هادي جلو مرعي
شهدت البشرية حروباً قاسية أودت بحياة الملايين من الأبرياء والمجرمين معاً ومن المعتدين والمعتدى عليهم، وضربت بشراهة قادة وزعماء ، ودمرت حضارات واوطاناً عبر آلاف من السنين ، وكانت بين إمبراطوريات ودول وقبائل وقوميات وطوائف . لكن حروب الحضارات لم تنقطع فهي تؤسس لما يلي من نزاعات تحتفظ بسرها الحضاري وتعتمد أدبيات تاريخية تسجل لها شعراً ونثراً وحكايات حزينة، وفي انحاء الأرض دون استثناء.
وحضارة الإسلام التي صهرت قوميات شتى تنازعت مع حضارات أخرى في بلاد فارس وأوربا وآسيا وأفريقيا وذهبت بمجدها ، والدين يهزم القومية لكنه لا يقضي عليها نهائياً. فيما بعد تحولت الحضارة الإسلامية الى وصف الغموض والضبابية ثم إنقسمت الى حضارتين (سنية وشيعية) تحتفظ كل منها بإرث عميق من الروايات والأحاديث والقصص والتعاليم والمبادئ التي يلتزم بها أتباع كل طائفة (حضارة) ,وليس من العدل بمكان التغاضي عن وجود هاتين الحضارتين اللتين تشظتا عن الحضارة الأم ، فالإسلام عند السنة يختلف عنه لدى الشيعة ,ومحمد السني غير محمد الشيعي ,والخلفاء الأربعة (أبو بكر ،عمر ، عثمان ، علي)عند السنة غيرهم عند الشيعة ، والصحابة والتابعون ، وأهل البيت عند السنة غيرهم عند الشيعة, وكذا العرب والأعاجم ,والطعام, والشراب والصلاة, والصوم, والجنس ,والحج ,والعمرة, والذبح ,والزكاة, والخمس, والأحكام الشرعية في شؤون المعاملات والعبادات, في التجارة والزراعة والبيع والشراء والطلاق والزواج والميراث والحقوق والواجبات ، ولكل منها حكمه في الفقه السني ، وما يناقضه في الفقه الشيعي ، ولكل من الحضارتين فكر خاص ورؤية متفردة وعشرات آلاف الكتب الفقهية والتفاسير والنصوص والتأويلات.
التغيرات السياسية والإجتماعية والإقتصادية والتكنولوجية أثرت كثيراً في إبراز شكل جديد للصراع بين الطائفتين (الحضارتين) ,وقضت على الأكاذيب التي يطلقها رجال دين ومثقفون ومواطنون بينهم سياسيون عن الأخوة والتسامح والتكافل بين المسلمين على خلاف توجهاتهم ، وصار أتباع الطائفتين (الحضارتين) يملكون أدوات الصراع بشكل مختلف ، خاصة بعد سقوط الأنظمة القومية والعلمانية التي كانت ترغم الناس على الإحتفاظ بأسرار عقائدهم وتؤكد على طاعة الحاكم الأوحد والبقاء في ظله بعيداً عن حرارة التغيير.
ساهمت الثورة الإعلامية في تصعيد المواجهة, وعدم التأخير في إنطلاقها المجنون ، وصار بالإمكان الوصول الى كمية هائلة من المعلومات عن أسرار وتعاليم كل طائفة ساعدت في تأجيج حماس الأتباع وتعرفهم ببطلان المذهب الآخر وحتمية الصراع معه والذين يعتقدون به ، ثم كانت النزعة الجبارة للتطرف والوصول الى مرحلة التكفير والشروع بالقتل البارد .
حرب باردة طائفية مساحتها الواسعة القنوات الفضائية والإذاعات والمواقع الألكترونية والمساجد والمجالس والمؤسسات الدينية والمدن المقدسة ، تعاضدها مؤسسات ودول تمتلك قدرات مالية هائلة توفر طاقة الإستمرار دون كلل أو ملل . أعداد الأتباع تتزايد وأدواتهم تكثر وتتنوع وتمتلك قدرة الإيذاء والإرغام ,وتوجيه الآراء, وصناعة الرؤى المتقاطعة ,والمضادة ، والتي ستؤدي قريباً الى نزاع لا ينقطع حتى قيام الساعة , رحم الله حنا بطاطو.
يارب سترك .