اكتشاف الذات عبر التنقيب في الجذور
الفن روح متوهجة، إذا ما سكنت الإنسان فإنها تجعله متقد الرؤية، وهاج النظرة، قلق الوجدان، لا يرتضي السكينة الوادعة المؤمنة بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولا يقبل ذلك الهدوءالمستسلم المسلم لما تجري به الأحداث، بل يظل الإنسان المسكون بروح الفن في حال من البحث الدائم عن جوهر ذاته، وأسرار الوجود من حوله لأن تلك الروح الخلاقة لا تقبل الحقائق سابقة التجهيز، ولا تقنع بالمسلمات المعلبة التي يقنع بها الوادعون.
سعاد السامر كون مكتمل من الفن الخلاق، عبر عن نفسه بالكاميرا المقاتلة حيناً، وبالصوت المرهف حيناً، وبالقلم المتوتر حيناً.
مؤمنة هي بأنها لن تستطيع أن تكشف ذاتها ما لم تبحر في تاريخها، منذورة هي للبحث والتنقيب عن جذور الروح هناك: في البراح السومري، أو الأفق الآشوري، أو الفضاء البابلي، تعزف على قيثارة “شبعاد” أو “تستنطق جلجامش” أو ترسم خطوط التماهي بين جدها “بدن” وجدوده الخالدين.
مؤمنة بالإله الواحد الأحد سبحانه وتعالى، مطمئنة إلى أنها حين تقدس العظمة في وجه العراق وقلبه، أو حين تنظر بإجلال إلى تاريخ المرأة العراقية المجيدة الماجد، فإن هذا لا يمكن أن يخدش إيمانها العميق، تراودها الكلمات عن يقينها حيناً، وتفرض عليها سطوتها المشتطة حيناً، ولكنها تبقى دائماً معتصمة بإيمانها السامي بخالقها العظيم جل وعلا، وتفرد بالألوهية والوحدانية والكمال.
حين تصبح الكاميرا قلماً والمشهد عبارة، والكلمة لقطة، والصورة نبرة، والهمسة تشكيلاً، والكتابة بوحاً، والتصوير نطقاً، فأنت في عالم سعاد السامر الذي لا يشبه إلا ذاته.
فنانة أديبة، أديبة مخرجة، مخرجة رهيفة الحس، قلقة الوجدان، تلك هي سعاد السامر في “حفريات الطين” في تنويعة جديدة، بعد تنويعات شتى على لحن اكتشاف الذات: “أسرار الحرائر” “حمام نساء ديرم ديرم” “الشونزية موعدها الشمس”… والقادم أجمل إن شاء الله.
السيد حسن
المدير العام للبرامج الثقافية بالإذاعة المصرية
رئيس لجنة حماية اللغة العربية باتحاد كتاب مصر