في كتابها الحديث «المرأة ميراث من القهر» تحدثت الدكتورة أماني فؤاد، أستاذ النقد الأدبي الحديث بأكاديمية الفنون في مصر عن نظرة الثقافة العربية للمرأة في ظل تطورات الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية التي يتشكل فيها تاريخ المنطقة من جديد بعد اندلاع ما اصطلح عليه باسم ثورات «الربيع العربي» حيث لعبت فيها، كما ذكرت في مقدمة الإصدار، دورًا بارزًا باعتبار تأثيرها ووظيفتها وسلوكها السياسي والثورة دون أن تحصد مزيدًا من الحقوق أو الحضور في المشهد الثقافي العام المؤثر إلا قليلاً، وبالنظر أيضًا إلى مكانتها المحورية في الجدل الفكري بين تيارين ينازع كل منهما الآخر؛ التيار الأصولي السلفي باستناده إلى الموروث الديني والفقهي، والعلماني الليبرالي بانفتاحه على خطاب العصر والمتمثل في الحداثة وما بعدها.
كذلك لما تعانيه المرأة في مجتمعاتنا العربية من غبن وأنواع من الظلم التي تنعكس على شخصها، على مظهرها وأفقها الذهني، كما تتحول إلى الأسرة والاستقرار المجتمعي وتؤثر خصمًا واستلابًا من قدرات المجتمع الإنتاجية والمعرفية والاستبداد الذكوري في أغلب حالتها، وأيضًا لما تقاسيه المرأة من مرارات وانتهاكات طالت عرضها وأدميتها أثر الصراعات الدامية في سوريا والعراق وفلسطين وليبيا واليمن والسودان والجزائر.
إضافة إلى التأسيس الأصولي الديني بكل أشكاله الذي يتسرب إلى ثقافتنا ووعينا الجمعي والذي يستلب المرأة إنسانيتها.
لقد تطرقت في هذا الإصدار إلى أشكال قهر المرأة في عالمنا العربي من الناحية التاريخية بدءًا من وأد الأنثى في المجتمع الجاهلي، والشعور بامتهان وجودها، ثم إرغامها على دفع فواتير الغزو والسلب والنهب القبلي العشائري من عرضها وشرفنا وكرامتها، وتحمل التسديد والفقد وانتهاك الأرض من حروب لم تكن طرفًا فيها، وإنما إثارتها نوازع ذكورية محضة لأطماع سياسية واقتصادية من أجل الهيمنة والاحتكار والتسلط، وخلافات عقائدية ومذهبية متعددة، إضافة لخضوعها إلى السلطة الأبوية المستبدة بكل أشكالها؛ الاسرية والكهنوتية والسياسية وتحويلها لمجرد عورة تابعة ناقصة الأهلية.
في هذا الكتاب ناقشت فؤاد أوضاع المرأة المسلمة التي تنتمي للثقافة الإسلامية، أيًا كانت جنسيتها، وأيًا كان وطنها؛ شرقية أم غربية، وناقشت حقوقها وطبيعة حضورها في الوعي الجمعي من منطلق موضوعي، حيث الإعلاء للنظر العقلي والمنطقي، وتفنيد مكانتها من الثقافة الذكورية المتأصلة تاريخيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، عبر الهيمنة السلطوية للسياسة، وباسم العادات والتقاليد، وبطريركية رجال الدين وامتلاكهم حق تأويل النصوص المقدسة التي هي بمثابة المرجعية التي تشكل العقل الجمعي، وطرق تطبيق هذا التأويل في الواقع.
في هذا الصدد ترى ثمة فرق كبير بين سلطة النصوص المقدسة التي ينبغي احترامها وتقديرها وبين سلطة الفقهاء بتأويلاتهم البشرية التي لا تقبل الرد والمناقشة وبين قداسة الدين بمصدره الإلهي، والفكر الديني بمصدره البشري، مع عدم إغفال الاستثناءات المتمثلة في بعض فقهاء المجتهدين، أولى العقول المستنيرة، ممن دافعوا عن حرية الفكر وحقوق المرأة وتبنوا قيم الاجتهاد المتجدد والعدل والمساواة.
كما تناولت صورة المرأة وطبيعة حضورها في خطاب الحداثة، الذي يمثل طرح العصر ونتاج عولمة الفكر والاقتصاد وتشابك العلاقات وتداخل العلوم والمعارف وشيوع التناص السلوكي والفكري والسياسي بين الدول.
ومن بين فصول الكتاب علاقة المرأة بالواقع السياسي في عمومه، والواقع المصري في خصوصه، وكيف يتجلى الحضور الأنثوي في مواد التشريع وموقف المؤسسة التشريعية والقانونية من المرأة ومشاركتها السياسية، وآليات تواجدها العلمي بالوظائف القيادية والقضائية ومناصب صنع القرار.
وأشارت هنا لقضية «المنصة حقها» التاريخية «قضية حرمان المرأة المصرية من حقها في تولي القضاء» مستنكرة غيابها عن المنصة منذ نشأة السلطة القضائية المصرية من القرن الماضي رغم نصوص دستورية عديدة تكفل حقها في تولي القضاء.
ومن القضايا التي ناقشتها طبيعة حضور المرأة وتجليات وجودها في مرايا الإعلام عبر البرامج الدينية الموجهة، وصناعة الدراما والأعمال التلفزيونية وكيف صورت الشاشة المرأة المصرية والعربية وأي قيم كانت تستهدف من وراء هذا التصوير، وأي دوافع محركة للكتابات المؤلفين الذين رسموا شخصية المرأة وبأي غايات استهلاكية ذكورية يمارس فعل الكتاب، وكيف اقتصرت هذه الأعمال والمؤلفات الدرامية على نقل الواقع ومحاكاته، دون أن تقوم بدورها الطليعي التنويري للارتقاء بالمرأة وعيًا وحقوقًا وتؤصل لاسترداد حقوقها وحفظ كرامتها، والارتقاء أيضًا بشخصية الرجل وتخليصه من هذه الذكورية الغاشمة، ونظرته الدونية للمرأة.
ومن بينها أيضًا طبيعة تجلي المرأة في الكتابة الأدبية، وكيف ظهرت المرأة بين صفحات المؤلفين – فكرًا وأدبًا – في التراث العربي – شعرًا ونثرًا -، وكيف عبرت الذكورية التراثية عنها، كيف صورتها ورسمت لها حدود وجودها الإنساني ووظيفتها، ثم كيف عبرت عن ذاتها، من خلال الكتابة المسرحية المعاصرة، كيف تأثرت بالموروث الذكوري الأصولي السلفي الضارب بجذوره في الوعي من خلال دراسة (رواية المتنقّبات) ثم صور المرأة في أدب نجيب محفوظ باعتباره أيقونة مصرية وعلامة بارزة في الكتابة الأدبية في أعلى مستوياتها الفنية، تمثل بصيرة الرؤية التي تتجلى بواسطتها ثقافتنا العربية في صورتها الروائية، شخوصًا وأفكارًا وأحداثًا ورؤى متعددة.
تقول عن هذا الكتاب الصادر في يناير 2020 لقد تحريت وأنا أطرح بعض قضايا المرأة أن تتم المناقشة على مستويين؛ الأول الإشارة إلى بُعد التفكير الديني ومحاولة الكشف عن تداعياته وآثاره على النسق الثقافي العام للمجتمعات العربية والإسلامية،
والثاني اعتماد إنجازات العقل البشري وتفعيلها، ثم مراعاة التطور والمرتكزات الفكرية المنطقية التي ينبغي أن تصبح منطلقًا لبحث المفاهيم، هذا التراكم المعرفي والعلمي الذي هو نتاج حضارات شتى تكاملت لتبرزها حقوق ومواثيق دولية أقرها المجتمع الدولي.
وملخص رأيها أن هذا الكتاب ينشد قارئًا منفتح الوعي، يفرق بين الدين والفكر الديني، فهذا الكتاب لا يتطلع بحال من الأحوال لهدم الثوابت النصية وإنما لهدم التأويلات الخاطئة للنصوص ورفض وصاية رموزها الكهنوتية على قراءتنا لها، والقطيعة مع كل ما يثبت عدم صلاحيتها واتساقه مع تطورات ومعطيات لحظتنا التاريخية وما استجد فيها على مكونات كيان المرأة وتطوره وتنوير الوعي وصولاً لقراءة تأويلية صادقة ومستنيرة للنص بما يوافق مقاصده السامية وحقوق الإنسان.