نزار عبد الستار
ستارة باب الخروج المشعة بالشمس جعلتني لا أتبين ملامحها. لم اعدّل وقفتي إلا بعد أن صرتُ أبصر وجهها، واشم رائحة الباذنجان المقلي. تحسست الشرطية خصري ثم تلمّستْ بطني. كانت مسترخية وتحرك ثلاثة اصابع من كل يد. هي أقصر مني ومسطحة، ويبدو أنها أدركت من تمايلي أنني أخاف على قميصي الشيفون البنفسجي من أصابعها. قالت أنها تعاني من حرق خفيف وقد وضعت مرهماً ثم سألتني:
ـ هل ينتظرك أم لم يأتِ بعد؟
قلت:
ـ لم يأتِ بعد.
نبهتها إلى أنني لا أتوازن بسبب الدوخة والأرضية الخشبية وقد أقع، فردت أنها عرفت هذا من رجفتي ورائحة عرقي الزنخة. ابتسمتْ بخبث وقالت إنني في المرة السابقة كنت أعاني أيضا من دوخة. أشارت بأنفها إلى صدري وسألتني:
ـ هل تخفين شيئا في السوتيان ؟ .. أكياس شاي أو ملاعق مذهبة تخص مكتب المدير العام؟.
ـ لا شيء.
ـ اكره الكذب.
قلت لها وأنا أرتجف بسبب حرارتي المرتفعة:
ـ نحن في المطبخ نتقاسم الأشياء التي لا نستطيع تقديمها. حين تكون خيوط أكياس شاي ليبتون بلا علامات صفر لا نستطيع تقديمها إلى المدير العام.
لم ترفع بصرها عن صدري. صارت أكثر وضوحا وخيل إلي أنني أرى شعرة في شامتها السوداء البارزة في منتصف حنكها.
قالت بحقد:
ـ أنت تنامين مع عمال المطبخ وتنزعين العلامات الصفر من خيوط أكياس الشاي. لقد أمسكت بخمسة أكياس بالأمس في حقيبتك.
قلت وأنا أشعر باحتقان في البلعوم:
ـ نحن نجمعها وبعد ذلك نتخذ قرارا بشأنها.
ـ قلت لكِ أكره الكذب.
انتزعتْ حقيبتي من يدي وهي تسألني:
ـ أتسرقين هذه الأشياء وتعطينها إليه؟.
ـ لا.
ـ أنت تخرجين متأخرة دائما.
خيل إلي أن قطعا معدنية تدور في معدتي:
ـ علي أن أغسل الصحون. الرجال يرون هذا مهينا. يحبون تنظيف الأرض أكثر.
سألتني:
ـ هو ينام معك أيضا؟.
ـ لا .. إنه يحبني فقط.
ـ هل يعرف أنك تنامين مع عمال المطبخ وتسرقين أكياس شاي ليبتون؟.
قلت بينما أنفاسي تتسارع:
ـ أنا لا افعل هذا.
ـ أنت تكذبين.
دق الموبايل بنغمة رسالة. سألتني:
ـ هل جاء؟.
قلت وأنا ارتجف:
ـ لا أعرف .. الموبايل في الحقيبة.
أعطتني الموبايل وطلبت أن افتح الرسالة فربما يكون قد وصل. لم تكن منه. كانت رسالة خدمة متأخرة تقرأ لي طالع اليوم. لم اقل شيئا وقد تيقنت أنني سأقع. أردت أن اسألها عن سبب كرهها لي. تنفسي صار خشنا وتسارعت نبضات قلبي رغم ان الرسالة تقول أنني سأرتبط بقصة عاطفية وأتمتع بأوقاتي وينسيني احدهم ما حولي.
ـ ما هذا الذي في الكيس الأسود.
تلمّسته بشك. حاولتُ أخذه منها بابتسامة مصطنعة إلا أنها تلولبت معيقة يدي:
ـ شيء خاص.
تمكنتْ بسرعة من حل عقدة الكيس:
ـ إنه لباس داخلي.
قالت ذلك بابتسامة معوجة.
ـ أرجوكِ أنا تأخرت واشعر أنني مريضة.
تشنج وجهها:
ـ أريني .. أنت لا تلبسين شيئا تحت التنورة، أليس كذلك؟.
ومدت يدها، إلا أنني أمسكتها ممانعة. سألتها بتوجع:
ـ لماذا تكرهينني؟.
ـ لأنني شرطية.
أعطيت ثقلي إلى المنضدة الحديدية وقد خف ضياء الستارة وعادت رائحة الباذنجان إلى الانبعاث بينما الأرض تدور بي.
ـ هل لوثوه فخلعتيه. أكل هذا من اجل أكياس شاي ليبتون؟. هل فعلوا هذا بك في الحمام؟.
ـ لم يحصل هذا.
ـ أنا اكره الكذب.
ومدت يدها مرة أخرى فتراجعت:
ـ أنا ارتدي لباسا داخليا.
ـ وهذا؟ .. أهو للعمل؟.
قلت وأنا أوشك على البكاء:
ـ جلبته له.
نظرت في عيني طويلا وكأنها تحاول ألا تكون غبية. قلت:
ـ إنه يحب رائحتي فيه .. إنه يحب تلك الرائحة.
شعرت بصدمتها إلا أنها أظهرت عدم قناعتها. قلت بتوسل:
ـ أريد أن أذهب.
استعملت كل أصابعها في التحقق من انني لا اخفي فيه اكياس شاي ليبتون. أظهرتْ قوة في ابقائه بين يديها، إلا أنني انتزعته منها. قلت:
ـ لقد فعلناها بالامس في الموبايل وهو يحب تلك الرائحة فيه.. يحب ذلك.
قالت باسترخاء وكأنها عثرت على علبة شاي ليبتون كاملة:
ـ هو لا يعرف انك تنامين مع الجميع.
قلت وأنا أكاد أن أقع:
ـ إنه يحبني فقط.