علي السوداني
فأما البرائد التي انشتلت وسط عنونة هذا المكتوب ، فلقد اجتهدنا وتفكرنا وتدبرنا أمرنا فنحتناها على أنها منحوتة مولودة عن جمع مفردة بريد . ولقد رأينا هذا من دون متكأ علمي فقهي لغوي ، انما جئنا اليه وأستللناه ، من فتق الفطرة والدربة والحدس والتخمين والذائقة وشيء من البطر والتفخيم والتضخيم . وأما مناسبة فتح هذا الباب ، فهي معمعة وجلجلة وبلبلة وقسوة الفايروسات التي تنقض على بريدك الألكتروني ، فيتقرصن بفعل قراصنة أوغاد مجاهيل مقطّمين . حدث الأمر معي غير مرة ومرة ، وكنت في كل واقعة من هذا التوصيف ، أحزن وأغضب ، وقد تكون غضبتي ، مزفوفة بسلة ملونة مشعة من ” الفشار ” الذي ليس بمستطاعك أن ترشّه على مجلس نسوان آمنات محصنات . ألبريد المنهوب – سادتي – سيتحول الى مدفن جماعي ، تنام ببطنه أسماء ومكاتيب الصحب والصويحبات . مقبرة ضخمة شواهدها مرشوشة ببقيا حروف الوداع ، أو بمرثية ستينية شائعة مخطوطة بريشة الخلاق هاشم البغدادي الخطاط . مصيبتك ستنمو وتسمن وتتسننّ ، اذا ما نجح حرامي بريدك ، في استعماله ، فيقوم بتطيير سلة من الرسائل المقلاة بطاوة الشتائم والسباب ، صوب ربعك في البلد وفي الشتات الشاسع ، وسيتعجب صحبك من هذا الفعل المشين ، وسيزعل واحدهم ، فيرد عليك بمثل ما كتبت وشتمت وفشّرت ، فلا مكتوبه يصلك ، ولا أنت بدار بالذي يجري ، وأذ لم تردّ على أحد أو ماحود ، فأن أخلص أصدقائك سيقول عنك أنك صرت من صنف ” مخبول شايل خشمه ” . في واحدة من فقدانات بريدي الألكتروني العزيز ، وصلتني رسالة وامضة لامظة ، عنوانها مسعد مفرح مؤنس ، زبدته تفيد بأن الرسالة تحوي بجوفها صورة مدهشة للمغنية الحلوة هيفاء وهبي ، وهي بلباس البحر . ولأنني من النوع الذي يمكن أن يلدغ من جحر ، سبعون مرة ، ولأنني من الذائبين اللائبين على منظر طقطوقة هيفاء الحلوة الحبّابة ” بوس الواوا ” فلقد سعدت بالأمر وكدت أنهض من قعدتي ، وأعزف سمفونية طق الأصبعتين بالأصبعتين ، الّا أن مزرعة الشيب التي ماجت فوق لحيتي ، وحشد النظارة المبوّزين في مقهى الأنترنيت ، وتسويغات أخرى ، كانت أبطلت مقترح البزخة المشتهاة . باوعت وبحلقت في عنوان الرسالة ، ثانية وعاشرة ، فأوجعني قلبي ، فقلت : أتركها يا ولد ، فوالله ما هي الّا دخلة فايروس عظيم ، لكن البلبلة الفكرية خاصتي ، لم تطل كثيراَ . فتحت الرسالة بفرحة تشبه الفرحة التي تمطر عليك في أول ولوجك صالة سينما بابل ، حيث شيتها الملون المدقوق ، وشريطها المعروض أسمه ” طرزان في الغابة ” ، وحامل صينية يدور على الكراسي وينادي : عمبة وبيض . ولفيوض من الأغراء والتنكيت والتفكيه والتشنيف ، سيضيف المنادي الى نصّه المسموع ، أن البطل طرزان ، لم يكن بيمينه قتل الوحش ، الا بعد أن زلط أربع لفّات من صينيتي المحروسة . فحوى ومحوى المكتوب ، يطلب منك بتهذيب عال ، ومن أجل شوفة هيفاء الرائعة ، ممطولة بالمايو ، فوق ساحل بيروتي رحيم ، أن تدوس على رابط أزرق مزرق . حركت الفأرة بلهفة طفل ينطر شهادة أخير السنة ، ودست فوق الزر – أقصد زر الرابط ، الذي لا كبير صلة له ، بالزر المستل من معجم الحنين الرافديني الباذخ – في تلك اللحيظة ، تحشرجت حنجرتي كبالع صنّارة ، ويبس ريقي ، وأنهدّ حيلي ، وتسخم وجهي ، بقدر سخام واجهة بريدي المسروق ، فلا هيفاء ولا لباس بحر أسود ، على جسد بض أبيض ، أنما هو الفايروس الرجيم الغميج الذي خفت منه ، لكنني طحت به ، طيحة أحمق ، قلبه ، قلب سمكة . في ختمة المكتوب – أحبابي – يفرحني أن أخبركم ، بأنني على جهوزية نفسية هائلة ، لتقبّل لعناتكم وزعلكم عليّ ، بسبب هذا الهراء الذي أكتب ، في زمان أسود ، مازالت فيه المفخخات الطائرات المحزمات الملغّمات الملعونات الجبانات ، تثرم أجساد الناس الأطهار ، في بلادي الطيبة الحنيّنة .
[email protected]
عمّان حتى الآن