هناك الكثير من الأخوة والأصدقاء المتابعين للشأن السياسي الكردي، يحاولون أن يرفضوا بطريقة ما -ولدى الجهتين- الحوارات الكردية الكردية بخصوص قضية تشكيل مرجعية سياسية في روجآفا وذلك انطلاقاً من مواقف أيديولوجية أو نتيجة تراكم مواقف قديمة مشحونة بحزمة من الحقد والكراهية المتبادلة والتي وللأسف زرعتها أحزابنا عموماً في أوساط شعبنا حيث كانت -وما زالت- نشأة “الرفيق الحزبي” يكون على مبدأين أساسيين لدى كل الأطراف؛ أولاً- الولاء المطلق للحزب وأيديولوجيتها وقائدها وذلك على مبدأ الأيديولوجيات الدينية العقائدية. وتالياً- الحقد على الأطراف والأحزاب الأخرى وإعتبار الجميع خونة وعملاء للأنظمة الغاصبة، أيضاً وفق العقلية الدينية حيث الحديث يقول: “ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي”. وهكذا هي أحزابنا حيث (الكل) خونة، إلا هم وجماعتهم هم الوطنيين المخلصين!
إن الذهنية السابقة والتي نشأت عليها أجيال من التربية الحزبية باتت تشكل ما يمكن تسميتها ب”الطائفية الحزبية السياسية” لدى شعبنا حيث البارزانيين والآبوجيين وذلك على غرار “الطائفية الدينية الإسلامية” لدى الأخوة العرب حيث الانقسام السني الشيعي وبالتالي ووفق هذه الذهنية لا يمكن التوافق بين “الملتين أو الفرقتين” إلا في ظروف قاهرة تجبر الطرفين على التشارك؛ كأن يكون هناك ضغط خارجي يهدد وجودهم وكياناتهم، كما يحصل اليوم في قضية التقارب التركي الإيراني حيث يوحدهم شعور بأن هناك مشروع غربي أمريكي لإعادة رسم خرائط المنطقة وبالتالي فكياناتهم مهددة .. أو على العكس من ذلك حينما تجبر تلك القوى الخارجية طرفي الصراع على التوحد والتشارك بهدف تأسيس كيانات جديدة تكون للقوى الخارجية مصلحة في نشوء هذا الكيان أو الوليد الجديد، كما الحال مع الكرد وفي جزأي كردستان الشبه محررين؛ الإقليم وروجآفا حيث تم ويتم توحيد “فرقها” بقوة الضغط الخارجي.
ولذلك يمكننا التأكيد؛ بأن الحوار الكردي الكردي في روجآفا سوف يتكلل بالتوافق والتفاهم بالأخير وذلك لأن هناك قوى خارجية دولية -أو ما يمكن تسميتها بإرادة دولية وليس فقط أمريكية- ليصبح الكرد قوة إقليمية جديدة ولأسباب جيوسياسية واقتصادية حيث كردستان غنية بموارد الطاقة، كما أن جغرافيتها تشكل بقعة إستراتيجية لتأمين طرق ايصال الطاقة للعالم وبالتالي كسر الحكر التركي الروسي على خطوط الايصال، ناهيك عن محاربة الإرهاب والتي أثبت فيها القوات الكردية -بيشمركة، الوحدات الكردية وغيرهما- فعاليتهم الكبيرة لدحرهم حيث سقوط عاصمة الخلافة المزعومة على يدهم، كما أن مشاركة المرأة وبقوة أعطى زخماً إضافياً للكرد والقيم المجتمعية الكردية عن دور ومكانة المرأة وعدم وجود تشدد ديني قيمي، بالإضافة لقضايا تتعلق بأمن إسرائيل وإيجاد كيانات أخرى تمتص حقد العرب والمسلمين وربما تكون حرب المياه القادمة لها جزء من هذا الاهتمام والدعم بالكرد وكردستان.
وهكذا فهناك عامل حاسم يلعب دوره لجعل الكرد لاعباً جديداً وإلا ما كانت أحزابنا توافقت، لا في إقليم كردستان بين الطالبانيين والبارزانيين في نهاية التسعينيات من القرن الماضي ولا اليوم مع البارزانيين والأوجلانيين حيث من نشأ على تخوين الآخر لا يمكن أن ينشأ جسور تمتد لذاك الطرف ولكون هذه الأطراف والأحزاب، كما الفرق والملل والنحل، تعمل وفق أجندات وأيديلوجيات وعقائدية تخص فرقها وأحزابها ونحلها والتي استبدلتها بما تسمى بثقافة الأمة والشعب والقضية؛ أي باتت الحزبية والطائفية مكان الأمة والقضايا الوطنية ولذلك ليس بغريب أن يتحالف السني المسلم مع الغربي المسيحي ضد الشيعي المسلم -وبالعكس- حيث الولاء للطائفة وليس للعقيدة الإسلامية وكذلك لا غرابة للكردي البارزاني أن يتحالف مع التركي الطوراني ضد الكردي الابوجي -وبالعكس الآبوجي مع الإيراني أو السوري ضد البارزاني- حيث الولاء للحزبية وليس للكرادايتية، كما يدعي الكثيرين وللأسف.
بالأخير نود أن نؤكد مجدداً؛ بأن الحوارات الكردية سوف تصل لنهاياتها المطلوبة أمريكياً أوربياً وسيتفق الطرفان الآبوجي والبارزاني على تقاسم الكعكة وهذه لمصلحة شعبنا وتخدم الأهداف الوطنية الكردستانية حيث تلاقت المصالح الدولية مع مصلحة شعبنا وذلك من حسن حظنا أو بالأحرى لغباء وعنجهية هذه الأنظمة الغاصبة لكردستان والتي أعتقدت بأنها باتت من القوة ما يمكن مواجهة مصالح الغرب، إضافة لذلك فغنها الحتمية التاريخية حيث الشعوب في سلمها الحضاري نحو المزيد من التقدم والحضارة وتحقيق الحالة الإنسانية الأكثر رقياً وذلك بالانتقال من نظم مستبدة توتاليتارية لنظم سياسية تشاركية ديمقراطية وهذا ما سيجعل من الكرد لاعباً جديداً في المنطقة ومعادلاتها السياسية ونأمل من الأطراف الكردية أن تستوعب ذلك جيداً وتكون عوامل مساعدة في الإسراع بهذه الولادة الجديدة لشعبنا بدل وضع العراقيل ووضع العصي في العجلات ويكفيهم حماقات أكثر وعناد لا طائل منه حيث بالأخير سيسقط من العربة من يريد أن يتجه بعكس مسار قطار الإرادة الدولية والحتمية التاريخية.