس، والتجاوز على الملكية العامة، وتكريس التمايز بين طبقات وفئات الشعب العراقي، والتفريط بمصالح الشعب والوطن، ورهن مقدارات الشعب للبنوك والمؤسسات والشركات الأجنبية الإحتكارية، كل هذا يحتاج إلى قوانين تتسم بالصرامة والقسوة .
عندما تشرّع مثل هذه القوانين الواجبة التنفيذ، سيأتي النزيه والكفوء ليعمل بحدود وظيفته وواجباته، ولن يتقاضى أكثر مما يستحق، وستأتينا الكهرباء، وتدخل بيوتنا مياه الشفة، ويذهب أبناؤنا لمدارس عصرية، وسيتطبب مرضانا في مستشفيات لائقة، و سيجد المظلوم من ينصره، ويسير المواطن في شوارع المدن العراقية دونما خوف.