محمد قاسم الصالحي
لم يعد شعور «الفجوة الفاصلة» الآخذة بالإتساع مقتصراً على مسارالعلاقة بين حكومة المالكي والكتل السياسية العراقية وحسب، بل أثارت التوجهات الحكومية مؤخراً مخاوف مماثلة في أوساط مؤسسات المجتمع المدني أيضاً، المؤسسات التي تعد الركيزة الأساسية في بناء الدولة العراقية الحديثة، والقناة الضاغطة فيها على القرار الحكومي ليكون في خدمة الصالح العام. وقد تجسدت تلك المخاوف بصورة واضحة في السؤال الذي تقدمت به بعض تلك المؤسسات الى سماحة السيد مقتدى الصدر للإستنارة برأيه حول السلوكيات غير المنضبطة للسلطة، فيما إقتبست من جوابه (أعزه الله) على سؤالهم عنوان هذا المقال.
لقد رافقت المحاولات الحثيثة لسحب الثقة عن المالكي ردود أفعال حكومية إتسمت بالتخبط والغموض وأثارت في نفس الوقت تساؤلات عدة، تمحورت حول الغطرسة التصاعدية للسلطة وجسّدت أيضاً، خشية مؤسسات المجتمع المدني من إنتكاسة التجربة الديمقراطية في العراق. حيث دخول بعض مجالس المحافظات على خط الأزمة بـ”بروباغندا” مشحونة بالرهان على التلويح بالفيدرالية كوسيلة لمجابهة الأصوات المطالبة بسحب الثقة عن الحكومة، الدخول بطريقة عكست إنتقائية تنفيذ النصوص الدستورية من قبل «أنصار السلطة» لإنتزاع المواقف التي تتسق مع شروطهم السياسية المؤيدة لبقاء رئيس الحكومة رغم ما يثار من جدل كبير حول إمكانية بقائه في السلطة ، وإلى هذه اللحظة لازال مثل هذا الأمر مثار جدل هو الآخر في أروقة بعض مجالس المحافظات رغم محاولة رئيس الحكومة الخجولة للنأي بنفسه عن كونه المتسبب المباشر في مثل هذه المطبّات وصاحب الرأي الأول في مثل هذه المطالبات.
لم تقف سلوكيات «أنصار السلطة» عند هذا الحد، بل أدى التمادي في (الفزعة) العمياء الى إثارة مخاوف مؤسسات المجتمع المدني، حيث رعاية الحكومة مؤخراً، لإستعراض عسكري مسلّح لميليشيا (المصائب) كما يُسمّيها المستهجنون لأفعالها الدموية أو (عصائب أهل الحق) كما يحب «أنصار السلطة» الترويج لها في وسائل الإعلام.. وبهذه الرعاية غير القانونية للمصائب تكون الحكومة قد أشاحت بوجهها علنا عن ثقافة الديمقراطية، ملتفتة نحو ثقافة الميليشيات الخارجة عن القانون، وقد حملت مثل هذه الإستدارة الحكومية إيحاءً مبطنّا يشير الى أن الطرق السلمية ليست الخيار الأوحد لحكومة المالكي في إدارة الإختلاف مع الخصوم السياسيين، أنما لدى السلطة خيارات أخرى حينما يتطلب الأمر، ومما يرجّح مثل هذا الإيحاء أن ممثل الحكومة في هذا الإستعراض كمال الساعدي: شخصية إشتهرت بميولها الحادة للقمع والإستبداد ومناهضتها للثقافة الديمقراطية، فلا زال وقوفه في الطابق الثامن للمطعم التركي المُطل على ساحة التحرير 25/2/2011 وإشرافه على قمع المتظاهرين في جمعة الغضب ماثلا في أذهان العراقيين الى اليوم.
كما عبّرت مؤسسات المجتمع المدني في سؤالها الموجّه لسماحة السيد مقتدى الصدر يوم أمس عن حُرصها الأكيد على عدم توظيف النفوذ الحكومي داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية للضغط على الشركاء (كالذي حصل يوم أمس في سجني الرصافة الرابعة والبلديات ببغداد من إعتداءات نفسية وجسدية على المعتقلين الصدريين)، وأمل المجتمع المدني في النأي بهاتين المؤسستين (الأمنية والعسكرية) عن السجالات السياسية القائمة اليوم كي لايُساء لتضحيات أفراد المؤسستين أو تعريض أفرادهما للمساءلة القانونية فيما بعد نتيجة إستغلال بعض منهم لإنجاز أعمال سيئة بإسم القانون!، خاصة وأن تكليفهما الدستوري في هذا الشأن ينصب على تأمين الأجواء الآمنة لترسيخ الممارسات الديمقراطية للحياة السياسية في العراق.
وتأسيساً على ماتقدّم من عرض موجز وإشارات سريعة لبعض لإنتهاكات الدستورية من قبل الحكومة، وبالمقارنة مع إجابة السيد الصدرلمؤسسات المجتمع المدني وأفراد المؤسستين الأمنية والعسكرية التي يذكر فيها (أعزّه الله) ..” لَيْسَ المُهٍم المَالِكيّ .. المُهِمٌّ العِرَاق.. فالعِراَق ثـُمَّ العِرَاق.. ثـُمَّ العِرَاقُ”.. إذن حري بنا القول مع السيد الصدر أيضاً.. (المالكي ليسَ مهمّا بل المهم هو العراق).