د. خالد ممدوح العزي
لم تحل مشكلة اللاجئين السورين في لبنان ولايزال يتوافد العشرات من الهاربين من القصف والقتل الى دول الجوار عبر الحدود والمعابر .منهم الكثير اختار لبنان ملاذا امنا لهم ،فالبلد الذي اتوا اليه نأت حكومته بنفسها عن التدخل في شؤون سورية ،فبدت مستقيلة من واجباتها الانسانية والاخلاقية امام حركة النازحين الكثيفة التي تقدرها الهيئات غير الحكومية باكثر من مليون نازح .
بظل تزايد هذه الاعداد التي لايقدم لها شيء من الايواء والاغاثة الضرورية تختلف مواقف السياسيين فيها بين من يعارض دخول النازحيين ويطالب باقفال الحدود منعا للخلل الديمغرافي في التركيبة اللبنانية الطائفية ،ومنهم من ذهب بعيدا جدا في مساعدة النازحين ،ويحمل الحكومة هذا الخلل والتقاعس عن المساعدة والواجبات .
على امتداد الجغرافية الطائفية للبنان ينتشر النازحون السوريون من قرى وادي خالد الحدودية الى البقاع وبيروت والضاحية الجنوبية حتى الجنوب . ينتشر السوريون ويحاولون التأقلم مع الحياة الجديدة التي تحميهم من شدة المعارك والقتل الجماعي ،بالرغم من الحياة الاليمة التي تفرضها عليهم الهجرة الاجبارية عن ديارهم وارضهم .
اذا لا حماية للنازحيين السوريين في لبنان كما تتطلب المعاهدات الدولية ،او كما تفرضها قوانيين الجيرة لدولة عربية مجاورة ،ولشعب عربي صديق ،
لكن النازحين السوريين في جولتنا يتعجبون من ادعاء السياسيين اللبنانيين طوال الفترة السابقة للوجود السوري في لبنان ،”شعب واحد في دولتين”.
شعب واحد في بلدين لم يحل مشكلة اللاجئين السورين الوافدين والذين اختاروا لبنان ملجىأ لهم .
والسؤال الذي يطرح في لبنان ، هل الدولة غائبة عن مهامها ،،،،
بالرغم من الدور التي تحاول ان تلعبه وزارة الشؤون الاجتماعية ممثلة بالوزير وائل ابو فاعور. الذ ي يدعوا الجميع للابتعاد تسييس ملف النازحين ،و التحدي الاخطر الذي يواجه لبنان كدولة على الكثير من المستويات، مبديا ثقته :”بأن الشعب السوري النازح الى لبنان سيعود الى بلاده فور استتباب الاوضاع فيها” ويؤكد ابو فاعور:” بان ثوابت الحكومة اللبنانية هي ضد اقفال الحدود او تسليم المواطنين السوريين أو ترحيلهم، ولكن يجب في الوقت نفسه ان يكون هناك التفاتة خاصة والوقوف الى جانب لبنان فعلا لا قولا، فكل ما جرى تقديمه من مساعدات لا يكفي، وعلى المجتمع الدولي ان يتحمل المسؤولية مع لبنان و الدول التي تأ وي النازحين”.
لكن تبقى الجمعيات الخيرية هي الفاعلة الاكبر على الارض في تقديم المساعدات الخيرية للنازحيين في كافة المناطق اللبنانية ممثلة بائتلاف الجمعيات الخيرية لإغاثة النازحين السوريين في لبنان.
وفي جولتنا على احدى المخيمات السورية في البقاع الاوسط اللبناني وتحديدا في قرية “برالياس” التقينا النازح السوري احمد السعيد من حمص ، هو اب لثلاثة اولاد يقطن الخيمة مع عائلته ومع اهل زوجته وابنه البكر الذي تخرج للتو من جامعة حمص فرع الفزياء .ولكن فرحته لم تكتمل لان تخرجه ونجاحه لم يكتمل فتحول من خريج جامعي الى نازح ينتظر المعونة اليومية .
اما ام محمد الفارس ،التي اضحت ارملة بسبب الحرب تعيش اليوم في احدى خيم المخيم ، وتعيش مع من تبقى حيا من العائلة القادمة من حمص ،لكنها لم تستسلم لفاجعتها ورفضت انتظار المساعدات مع بناتها ، بدأت العمل في الزراعة في سهل البقاع لتأمين اقل ماتحتاجه العائلة من لقمة العيش تقول :”نحن هنا جسديا ،لكن قلبنا لايزال في سورية مع اهلنا”.
وفي في بعلبك ذات المناطق الشعبية الفقيرة التي قصدها السوريون قبل الثورة للعمل فيها ،ولجأ اليها اليوم عددا كبيرا من النازحين السوريين للسكن فيها وليمارسوا بعضا من العمل لتأمين قوتهم اليومي .
واللافت في الحي هو تمركز النازحيين في الزواريب العتيقة بالرغم من انهم يختلفون في السياسة ،ولكن ما يوحدهم هو الهوية السورية ،للذين مع النظام او الذين ضده ،يتصافحون مع بعضهم البعض ،يشعرون بالغربة التي فرضت عليهم بسبب الازمة في بلادهم .
يحتشد الجمع السوري في زواريب المدينة الفقيرة في محاولة للحصول على عمل ،ينضم اليهم عدد من اللبنانيين “الحشرين” للتعرف عليهم تارة ولمعرفة اخر الاخبار السورية تارة اخرى .
خالد النابلسي نازح سوري يقول :”الوضع في سورية لم يعد امنا كما قبل والاعلام يشوه صورة الثورة ،لقد حرقت سورية بمن فيها ،ودمروا وجهها الحضاري” .
اما ماجد العسلي الطفل في الثانية عشرة من عمره يشتري العلكة ويبيعها على الطرقات ،تحت الامطار بالليل والنهار ،وحيدا ينام على الرصيف ويأكل الخبز اليابس وبقايا الطعام الذي يحضره له بائع الفول
يقول:”بالرغم من اني عاجز عن التعلم كباقي الاطفال والعيش بكرامة ، لان اهلي قتلوا جميعا في مدينة القصير الحدودية للاراضي اللبنانية ،لكنني سوف اعمل وانتج لكي يصبح عندي مال يخرجني من العوز” .
النازحيون السوريون الذين يتألمون من نار الحرب ونار الغربة في بلد جار واهله عرب، و حكومته لاتزال تنأ بنفسها عن الازمة السورية ، و كأنها تدير ظهرها لكل المآسي والعذابات التي يتعرضون لها يوميا .