الارهاب الالكتروني وتشويه صورة الانسان..
فاطمة الموسوي
وصلت الانجازات الرقمية الى حد القرصنة الروحية والجسدية.. ما تسبب بأزمات نفسية حادة ليس من السهل على الاطلاق العلاج منها بسهولة أو بسرعة معينة.. ما جعلنا نطرح اشكالية مصير الضحايا حتى لو تمت محاسبة الجناة.. خاصة أن الأزمات النفسية العادية لا يمكن الخروج منها بسهولة فكيف اذا ارتبطت بالفضيحة؟
ننطلق هنا من عشرات المجموعات المتخصصة بالفضائح الالكترونية والاغتصاب الافتراضي الذي تسبب بالاف الحالات من العنف النفسي والجسدي.. وصلت الى درجة الانتحار الذي ارتبط بالتهديدات المتكررة للضحايا بنشر ما يلوث سمعتهم ويطعن في كراماتهم.. لنطرح المقاربة العلمية التربوية والثقافية لهذه الجرائم بحق الانسانية.. حيث نرى أنها تعود أولا الى الاسلوب التربوي عند النواة الاولى، مرورا بالبيئة الصغيرة الحاضنة لهذه الافكار الرجعية والمشجعة على نمو بذور الارهاب الفكري والاخلاقي.. الذي يبني شخصيات مريضة أخلاقيا قد لا تستطيع التربية المدرسية ولا حتى الجامعية أن تغير في جذور هذا البناء المشوّه.. لنراه يتساقط حجرا حجرا على رؤوس أفراد المجتمع المستهدفين وخاصة الفتيات المراهقات والاطفال..
في إطار هذا المنظور النظري يبقى السؤال الخفي و الصالح للنقاش في هذا الإطار هو: “لماذا بعض الأفراد يصبحون جانحين في حين يوجد آخرون، في ظروف و في سياقات مشابهة، لا يتبنون السلوكات نفسها و لا يتقاسمون نفس القيم”؟
يجب الأخذ بعين الاعتبار “مقاربة R.K.Merton التي يسميها TENAERTS Marie-Noëlle بالمقاربة اللامساواتية. فبالنسبة لهذا السوسيولوجي فاللامساواة الاجتماعية تلعب دورا مهما. حسب Mucchieli:”يعد R.K.Merton أول من فهم أهمية الفرق بين التطلعات إلى النجاح الاجتماعي التي تشجعها الأيديولوجية الفردانية للمجتمعات المعاصرة و واقع اللامساواة الاجتماعية (و العرقية) التي، في الواقع، لا تقدم وسائل الوصول لكل واحد.” إن هذه الأيديولوجيا الفردانية عرفت انتشارا واسعا في المجتمع الاستهلاكي الحالي”.
أما هذا المقال فهو خارج عن السياق العام للمجتمع الواقعي.. بل هو في صميم المجتمعات الافتراضية غير الواقعية.. رغم انعكاساتها الحقيقية وتأثيراتها السلبية التي حولت هذا المجتمع الافتراضي الى ارض خصبة للدراسات والبحوث العلمية.. حيث أصبح العلم أمام ظاهرات اجتماعية خطيرة أبرزها تحول الشخصية الانسانية الواقعية الى شخصية مجرمة مريضة.
أما البيئة الحاضنة الاكبر لهذه الشخصيات المريضة فكانت العالم الافتراضي المرتبط بمنصات ومواقع تواصل الكترونية.. هذه المواقع التي استقبلت الملايين من البشر لم تستطع أن تفرق بين انسان واخر.. ولا بين ثقافة وأخرى.. ولا بين مجتمع او دولة واخرى.. بل كانت ساحة حرب حقيقية لقتال الناس وتشويه صورة الانسانية.. حيث تعرّت القيم وتمرّدت القوانين ورحلت الانظمة واختفت كل الضوابط الاجتماعية والدينية..
هي الغابة الالكترونية المشرعة أبوابها لكل أنواع الحيوانات المفترسة بالكلمة والصوت والصورة.. أما شريعة هذه الغابة فقد اقتصرت على جرائم المعلوماتية التي تلاحق شكاوى من اختار المواجهة.. أما الاكثرية المطلقة من الضحايا.. وقعت في فخ التهديدات وتحولت الى شخصيات معنفة مستسلمة راضخة للأمر الواقع.. الامر الذي سيزيد من نسبة الاجرام والتعديات والتهديدات.. وسيحول هذه الشاشة الافتراضية الرقمية الى ساحة الغاء للعلاقات الاجتماعية الطبيعية واحترام حق الانسان في الحياة والتعبير والتواصل.. فهل يمتلك الانسان المناعة الكافية للمواجهة؟ أو أنه سيبقى أسير منصات الكترونية اقتراضية؟ وفي حال عدم وجود مناعة اخلاقية انسانية، كيف يمكن ان نحد من نسبة الجرائم الالكترونية والتعنيف عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟