محمد قاسم الصالحي
تجدر الإشارة إبتداءً، الى الحشد المضاد من قبل «أنصار السلطة» بوجه دعوة الكتل السياسية الرئيسية في العراق لسحب الثقة عن حكومة المالكي أو الدفع به للإستقالة، وعلى وجه الخصوص طبيعة الخطاب الاعلامي الرامي الى إكساء مشهد الأزمة السياسية الراهنة صبغة ستراتيجية ومذهبية أيضاً ، وبطريقة إعلانية تعتمد عنصر التهويل والتضخيم الباعث على إثارة المخاوف من أن مصير الدولة العراقية مرهون بشخص المالكي وأن إستمرار المذهب الشيعي هو الآخر نتاج الجهود الإستثنائية لـ «حارس الطائفة الأوحد».
أن السقوط المدوّي للنظام الدكتاتوري في العراق عام 2003 والذي عمل بما أوتي من قوة خلال سني حكمه على تجفيف منابع المشاركة والشراكة السياسية للمكونّات المذهبية والعرقية في البلد، وبالتزامن مع وجود قوى أجنبية لم تتردد في وصف نفسها بـ « المحتلة» ، كان من الطبيعي لمثل هذا الحال أن يسفر عن نشوء أجواء مشحونة بالإستقطاب المذهبي والعرقي والإسراع بتشكيل أوعية سياسية لإحتضان الهويات المذهبية والعرقية المغيّبة مسبقاً أملاً في تعزيز نفوذها في المجتمع العراقي لذلك جاء (الإئتلاف الوطني العراقي الموحّد) كتشكيل سياسي يتماهى مع مشاعر الإضطهاد الدفينة لدى أفراد المكوّن الشيعي في العراق. وقد كان المالكي الناطق الرسمي باسم الإئتلاف الوطني، الذي رشحه لتولي مسؤولية رئاسة لجنة الأمن والدفاع في الجمعية الوطنية. وليشارك في لجنة صياغة الدستور العراقي.. وبعد أن إستطاع السيد المالكي العبور الى ضفة السلطة عن طريق الإئتلاف الوطني، قرر التنكر للإئتلاف والتنصّل من البنود الطائفية التي بذرها عندما كان عضوا في لجنة كتابة الدستور، معلنا «إنشقاقه» عن (الإئتلاف الشيعي)، متعكزاًّ على إمكانيات الدولة المادية والمعنوية في خوض الإنتخابات من خلال توسيع أبواب التخصيصات المالية لمكتب رئيس مجلس الوزراء، التي أُستغلّت لأغراض التحشيد الشعبي لصالح دولة القانون، ومن ضمنها منح الكثير منر الوجوه الإجتماعية العراقية درجة مستشار في رئاسة الوزراء (بما يترتب على ذلك من إمتيازات) وتشكيل «مجالس الإسناد» التي أسهمت بإحياء النعرة القبلية داخل المناطق الشيعية لإنتفاء الحاجة لها آنذاك كون المناطق التي تتواجد بها هذه المجالس تتمتع بهامش من الإستقرار الأمني الأمر الذي يضفي على تشكيلاتها الطابع السياسي ويكسبها الدعم لمزيد من التميّز الطبقي وحسب.
أما فيما يخص إنشقاق المالكي وتغريده خارج السرب الشيعي لمرات عدبدة، فعند الذهاب للموسوعة العالمية الحرة على شبكة الإنترنت (وكيبيديا) لوجدناها تصف أو تعرّف إئتلاف دولة القانون بما يلي.. ” ائتلاف دولة القانون تحالف سياسي عراقي برئاسة نوري المالكي. «إنشقَّ» عن الائتلاف الوطني العراقي الذي كان يجمع كل القوى الشيعية في المجتمع العراقي بسبب خلافاته مع التيارات الأخرى. يضم الائتلاف حزب الدعوة وتيارات أخرى. حصل الائتلاف على 89 مقعداً في الانتخابات التشريعية العراقية التي أجريت في آذار 2010، بفارق مقعدين خلف القائمة العراقية التي فازت بالانتخابات”.. إنتهى تعريف الموسوعة.
ويعلم الجميع ماتلا ذلك من جدل حول مفهوم «الكتلة الأكبر» وتفسير المحكمة الإتحادية فيما بعد وإصطفاف رئاسة الجمهورية «الطالباني» مع المالكي كما هو الحال اليوم، وذلك ما لسنا بصدده الآن بل مانود التذكير به هو إرتماء المالكي في أحضان الإئتلاف الوطني العراقي (الشيعي) من جديد بعد أن خسر الرهان في الحصول على الكتلة الأكبر من خلال دولة القانون.
دأب المالكي في الأزمات و (عند الحاجة) على التجنيد السياسي للدين والمذهب بطريقة الحشد الطائفي المغيّب للوعي والكفيل بإستعداء الآخر والذي قد يصل في أحيان كثيرة الى محاولة النيل من الرموز الشيعية نفسها عندما لايتاح له الحصول على مراده من المؤسسة الدينية وكما جاء في تصريح أحد المقرّبين منه النائب «سامي العسكري» الذي تحدّث فيه بصيغة الآمر الناهي بقوله مؤخراً .. ” يجب، يجب ان تلعب المرجعية دورا ايجابيا كما هي عادتها في اثناء الازمات، وان لا تكتفي بمراقبة الاحداث، واتخاذ موقف الحياد”..
وفي الوقت الذي خلا فيه التكتل السياسي الداعي الى حجب الثقة عن المالكي من أي إصطفاف قومي أو طائفي، بالمقابل وكما هو الحال مع مجالس الإسناد العشائرية مسبقاً، نرى اليوم على صفحات الصحف وواجهة وسائل الإعلام جيشاً آخر من الكتّاب والمحللين على غرار مجالس الإسناد، لايكتفي أحدهم بالتلميع والتشميع بل نراه مستقتلا في الوقوف نداًّ لمن يحاول الإدلاء برأيه بخصوص الأداء الحكومي. والأدهى من ذلك كلّه يسعى الكثير منهم الى تسطيح الإنتماء الوطني والوعي الديني من خلال تصوير المالكي بهيئة (حارس الطائفة) وهو القائل قبل أيام ومن على شاشة العراقية ” أنا ضربت الشيعة أكثر مما ضربت السُنة”.. وبطريقته التي توحي بأن (بقية المكونات ليست بمأمن من هذا التهديد إذا ما أتيحت له الفرصة) .. في الوقت الذي ينتظر منه الشعب العراقي إقرارا بخدمة جميع مكوناته دون تمييز وليس التبجح بقوة الدولة العراقية أمام مواطنيها أو تطبيق الديمقراطية الفتية تحت أزيز الرصاص.