ولا شك فإن سقف تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع الحراك الكوردي هي بوصلة الخلافات أو التوافقات مع القوى المعنية بسوريا وفي مقدمتهم تركيا، رغم ذلك يتوقع المراقبون من أن ترفع صفة حضورها العسكري مع الحراك الكوردي إلى الساحة السياسية لإضفاء الشرعية الدولية على وجودها، مثلما تلوح به روسيا حول وجودها ضمن مناطق النظام. وأيضاً كورقة ضغط على تركيا وإيران قبل أن تكون أداة ضغط على الوجود الروسي في سوريا.
وكرد فعل، تعمل روسيا على منهجية مشابهة، لكن لتبرئة الذات من الجرائم بحق الشعب السوري. وفي الحالتين يواجهان بعض العوائق ومن بينها المجابهة القوية من تركيا وإيران، ومن الصعب لروسيا وأمريكا فرض شروطهما أو إملاءاتهما أو الضغط عليهما إلى الحد الذي يسمح لهما بتخطيط خريطة مستقبل سوريا وشعوبها ومن ضمنهم الشعب الكوردي بدونهما، وعلى الأغلب أن تركيا وإيران سيحضران كطرفين رئيسيين في الحوارات القادمة، بعدما كانا تابعتين لروسيا في جميع مؤتمرات أستانة وسوجي وجنيف.
لا شك أمريكا تدرك هذه، مثلما تدرك أن وجود القوة الكوردية أو لنقل قسد، من أحد الأسباب التي قامت روسيا بعرض أو الطلب من الإدارة الذاتية الحوار مع سلطة بشار الأسد، مع غياب الأطراف الكوردية الأخرى، وفي الواقع هذا الطلب لم يكن قد تم دون حوار واتفاق مسبق مع كل من تركيا وإيران، وعلى الأغلب جرى ذلك في مؤتمر أستانة السادس عشر الأخير، والذي كان من أحد بنود الجلسة الختامية تكرار التشديد على وحدة سوريا، والمقصود هنا الحراك الكوردي، المتهم بالانفصال، متناسين ما عليها سوريا من التقسيم الحاصل بيد القوى الثلاث وأدواتهم، ولا شك أن هذا المطلب كان في أحد جوانبه رسالة غير مباشرة لأمريكا على أن القوة الكوردية كانوا حلفاء روسيا وبالإمكان إعادتهم بطرق ما.
وكدراسة للمطلب الروسي، والمتعارض مع المصالح الأمريكية، فالحوار مع السلطة المجرمة جريمة، والدخول في شراكة مع المجرم تعني الشراكة في جرائمه، وهو ما تريده تلك الدول وسلطة بشار الأسد، أي أشراك الحراك الكوردي في ملفات الجرائم، مع ذلك ومن البعد السياسي، وعلى خلفية الظروف التي تمر بها الشعوب السورية، يمكن قبول الحوار بشروط مسبق، دونها، الدخول في إي حوار مع النظام جريمة:
1- يجب أن توافق عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتكون مطلعة على مجريات الحوار، فهي التي تملك مع روسيا مفتاح الحل في سوريا، وتدرك ما تطلبه تركيا المتصاعدة قوة، من المنطقة الكوردية.
2- على النظام المجرم أن تظهر النية الصادقة على الإعلام تجاه القضية الكوردية. وعلى روسيا، بما أنها تتعامل مع القوة الكوردية عليها، كحليفة سابقة، واجبات منها:
أولا، أن تؤكد على أن السلطة الحالية قابلة للتغيير.
ثانيا، أن دستور سوريا القادم ستتضمن الحقوق الكوردية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وألا تعترض السلطة وتركيا على الاعتراف بالكورد كقومية ثانية في سوريا؛ وهم على أرضهم التاريخية.
ثالثا، ان تدفع بها للاعتراف العلني والرسمي بالشعب الكوردي وقضيتهم.
رابعا، تقوم السلطة بقبول حل بعض القضايا السابقة التي خلقتها في المنطقة الكوردية، كقضية الأراضي الكوردستانية المملوكة للغمريين وغيرها.
خامسا، أن تقبل روسيا والسلطة، النظام اللامركزي الفيدرالي.
سادسا، الاعتذار من الشعوب السورية على ما فعلته بالوطن السوري.
حينها يمكن قبول الحوار مع النظام في دمشق، وكما نعلم المعارضة دخلت في حوارات معها بدون قيد وشرط.
لا شك، ندرك أن مجمل هذه الشروط تعجيزية في ظل السلطة الحالية، والمعارضة، وهيمنة تركيا، والمصالح الروسية.
مع ذلك، على الحراك الكوردي ومع الحضور الأمريكي والدعم الأوروبي، والدعوات الروسية، قث يجب أن يقدموا ذاتهم على مسرح الحوارات السورية كطرف رئيس وليس تابع، أو مهمل مثلما تم في معظم المؤتمرات التي جرت في السابق حول القضية السورية.
ومن الغرابة، أنه مهما ملكنا نحن الكورد من القوة والإمكانيات، نظل نبحث عن أسياد لذاتنا، نتحاور معهم لنضع ذاتنا في خدمتهم، ولولا وجود نية لدى البعض من قادة الإدارة الذاتية نحو هذا التوجه لما أقدمت روسيا على عرض هذا الطرح، ومن المؤسف أننا لا زلنا دون الثقة بسيادة الذات، رغم ما بلغته الإدارة الذاتية مع الوجود الأمريكي، منطق الموالي لا يزال مهيمناَ، وهذه من أبشع الحالات النفسية المترسخة في لا شعورنا.
ذاتها تفعله المجلس الوطني الكوردي، طوال السنوات الماضية، فهي كمنظمة تعرض ذاتها كممثلة عن الشعب الكوردي، وتواجه الإدارة الذاتية، ترى ذاتها هزيلة وضعيفة دون خيمة الائتلاف الوطني السوري، وتظن بأنها ستنتهي فيما لو رفعت من سقف مطالبها أو تخلت عن مشاركته، وتشكك في إمكانية قدراتها على تشكيل منظمة وطنية سورية مع القوى العربية والكوردية الأخرى رغم ما تحصل عليه من المساعدات الخارجية.
بالمناسبة، كنا في المجلس الوطني الكوردستاني-سوريا، في عام 2016م على أبواب تشكيل هيئة منافسة للإتلاف السوري، رغم عدمية الإمكانيات المادية، تخلينا عنها لأسباب، أولها تهرب الطرفين الكورديين المذكورين هنا من المشاركة، وغيرها من الأسباب، سنأتي عليها يوما ما.
وأكاد أجزم أن الظروف الدولية لا تسمحان حتى اللحظة للطرفين الكورديين المتسلطين على الساحة بتشتتهما الجاري، وعدم التعامل مع الأطراف الكوردية الأخرى، في تحقيق أماني الشعب الكوردي، وبالتالي يضطران إلى تكرار الماضي، وكثيرا ما يتناسون سماع صوت الشارع الكوردي، أصحاب القضية. وبالمناسبة ليس من المعيب أن نكون سذج، بل المعيب هو تكرار الأخطاء التاريخية ذاتها بنفس السذاجة، فما طرحه المجلس الوطني الكوردستاني بعد المؤتمر 2006م وحتى أعوام 2014م كان عليهم تبنيها لعدم تكرار خطأ التبعية، واليوم بإمكانهم تطبيق تجربة المجلس الوطني الكوردستاني عندما تمكنا من جمع جميع الأطراف الكوردية والكوردستانية في قاعة واحدة، وكانت للجميع نية الاتفاق لولا الشروط والإملاءات الخارجية، ولربما لبعضهم حينها كانت له مبرراته، لذا علينا الأن التوافق على نقاط التقاطع متجاوزين الخلافات الحزبية.
وكملاحظات على ما نحن عليه كحراك:
1- أن ما بدأ يظهر على الساحة الحزبية، من دعاية على تشكيل مجموعات تطالب بالربيع الكوردي، ورغم عدالة المطلب، إلا أنه في ظل الوجود الأمريكي في المنطقة، والتي لا تجد البديل عن قسد، والمواجهة التركية الروسية القوية، لن تسمح بأي حراك يؤدي إلى إضعافها، أو إزالة الإدارة الذاتية، لكنها ستدعم الخطوات المؤدية إلى أتفاق مبدئي على بعض نقاط التقاطع، وعليها على المجلس الحث على الحوارات وقبول أقل الشروط.
2- كما وعلينا أن نعلم مثلما تدركها الولايات المتحدة، أن أي تغيير في الإدارة الذاتية، وبغياب البديل الكوردي ستسقط المنطقة أما بيد النظام، أو المعارضة التكفيرية العربية، وتجربة عفرين خير مثال.
3- أنه فيما لو أتفق الطرفين المذكورين على بعض نقاط التقاطع (وهو ما أستبعده، مثلما أستبعد عودة الحوارات الجدية بينهما، ومثلها عودة بيشمركة كوردستان) وأشركوا بعض الأطراف الكوردية الأخرى معهم، وفيما بعد بعض الأطراف والمنظمات العربية السورية الوطنية ومن الأقليات الأخرى، لتمكنوا من خلق البديل عن السلطة والمعارضة المرتزقة وفي مقدمتهم الائتلاف.
وبالتالي علينا أن نتعامل، وحيث الوجود الأمريكي الراسخ الأن وإلى أن تبلغ سوريا مستقر ما، مع كل الأطراف ومن ضمنهم تركيا، باستراتيجية المصالح، فلا صداقة دائمة في السياسة، أي استغلال فرص حضورها الجاري، والاستفادة منها قدر الإمكان، فلا حياة لمن يعيش على العتب والمذمات في العلاقات السياسية، قد تتلاشى مصالحها لا حقا في مرحلة ما وتتخلى عنا وعن المنطقة. فاليوم وليس غداً، مصالحها تتطلب أن يكون للكورد قوة على الأرض، مع وجود حراك سياسي متماسك، ومن على هذه البنية يجب علينا التحرك، بل والتعامل من خلالها مع القوى الإقليمية، بشرط عدم تجاوز المصالح الأمريكية حتى فيما لو فتحت قنوات الحوار مع روسيا، ومع تركيا، فيما لو تمكنا من إزالة الصراع بيننا وبينها، بحيث تقبل بنا ككورد على أرضنا التاريخية؛ وأصحاب قضية، ولا ضير من فتح الحوارات معها تحت الإشراف الدولي، الأمريكي بشكل خاص.
الولايات المتحدة الأمريكية
البقاء الأمريكي في سوريا والمصلحة الكوردية 2/2
اترك تعليقا