محمد عاكف جمال
سيتحتم على رئيس الوزراء العراقي في المستقبل القريب، مواجهة أزمات خطيرة تهدد حكومته، وتهدد مستقبل العراق كدولة موحدة في الوقت نفسه. فانسحاب القوات الأميركية مع نهاية العام الحالي، سيطلق أزمات نائمة أصبحت أكثر نضوجاً وخطورة خلال غفوتها، قد تكون أكبر من قدرات حكومته على مواجهتها والتعامل معها وتحمل تبعاتها، خاصة وأنه يقود فريق عمل غير متجانس، في أطر توازنات سريعة العطب، تتسم العلاقات بين أطرافها بالتشكك والتوجس والتربص والبعد عن الشفافية. لا تخفي الكتل الفاعلة في الساحة السياسية العراقية، قلقها وتخوفها من المرحلة القادمة التي تعقب الانسحاب العسكري الأميركي، إلا أنها لا تزال تفتقر لبرنامج عمل لمواجهة ذلك. فرغم الدعوات التي صدرت عن عدد منها بضرورة توحيد المواقف السياسية، لمواجهة التحديات التي تنتظر العراق مع بدء العد التنازلي للانسحاب الأميركي منه، إلا أن الخطاب السياسي لهذه الكتل ظل على حاله متشنجاً متشككا سلبيا، وبقيت الحكومة من جانبها مصرة على انتهاج ما تسميه القوى المتحفظة على سياساتها، بأنه نهج التهميش والإقصاء.
من غير الممكن الفصل بين مسألة انسحاب القوات الأميركية ومستقبل الوضع السياسي في العراق، فهناك فراغ أمني سيخلفه هذا الانسحاب من غير شك، على المستويين الداخلي والخارجي على حد سواء. فهناك أخطار حقيقية تهدد الوضع القائم، الداخلية منها تكمن في أسس النظام السياسي الذي فشل في تحقيق الاستقرار، أما الخارجية فتكمن في الاختراقات التي حققها بعض دول الجوار في العراق، وتمكنها من امتلاك مفاتيح حساسة تساعدها على إثارة الفتن، كوسيلة للمزيد من إضعاف العراق، تمهيداً للحصول على مكاسب تتعلق بجزء من أراضيه أو ثرواته.يواجه رئيس الوزراء العراقي في المرحلة المقبلة، صعوبات كبيرة على محورين رئيسيين، أولهما موجة كبيرة تضعف مركزه وترخي من قبضة يده على الأوضاع الداخلية، من الصعوبة بمكان التصدي لها، لأنها تستند إلى أسس دستورية، فقد بدأت مجالس عدد من المحافظات تعد نفسها لتصبح أقاليم، لها استقلالها المالي والإداري. وثانيهما قضايا أمنية من المتوقع أن تقض مضاجع الدولة العراقية، إثر انسحاب القوات الأميركية من العراق، والتي كان وجودها على مدى ما يقرب من تسع سنوات، عامل توازنات استراتيجية.
على المحور الثاني، هناك القضية التي قد تشعل العنف في مدينة كركوك التي لم تحل الإشكالات القائمة حولها، فقد تحولت عملية تسليم مطار «الحرية» في كركوك من القوات الأميركية إلى الجيش العراقي في الثامن عشر من الشهر الجاري، إلى خلاف سياسي حاد بين العرب والأكراد، الذين أبدوا اعتراضات شديدة على استلام الجيش، وليس الشرطة كما يفضلون، لهذا المطار، في مؤشر مبكر لوضع مقلق ومحفوف بالمخاطر ينتظر هذه المدينة المتنازع على مصيرها، بعد انتهاء الانسحاب الأميركي. وفي السياق نفسه أعلن رئيس الجبهة التركمانية أرشد الصالحي، قبل بضعة أيام، أن «تركمان كركوك لا يؤيدون انسحاب القوات الأميركية، لأنه منذ الإعلان عن نية الإدارة الأميركية سحب قواتها من العراق ازدادت وتيرة الأعمال الإرهابية ضد تركمان كركوك، وفي عموم مناطقهم السكنية الأخرى في العراق».
من جانب آخر، نقل وزير الخارجية النمساوي ميخائيل شبيندل إيفر، لرئيس الوزراء العراقي خلال اجتماعه به في السادس عشر من نوفمبر الجاري، طلباً رسميا من الاتحاد الأوروبي بالموافقة على قبول حماية دولية للمسيحيين في العراق، الذين يتعرضون لعمليات خطف وقتل وهجمات على كنائسهم ومؤسساتهم الدينية في بغداد والموصل وكركوك، بعد الانسحاب الأميركي في نهاية العام الحالي، وهو طلب غير عادي يحمل أكثر من معنى.والحقيقة أن الإرهاصات للمخاوف المترتبة على الانسحاب العسكري من العراق، ليست وليدة الفترة القصيرة التي أعقبت قرار الرئيس الأميركي في أكتوبر المنصرم بالانسحاب العسكري الشامل من العراق. فحين أصبح المترجمون العراقيون الذين يعملون مع القوات الأميركية، مستهدفين من الفصائل المسلحة المعادية للوجود الأميركي وتزايد عدد الصرعى منهم منذ عام 2006، بدأت إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش تتعرض لانتقادات شديدة، لأنها لم تفعل ما يكفي لحمايتهم. وكان الديمقراطيون في مقدمة المنتقدين لهذا النكوص، حيث سارع عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي، على رأسهم السيناتور الراحل أدوارد كيندي رئيس اللجنة الفرعية للهجرة وأمن الحدود واللاجئين في مجلس الشيوخ آنذاك، في سبتمبر عام 2007، بتقديم مشروع قانون يقضي بمنح اللجوء السياسي للعراقيين المتعاونين مع الاحتلال الأميركي في العراق، لحماية حياتهم وتسريع إجراءات الهجرة دون وضع سقف عددي لهؤلاء اللاجئين.