نبيل ياسين
1-مطعم النبي
هل هناك تصوير كاريكاتيري لشخصية ومهمة النبي محمد اقذع من هذا؟ الصورة التي يمكن تخيلها هي هذه: النبي محمد يفتتح في الجنة مطعما ويدفع حساب القتلة والمجرمين الذين يتناول معهم الكباب. لو قام رسام دنماركي آخر بتصوير هذا المشهد الذي ألفه السلفيون والوهابيون برسم كاريكاتيري فماذا كان يفعل هؤلاء السلفيون الذين يريدون مصادرة عقولنا وتخطيط حياتنا، وموتنا كذلك، كما تتصور عقولهم المريضة ؟ وإذا لم نقبل بذلك نصبح طائفيين أو ضد الإسلام.
أقف لاشاهد في الأفق غيمة سلفية ظلامية قادمة. من المغرب، مرورا بتونس وليبيا ومصر لتتحد مع غيوم الوهابية السلفية في الخليج.بدأت سلفية تونس تشكيل هيئة الأمر بالمعروف، أي المطاوعة كما يسمون في السعودية. وبدأت حملتها ضد الناس والعصر والحاضر. في ليبيا نبش السلفيون القبور والمراقد. في مصر كشر السلفيون عن أسنانهم بالإلحاح على تطبيق الشريعة الإسلامية. لكن الشريعة الإسلامية أكثر من شريعة. الشريعة التي ترد في القرآن والحديث، والشريعة التي يخترعها كل(أمام) وفق هواه. ومن شريعة (وفق هواه) ظهرت صورة للنبي محمد وهو يقف أمام مطعمه ليستقبل الانتحاريين ملطخين بدماء المسلمين في المساجد والشوارع والبيوت وأماكن رزقهم ويقدم لهم صحون الكباب ويتغدى او يتعشى معهم.
لماذا هذه الاساءة المتعمدة (متعمدة لان فتاوى تصدر من اجل تكريسها) لشخصية اقل ما يقال فيها انها قضت ثلاث وعشرين سنة في الدعوة الى حقن دماء المسلمين واقامة علاقات انسانية بينهم وتفريقهم عن المنافقين والى وضع قواعد لاحترام شخصية الميت وعدم التمثيل به. الا يعد تفجر ابدان المسلمين تمثيلا بهم؟ وقتلا متعمدا رغم انهم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ، وهذه الشهادة حاقنة لدماء المسلمين؟
مرة اخرى، يرسم السلفيون صورة تثير الاسى لصورة النبي محمد مسيئة اعمق الاساءة لرسالة الاسلام ورسالة النبي الذي حرّم دم المسلم وجعله اقدس من الكعبة. لكن خالد القسري، والي الأمويين على مكة، قبل ان يتولى العراق، كان يستند على جدار الكعبة، وكان سعيد بن جبير قد فرّ من العراق الى الحجاز، فهدد المسلمين وقال: والله لو ان امير المؤمنين عبد الملك بن مروان امرني ان اهدم هذا البيت حجرا حجرا لهدمته في مرضاته. والله لو وجدت سعيد بن جبير في بيت احدكم لهدمت سابع بيت على يمينه وسابع بيت على يساره، ولما سمع سعيد سلمّ نفسه للطغاة محافظة على بيوت المسلمين الابرياء.لم يكن للنبي محمد آنذاك مطعم لاطعام القتلة والمجرمين، فهو، في الصورة المشاعة للمسلمين، يستقبل المؤمنين والمصلحين والعباد والصالحين ولايستقبل قتلة وانتحاريين. وهو في الصورة المشاعة والشائعة، لايملك مطعما ولم يأت ذكر الكباب في صورة الاستقبال هذه.
ولكي يظل مطعم النبي يشتغل ليل نهار في خدمة القتلة والانتحاريين الذين يقتلون المسلمين، فان اميين وجهلة ، متعصبين ومتزمتيت وحقودين يسعون الى استمرار عمل المطعم هذا فيظهر شيخ سلفي وهو يمسك بمسدس لعبة مصنوع للاطفال في الخليج، ويصرخ في وجه المصلين وهو في خطبة جمعة : اسمعوا ماذا صنع الرافضة؟ اسمعوا ماذا يقول هذا المسدس الذي صنع للاطفال ويباع في اسواقنا. ثم يطلق الرصاص من المسدس اللعبة فتظهر اضاءات ملونة وصوت يتحدث بالانجليزية. ثم يقول خطيب الجمعة التي اريد لها ان تجمع المسلمين فاصبحت من اشد وسائل تفريقهم واثارة الفتنة بينهم: اسمعوا سأترجمها لكم: المسدس يقول: اقتل السيدة عائشة. ثم يصيح بالويل والثبور ويطالب بنبش القبور: هكذا يعتدون على السيدة عائشة. يظهر بعده شاب خليجي يحمل نفس المسدس ويطلق النار ونسمع ما سمعناه في مشهد الشيخ السلفي، ثم يبدأ الترجمة والتعليق. المسدس يقول بالانجليزية ما ترجمته: تحرك ، تحرك، اهجم ، اطلق الرهائن. Hostages، التي تعني الرهائن بالعربية اصبحت في عقل الشيخ المريض اقتل السيدة عائشة. فالعقل السلفي يحظى بكره للبشرية والاسلام المدني على حد سواء. هل يمكن لنا ان نتصور اين نعيش وفي (ظهراني) اي بشر ؟ وكيف سيتسنى لنا العيش والمحافظة على عقولنا في محيط طائفي متخلف تتلاطم امواجه في بيئتنا وحياتنا وسيقوم بانشاء طوق مثل جدار برلين الساقط حولنا لكي لانعيش ولانتنفس.
لقد تطورت التكنولوجيا مع تخلف القانون والعقل في بلداننا، بحيث اساغ تقدم التكنولوجيا عبر الفضائيات والانترنيت، لهؤلاء الاميين المتعصبين تهديد حياتنا وعقولنا وحاضرنا. انهم يقودون الرعاع نحو القتل والاجرام باسم الاسلام الذي يشوهونه باميتهم وتعصبهم املا في دخول مطعم النبي محمد وتناول الكباب مجانا.
لكن الامية ليست المصدر الوحيد للتعصب، وانما انحطاط الثقافات الدينية والقبلية والبدوية والريفية وتغلبها على ثقافات المدينة والاسلام المدني والمجتمع ، وقد ساعدت هذه التكنولوجيا على انشاء مجاميع انترنيت ترسل لك يوميا عشرات، واحيانا، مئات، من الايميلات التي يكتبها فعلا (من هب ودب) تسرد على (عقلك) ماتريد من اوهام وضلالات عقولها المتعصبة والمريضة ومنها مجموعات رسائل ارسلت لي، على الاقل، اكثر من عشرين مرة، مقالا لشخص اسمه مجهول يبرئ يزيد بن معاوية من قتل الحسين ويقول ان يزيد لم يكن يعلم بقتل الحسين وانه بكى حين سمع بمقتل الحسين وان يزيد في الجنة يأكل في مطعم النبي محمد.
لا اريد ان ادخل مطعم النبي محمد هذا، واكتفي باكل ماتيسر من اكل نباتي في بيتي حتى يقضي الله امرا كان مفعولا. وافضل ان لا ارى القتلة والمجرمين واللصوص والفاسدين وآكلي السحت الحرام والذين يتضح لؤمهم من بين اسنانهم وينكشف حقدهم على الناس من خلال ابتساماتهم المتوترة.
الدولة: مشروع وطني ام حزبي ؟
لماذا تسعى مجالس بعض المحافظات الى (التهديد) باعلان الفدرالية؟
السببب واضح وبسيط، هو غياب المواطن. لاتوجد مواطنة في العراق ، ولذلك يهرع بعض الناس للحصول على حقوقهم الى اعلان الفدرالية. طبعا هذا مجرد افتراض. فاعلان الفدرالية ليس بالضرورة سببه الحصول على الحقوق. فكثير من منظري الفدرالية في العالم اليوم ، ومنهم اكبر المتحمسين لها الفرنسي الان تورين، الذي يقول(وما نفع الحديث على الديمقراطية اليوم مالم يكن لحمايتها من اخطر اعدائها: وسواس الهوية القومية او العرقية او الدينية) ، اي حسب تعبير تورين في مكان اخر (الاقليمية الدينية)او المذهبية.
ومنهم ايضا اكبر المتحمسين للفدرالية الامريكي لاري دايموند، الذي يحذر من ان الفدرالية ربما تكون ميدانا لانتهاكات حقوق الانسان بعيدا عن مركزية القانون.
ومشكلة التهديد بالفدراليات هي غياب مشروع عراقي لبناء دولة وغياب اي مشروع سياسي للعراق وانما تفوق المشاريع الشخصية والحزبية والمذهبية والقبلية على الدولة حتى اني رأيت شيخ عشيرة يضع وراءه علم صدام الملغي دستوريا وهو يهدد بعض دول الجوار ويصفها بكلمات نابية، فلو كانت هناك دولة لما كانت هناك مشاهد من هذا النوع. والمشكلة هي ان السياسيين صاروا يعيدون انتاج افكار المفكرين والمثقفين ، بعد ان يسرقونها ويعزونها لأنفسهم، انتاجا مشوها وسيئا واخذوا يسعون لعزل كثير من المعنيين عن الدولة وعن بنائها واعادة موسساتها وفكرها. واكثر من ذلك لم يكتف كثير من السياسيين بسرقة المال فصاروا يسرقون الافكار ويشوهونها ويعزلون منتجيها ويقيمون مؤتمرات يتولى ابناؤهم واخوتهم واقرباؤهم ادارتها واقامتها في سابقة جعلت من العراق ملكا شخصيا او حزبيا او عائليا في نظام يفترض انه ديمقراطي يشارك فيه الجميع كل حسب اختصاصه.
دعوني اسأل: من لديه مشروع لبناء الدولة العراقية التي تكون دولة المواطنة والقانون والعدالة والحرية وتكافؤ الفرص والاعتماد على تنوع وتوزع المسؤوليات بين الدولة والمجتمع والهيئات الوطنية والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني؟ هل مثل هذا المشروع طرح من قبل السياسيين؟ لا. ودعوني اسأل الجميع بدون انحياز. ورغم ان هذا السؤال من حقي وحق اي مواطن ، ورغم ان الجواب هو من واجب اي سياسي مطروح عليه هذا السؤال . الا ان الغضب سيكون هو الجواب على هذا السؤال. ومع هذا اطرحه تمسكا بحقي الدستوري:
ماهو مشروع نوري المالكي؟ وماهو مشروع صالح المطلك؟ وماهو مشروع اسامة النجيفي؟ وماهو مشروع اياد علاوي؟ وماهو مشروع اي حزب في السلطة اليوم؟ بل اكثر من ذلك ماهو مشروع البرلمان؟ وماهو مشروع الحكومة؟
هل هناك مشروع دولة لاي من هؤلاء السياسيين؟ لا. السبب هو غياب الدولة في ثقافتهم السياسية وحضور السلطة.ان الدولة هي ارادة الكل، والسلطة ارادة حزب او فرد.الدولة سلطة المجموع العام ،والسلطة سلطة فرد او حزب او عائلة او عصبة او عائلة ضد المجموع العام. الدولة هي الارادة العامة، والسلطة هي الارادة الخاصة.
اين حضور الارادة العامة لدى السياسيين العراقيين ؟انه من الظلم ان نصف النظام الحالي بانه نظام طائفي. فالطوائف لم تأخد حقوقها. لنختصر الارادة العامة، مثلا، بالطائفة الشيعية. هل يمثل المالكي وحزب الدعوة ومن يواليه، الارادة العامة للشيعة؟ لا. لان مجموع الارادة العامة للشيعة غائبة ولم يحصل الشيعة على حقوقهم سوى (حقوق) اقامة الطقوس في عاشوراء والاحتفال بمواليد او وفاة ائمتهم . هل اسامة النجيفي وصالح المطلك والحزب الاسلامي وطارق الهاشمي وغيرهم يمثلون الارادة العامة للسنة؟
لا. لان مجموع الارادة العامة للسنة غائبة ولم يحصل السنة على حقوقهم سوى حق التهديد باعلان الفدراليات الذي سيضمن مصالح بعض اعضاء مجالس المحافظات وليس مصالح السنة.
السبب انه لاتوجد بعد دولة في العراق.اعني الدولة بمعناها الحديث ، وليست الدولة التي تصبح عضوا في الأمم المتحدة فقط. فمثلا: لاتوجد في (دولة) 130 جريدة تمثل احزابا وولاءات قومية وطائفية ومناطقية ومالية لدول جوار ودول بعيدة. ولاتوجد في (دولة) 40 فضائية تمثل احزابا وايديولوجيات محلية واقليمية ودولية وممولة من دول جوار ومن فساد ومن استيلاء على المال العام ومن الابتزاز والعقود والمقاولات واكثر من ذلك لاوجود للمهنية والاختصاص والقواعد المنظمة لعمل هذه الفضائيات التي تشعل الخلافات والمعارك الطائفية والسياسية وتأخد تصريحات من 330 نائب برلماني كل يوم.ولايوجد في (دولة) تنازع في الصلاحيات كالذي يحصل في العراق بين رئيس الجمهورية جلال الطالباني ورئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب ورئيس اقليم كردستان وبين النواب والوزراء . لايوجد في (دولة) صراع صلاحيات ومصالح واضح ومؤثر على ارضها وشعبها كالذي يحصل في العراق بين صلاحيات تركيا وصلاحيات ايران وصلاحيات السعودية وصلاحيات سوريا وصلاحيات الاردن وصلاحيات الكويت فضلا عن صلاحيات دول اوروبية وامريكا، فالعملية السياسية مركبة لتمثل مصالح وصلاحيات دول الجوار الستة والصراع يدور بين هذه الدولة في البرلمان والشارع ودوائر الحكومة وسفارات العراق والمواقع الالكترونية العراقية والعربية.
اكثر من ذلك، فالاتحاد الاوروبي يعتقد، بفضل تأثير بعض الدول ونشاط البعثيين والدول التي تساندهم ضد العراق، ان القاتل برئ حتى ينهض المقتول من قبره ويعرض فيلما عن عملية قتله ليقتنع سياسيون وقوى سياسية ان المقتول متآمر على القاتل فيقتل المقتول مرة اخرى بتهمة تلفيق التهمة والكيد.انها السياسة وليس القانون والعدالة، فما الذي يمنع ماليزيا من تسليم متهم مثل الدايني؟
لادولة في العراق. هذا واقع ، لان الدولة تغيب في الفكر السياسي للاحزاب العراقية.مانزال نريد تحرير فلسطين فيجب وضع كل الامكانيات في خدمة هذا الهدف. ومانزال نريد ان نحارب ايران فنذبح الدولة قربانا لهذا الهدف. ومانزال نريد ان نقصي خصومنا او شركاءنا السياسيين ونحتكر السلطة وننسى انهم جزء من الدولة. لكن الدولة غائبة ولذلك يجب ان يغيبوا. وعند السياسيين العراقيين لايوجد شريك وانما خصم. والدولة تقضي الايمان بالتعددية ونحن نريد الانفراد بالسلطة فتنهدم اركان الدولة. ومانزال نعتبر مال الدولة مال الشخص الحاكم ومال المسؤول ولذلك ينهب المال العام بهذه الشرعية. والفرق بين الشرعية الانقلابية والشرعية الانتخابية هو شعرة. قطعها موسوليني في ايطاليا فتحولت الديمقراطية الانتخابية الى فاشية، وقطعها هتلر فتحولت الديمقراطية الانتخابية الى نازية. واخشى ان نقطعها في العراق وفي تونس وفي ليبيا وفي مصر فيكون صندوق الانتخابات تابوتا للديمقراطية.
لا دولة في العراق لانه لا اختصاص في العراق. المعمم (ابو العمامة) والمعقل(ابو العقال) والمسدر( ابو السدارة) والمربط(ابو الرباط) والمقمص(ابو القميص بلا رباط) يفتقرون الى الثقافة السياسية والى المسؤولية في نفس الوقت فأقصوا اصحاب الاختصاص، وبضمنهم اصحاب الاختصاص في العمل السياسي،وتولوا ترتيب الاوضاع في العراق على الطريقة الدينية والطريقة العشائرية والطريقة الجمبرية( اي الطريقة التي تتحول فيها الدولة الى دكة تباع عليها الخردوات كما في اللهجة العراقية) لكن الجمبر Chamber بالانجليزية لها معان عدة تبدأ من التجويف وحجرة نوم وخزانة البندقية الى قاعة الاستقبال في القصر الى فرقة موسيقية صغيرة لتعزف لجمهور محدود الى مجلس النواب ومجلس الاعيان.
وفي بريطانيا مثلا لا يختصم السياسيون الى حد الغاء الاخر لان الجميع ابناء الدولة وليس ابناء السلطة. وحين يخسر سياسي السلطة يبقى ابنا للدولة ويعمل من اجلها .
ثقافة العصبة وثقافة الدولة
وتصلني على بريدي ردود على ما اكتب، بعضها يتجاوز حتى (لياقة) ابن الشارع الى سوء ادب ثقافي فاضح فيصف ما اكتب باقذع الفاظ سراديب الامن والمخابرات فاقول انه نضال من اجل الجمال ضد القبح ، فارد احيانا واهمل احيانا اخرى، ولكن الصراع مستمر. وقبل يومين وصلني رد غاضب لم يترك كلمة بذيئة الا واطلقها على كتاباتي وازددت ايمانا بان النضال بين الثقافة وبين الجلادين من انبل انواع النضال رغم انه متعب وغير متكافئ، خاصة وان الكاتب مثلي مكشوف والمعلق يتخفى تحت اسماء مستعارة. من يخاف ممن اذن؟ الجلاد من الكتابة ام الكتابة من الجلاد؟
حين يصف الجلاد الكتابة بـ (الخر….ء) فان الكارثة هي ثقافية كبرى. الكارثة الثقافية في الغرب في زمن النازيين ان الكتابة كانت تدفع النازيين لتحسس مسدساتهم. اما في العراق فان الكتابة تدفع البعض من النازيين والفاشيين ،ايا كان اسمهم السياسي السابق او الحالي، الى امساك المسدس واطلاق سيل من السباب والشتائم المقذعة ثم اطلاق الرصاص. وبما ان احد المعقلين يكتب لي بلغة انجليزية جيدة جدا فمن الواضح انه يعيش في الولايات المتحدة او في بريطانيا وربما كان (اكاديميا) بعثيا فانه حزين جدا لانه لايستطيع اطلاق الرصاص علي فيكثف رصاص شتائمه فلايترك لفظة منحطة الا واطلقها بحيث اضطررت للبحث في اكبر القواميس لمعرفة معنى احد الالفاظ فلم اجده .وسالت صديقا صحفيا بريطانيا فصعق ،ثم ضحك وقال : اين وجدت الكلمة؟ فاخبرته ان (عراقيا) بعث لي شتائم مقذعة وهذه من جملتها. فعلق قائلا: بهذه اللغة ستبنون الدولة في العراق؟ فقلت له : لا، لقد اسس أولئك سلطة بهذه اللغة ونريد ان نهدم هذه
السلطة لنبني دولة بلغة ثقافية وقانونية والصراع مستمر بين اللغتين وبين العقلين.
هؤلاء بعضنا نحن، وليس كلنا.وامثلة العرب واقعية، ومنها ان الاناء ينضح مما فيه،ويرد كثير منا على الثقافة بالانحطاط ، وعلى الفكر بالسفالة، وعلى الفلسفة بالعفاط، وعلى الرأي بالنتن الذي يسكن في العقل الفاسد الذي يشبه المعدة المليئة بالهواء الفاسد. والضحية هو الشعب الذي يلومه الجميع ويضع على كتفيه اوزار جرائم مثقفين واكاديميين وسياسيين ومثقفي ايديولوجيات بينما يفترض ان تكون للعراق نخبة مثقفة فكريا وسياسيا واكاديميا تقود شعبها الى مستقبل انساني. ولكن اذا كانت النخبة ضد الانسانية وضد الفكر وضد الحرية وضد التعددية وضد الحقوق وضد الانسان العراقي فما علينا سوى ان نواصل نقد النخبة نقد عقلها وايديولوجياتها.
هذه هي طبقتنا السياسية وهذه هي افعالها. وهي لاتريد مشروعا ثقافيا ينتقد عقليتها وما اوصلت العراقيين اليه. فنقد الحرب هو خيانة وطنية، ونقد البعث هو جريمة سياسية، ونقد عبادة صدام هو حقد على العراق، ونقد الثقافة التي صنعت دكتاتورية صدام هو عدوان على التاريخ.
لدينا مشكلة كبرى. لا احد يفكر ان لدى مثقف ما مشروعا. وان هذا المشروع يقتضي نقد الماضي، ونقد الانظمة السياسية، ونقد الثقافة العنصرية سياسيا وقوميا وطائفيا واجتماعيا، ونقد الفساد، ونقد ضحالة الفكر السياسي الالغائي الذي لايؤمن بالعددية ولايقبلها اذا اجبر عليها واقعيا فيقاوم التعددية بتكريس التهميش والالغاء والتغييب.
وليس غريبا ان يظهر معك ، في ندوة تلفزيوينة، عسكري بعثي برتبة عالية جدا فينعى غياب الديمقراطية في النظام السياسي الحالي وينوح على ديمقراطية النظام المنهار والحريات الواسعة التي كان يتمتع بها العراق. وقد سألني احد الأصدقاء لماذا لا اتعجب وانا اسمع اخبارا فقلت له لقد تركت العجب لان مايحدث هو مطابقة كاملة للاعتياد والتكرار، فلاشيء يثير تعجبي في واقع يصبح العجب فيه هو غير مايحدث وليس مايحدث. فلماذا اتعجب مثلا من شخص حرّم نظامه المنهار علينا ابداء رأي في طريقة التعامل الاعلامي مع الاكراد عام 1974 ويأتي مع ثلة من جهاز المخابرات الذي كان حديث التأسيس ليهددوك بالاعدام ثم تجد هذا الشخص مسؤولا في النظام الجديد ومقربا من الاحزاب الدينية، ومطلوبا منك قبوله كمناضل؟ هل اتعجب اليوم اذا سمعت ان جلادا آخر قد اصبح مسؤولا ايضا في النظام الجديد؟
وقبل ايام التقيت عراقيين ودار الحديث، كما هو لازم، عن الفساد والحكومة وايران، فقال احدهم ان ايران هي العدو الاكبر للعراق،كان المتحدث شيعيا من النجف، وقال انه زار النجف فوجد ان الحديث باللغة العربية ممنوع وعلى الجميع ان يتحدث الفارسية وان العملة الرسمية في النجف هي التومان ويمنع التعامل بالدينار العراقي وان مسؤولا اشترى قصرا في لندن فيه سبعمائة غرفة وامورا اخرى مشابهة. فقلت له ان ما يهمني هو عقلي ، وانت حر في اتخاذ اي موقف من اية دولة تشاء، سواء من ايران ، او امريكا او السعودية او تركيا او اية دولة اخرى. سواء احببتها ام كرهتها. لكن لي عقلا يعتمد على وقائع واحداث، ولايصدق ان قصرا في بريطانيا فيه700 غرفة. فقصر بيكنغهام وهو قصر المملكة لايضم اكثر من خمسين غرفة وهو اشهر قصر في بريطانيا فلو وجد اكبر منه لعرف الناس. واذا اشتراه مسؤول عراقي لعرف العالم كله، لان اي حرامي عراقي من المسؤولين ، سواء سرق ام لم يسرق، سيجد مواقع الانترنيت له بالمرصاد. ثم ان الشارع الذي تذكره اعرفه و هو شارع قصير ، واكبر قصر فيه لايضم اكثر من سبع غرف. وان ما يهمني هو ليس تكذيب روايتك وانما الحفاظ على عقلي ليكون واقعيا. اما منع الحديث باللغة العربية فانا درّست طلبة ماجستير باللغة العربية وكنت اشتري كتبا وحاجياتي من الاسواق مثل اي مواطن عادي وانا اتكلم العربية ولا اعرف من الفارسية سوى (خدا) اي الله. وقد اشتريت بالدينار العراقي وليس بالتومان كل حاجياتي وهداياي لعائلتي واصدقائي، وهذا لايمنع ان يكون هناك نفوذ قوي لايران في العراق. وحين جاء ابنه وسلم قال له: لا تنتقد ايران لان الدكتور نبيل يمنع من ينتقدها. فلم اتعجب لاني بطلت التعجب وحذفت علامات التعجب من كتاباتي وقلت له هذا غير مقبول. فانا قلت ما رأيت حفاظا على عقلي وماقلته لايعني دفاعا عن ايران ولايعني انني امنع من ينتقدها.وسأرى بعض التعليقات لاتمعن في سوء الفهم وانما تمعن باخراج الاعتقاد الباطني فتتهم اعتمادا على كلام الاعتقاد الباطني وليس على ماتسمعه.ومع هذا سيتهمني بعضهم باني ادافع عن ايران لا عن العراق وعن عقلي وعن عيني.
وهذه مشكلة كبيرة، وحدث معي عشرات المرات ، وانا في ندوات على الهواء، ان يضع المتحدث الاخر كلاما على لساني لم اقله. فاضحك واقول له كل شيء مباشر ومسجل وبامكاننا الطلب من المخرج ان يعيد قولي فسوف لاتجد فيه ما قلت. والسبب ان كل شخص يقول مافي رأسه عنك لا ما قلته انت. وحين بدأ الابن يعيد ما يعتقد به الاب انتظرت حتى يفصح الابن عن مصدر معلوماته وافكاره وقلت انني لم اسمع هذا. فقال لكن البغدادية والشرقية تقول ذلك. هنا عرفت مصدر اوهامه وخرافاته وتضييع الحقائق. وسألته ان كان يكتفي بهذه المصادر ،فقال طبعا والا تريدني ان اشاهد العراقية. فقلت انت محق بهذا فقط. فالعراقية تلفزيون حكومي دعائي يقوده هواة يتوهمون ان العمل الصحفي هو عمل دعائي .ولاغرابة في ذلك، فاكثرهم غير مهنيين ولايعرفون ماذا تعني السياسة الاعلامية وكثير منهم بدأ في اعلام النظام السابق فماذا تنتظر منه.
ومثل هذا ما كتبه كاتب بعثي حول انسحاب القوات الامريكية، فقد قال في مقاله (ان بقاء المحتل الامريكي أرحم من إملاء الفراغ من دولة جارة، لا بد من أنها ستهرع لإملائه في حالة حدوثه) وهذا عقل سياسي وليس عقلا وطنيا، فليس بالضرورة ان يكون العقل السياسي وطنيا وانما يمكن ان يكون عقلا وجدانيا وعاطفيا يقوم على التعصب والتزمت والتطرف، فانا ارفض الاحتلال ايا كانت جنسيته.
والعقل السياسي العربي، والعراقي خاصة، عقل خرافي وغير عقلاني. ينطلق من الخرافة وليس من العقل. وكل سياسيينا بلا استثناء ، خرافيون وليس عقلانيين. وبما ان الدولة عقلانية فلذلك لاتوجد دولة في العراق. فالخرافة تبني الاوهام والجبروت والطاغية والقدسيات الموزعة على الاحزاب والحكومة والقادة والايديولوجيات وتبني الاعداء وتؤسس الاقصاء والالغاء وتعمق توهم الحق الواحدي والحقيقة الواحدية. فحقيقة الدولة مشتركة، اما (حقيقة) الحزب ، اي حزب، فهي واحدة لايجوز ان ينكرها من لايراها لان الحزب يقوم مقام الجميع في الرؤية فعليك ان تؤمن بما لا ترى.
ذات يوم من عام 1977 وفي مديرية الامن العامة في بغداد مقابل القصر الابيض قال المحقق لي: ماعملك؟ فقلت له صحفي وشاعر. فقال يعني(شعّار). وحين اعلنت غضبي واحتجاجي على هذه الاهانة ابدى هو استغرابه: كيف يمكن لمواطن ان يعترض على الدولة، فتجرأت وقلت له لو كانت هناك دولة لكان فيها شعراء وانا منهم. لايهم ماذا حدث بعد هذا الجواب. لكن الدولة لم توجد لكي يكون فيها شعراء وكتاب وادباء وصحفيون، فوجدت السلطة لتحول (الشعراء) الى طبالين سيئي الاداء والى جوقة ناعقة باسم القائد ويصبح شعراء صدام هم شعراء النظام الجديد يبحثون عن شخص ما ليرفعوه الى مقام طاغية وقائد تاريخي. ولذلك سادت ثقافة(الكيولية) بالعامية والفصحى وما نزال بمناخ تلك الثقافة.
صرنا مثل ذلك الزاهد الذي مر ، في ايام المتوكل على الله، في احد شوارع بغداد فسمع بائع خضار ينادي: الخيار، العشرة بدرهم، فبكى الزاهد وقال: اذا كان الخيار اصبحوا العشرة بدرهم فبكم يباع الاشرار؟ لكن الاشرار كانوا الواحد بدرهم في ذلك الزمن حين بدأت بغداد تنهار ويتقاتل غلمان الخلفاء على تنصيب الخليفة .
وكنت اناقش صديقا حول حزب البعث فكان رأيي ان هناك مفارقة تكرست في كثير من الاحزاب وفي السلطة ايضا. فان اشخاصا بعثيين مثل عفيف الراوي ، وزير الري، وفخري قدوري ، وزير الاقتصاد، وعبد الله سلوم السامرائي، وزير الثقافة، وعزت مصطفى، وزير الصحة،( وكلهم استوزر في عهد البكر ، قبل صدام) كانوا في حزب يضم الى جانبهم بلطجية وشقاوات وقتلة واصحاب سوابق اجرامية وغوغاء وصل بهم الامر الى ان يكون مصيرهم مرتبطا بمصير اولئك البلطجية والشقاوات
يا بط يا بط.. والنشيد الوطني
وانشغل العراق بالنشيد الوطني والفت لجان لانعرف اسماء اعضائها رغم الاعلان عنها ووضع واحد من رموز البلاد في محاصصة واضحة افصحت عنها تصريحات ساذجة عن اطياف العراق وليت هذه الاطياف تحللت وطلعت عليها الشمس لتختفي وبدل هذه الخلافات اقترح العودة الى عهد صدام، كما عدنا منذ 2003 حتى الآن، ونختار واحدة من اغاني المعارك مثل (ياكاع اترابج كافوري) التي افتتحت بها القائمة العراقية حملتها الانتخابية فبدا المشهد مع الاسف كأنه من مشاهد الحرب العراقية الايرانية. واقترح ان نختار اغنية( عبرت الشط) لكاظم الساهر التي بدا بها واصبح نجما عربيا لعلنا نصلح العلاقة مع العرب التي لن تنصلح الا بعد ان يخوض العراق حربا ضد الامبراطوريات والممالك التي تعشعش في مخيلات بعض الاخوة العرب
او نختار اغنية (سبحان الجمعنا بغير ميعاد) للراحلة وحيدة خليل، وهي اغنية جمعت الشيوعيين والبعثيين وحققت الوحدة الوطنية في المعتقلات حيث كان الشيوعيون معتقلين في سجون البعث وانقلب عبد السلام عارف واحمد حسن البكر على البعثيين فزجوا بهم في السجون مع الشيوعيين فغنوا معا: سبحان الجمعنا بغير ميعاد.
واستلم ايميلات من مجموعات فلسطينية حولت تحرير فلسطين من فرض عين الى فرض كفاية وجعلت فضح الروافض فرض عين فهي لاتكل ولاتمل من ارسال مواضيع لفضح عقائد الروافض الباطلة واعتقد ان تحرير فلسطين من البحر الى النهر قد اصبح قاب قوسين او ادنى وان الدولة الفلسطينية المنشودة( بمعنى التي وضعت لها الاف الاناشيد) سوف تخرج من انقاض ارم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. وهلهولة للبعث الصامد.
وبعد ان تأتيك عشرات الايميلات من هذه المجاميع ياتيك منها ايضا ايميل بعنوان(فوائد الكزبرة) سأحوله الى جريدة المواطن لتنشره وتعم الفوائد الصحية بعد ان تكون المعدة قد تشنجت بعد قراءة او حذف مئات الايميلات التي تنشغل بها الامة من اجل الترهات بدل الحريات، ومن اجل البقالة بدل العدالة ،ومن اجل المباهاة بدل المساواة، ومن اجل شرب النعناع والينسون بدل سيادة القانون. وهذا شغل لعشرات الالاف من العراقيين ايضا الذين يبنون عراقهم العظيم بالشتائم على العمائم وبالتمسك بالايدولوجيات واطلاق النكات على ما جد من الافكار والمقالات، وبالاشاعات المغرضات بدل الحقائق البينات، وياحوم اتبع لو جرينا..
واختم بقصة من التراث كالعادة، فقد دخل
طاووس اليماني على هشام بن عبد الملك فخلع نعله عند بساط هشام ،وقال له السلام عليك ،وجلس بجانبه وقال له كيف انت ياهشام. وكان هشام يغضب ويزداد غضبه اثر كل تصرف من تصرفات طاووس. فقال لطاووس : ما الذي دفعك لتفعل ذلك؟ فقال طاووس وما فعلت؟ قال هشام خلعت نعليك عند بساطي، ولم تسلم علي بإمرة المؤمنين ،وقلت ياهشام ولم تكنني وجلست ولم تبق واقفا . فقال له طاووس: اما خلع نعلي عند بساطك فاني اخلعهما بين يدي رب العزة خمس مرات كل يوم دون ان يغضب علي ، اما السلام عليك بإمرة المؤمنين فليس كل المسلمين راضين عنك، واما اني سميتك ولم اكنك فان الله تعالى سمى اولياءه فقال يا ابراهيم ويا موسى وكنى اعداءه فقال تبت يدا ابي لهب ، واما جلوسي فاني سمعت امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يقول من اراد ان ينظر الى رجل من اهل جهنم فلينظر الى رجل جالس وحوله الناس وقوف. وهنا جمع طاووس اليماني اذيال ثيابه وهرب.
الانتحاريون ومطعم النبي محمد
اترك تعليقا